على مدار السنة التي نودعها، كانت المؤسسة التشريعية محط متابعة من قبل الرأي العام الوطني، لما شهدته من أجندة حافلة على أكثر من صعيد، ومحطات بارزة احتدم فيها النقاش بين مكوناتها بشأن العديد من الأوراش التشريعية، نتيجة لتباين المواقف بخصوصها وكيفية تنزيل مضامينها على أرض الواقع. وهكذا، فقد تميزت الحياة البرلمانية خلال هذه السنة بوتيرة عمل تشريعي مهم، تخلله جدال حاد وكذا توافق في بعض محطاته، أدى إلى المصادقة على نصوص تشريعية مؤطرة ومؤسسة، منها على سبيل المثال القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين، وقانون المالية، ومشروعا القانونين التنظيميين المتعلقين بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم ومجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وبالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية. إضافة إلى ذلك، حفلت السنة الحالية بمحطات دستورية، فضلا عن مواصلة استثمار المؤسسة التشريعية لكافة الإمكانات المتاحة أمامها، سواء على مستوى التشريع أو المراقبة متعددة الأوجه وتقييم السياسات العمومية، من أجل تعزيز الانخراط في مسار النهوض بأدوارها. وفي قراءة لأبرز المحطات التي ميزت الحياة البرلمانية خلال السنة الجارية، لا بد من الوقوف عند ورش تشريعي مؤسس نال حيزا كبيرا من النقاش المجتمعي، ذلك المرتبط بالقانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، خاصة مع تسجيل خلاف داخل لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب بشأن لغات التدريس. لقد كانت الآمال معقودة على الدورة الاستثنائية للبرلمان لتشكل مناسبة من أجل تمرير هذا النص التشريعي، لكن الخلافات بشأن هذه المسألة كانت تؤدي في كل مرة إلى تأجيل النقاش والتصويت على مشروع القانون داخل اللجنة. ومع انعقاد الدورة الربيعية، تركزت الجهود حول إيجاد أرضية للتوافق حول النقطة الخلافية موضوع الجدل، وبالتالي تم التوافق في النهاية على التصويت على مشروع القانون. ويعكس النقاش الوطني الذي رافق هذا الموضوع الأهمية التي تكتسيها المسألة التعليمية في البلاد، ومكانتها المركزية بالنسبة للأسر والفاعلين السياسيين والمؤسسات، خاصة في ظل الرهانات المرتبطة بهذا الإصلاح الاستراتيجي. ومن ضمن اللحظات الأخرى التي عرفت نقاشا حادا بين الأغلبية والمعارضة، وفي بعض الأحيان بين مكونات الأغلبية بحد ذاتها، تلك المتعلقة بقانون المالية لسنة 2020، وأساسا حول المادة التاسعة "المثيرة للجدل" والتي تمنع الحجز على أموال وممتلكات الدولة عند تنفيذ الأحكام القضائية. لقد انقسمت المواقف بشأن هاته المادة بين اتجاهين، الأول دافع عن إبقاء هذه المادة في مشروع القانون مؤكدا الحرص على احترام الأحكام القضائية وعلى التنفيذ السريع لهذه الأحكام، وفي الوقت ذاته ضمان استمرار المرفق العام في أداء الخدمات المقدمة للمواطن بشكل خاص، وفيما دعا الثاني إلى سحبها لكونها تشكل خرقا لأحكام الدستور وتضرب في العمق النفس الاجتماعي الذي تؤكد عليه الحكومة. ولم يقتصر هذا النقاش فقط بين مكونات المؤسسة التشريعية، بل امتد صداه إلى داخل المجتمع وأصبح شأنا يهم الرأي العام، وهو الأمر الذي أدى إلى إحياء جدل قانوني ودستوري وحقوقي كان قد عرفه المغرب قبل سنتين خلال مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2017. في سياق متصل، تمكنت المؤسسة التشريعية من المصادقة على أوراش تشريعية مهمة أخرى تتمثل في القانونين التنظيميين المتعلقين بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وبالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية. فبالمصادقة على هذين النصين، يكون المشرع قد انتهى تقريبا من المصادقة على القوانين التنظيمية المنصوص عليها في دستور 2011، في انتظار المصادقة على القانون التنظيمي المتعلق بحق ممارسة الإضراب، الذي ينبغي أن ينضج التوافق الوطني حوله اعتبارا لأهميته. كما صادق على قوانين طال انتظارها وموروثة عن فترة الحماية، ويتعلق الأمر بثلاثة قوانين بشأن أراضي الجماعات السلالية تهم الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها؛ والتحديد الإداري لأراضي الجماعات السلالية؛ والأراضي الجماعية الواقعة في دوائر الري. غير أنه، بالمقابل، لم تتمكن الفرق والمجموعة بمجلس النواب لحد الآن، من وضع تعديلات على نص تشريعي مهم، يعرف نقاشا سواء داخل المؤسسة التشريعية أو خارجها بسبب تباين المواقف حول مضامين هذا النص، المعروض على أنظار لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بالمجلس منذ يونيو 2016، خصوصا تلك المتعلقة بالحريات الفردية وغيرها. وفي إطار مهامه التشريعية أيضا، وافق البرلمان بمجلسيه، خلال هذه السنة، على عدة اتفاقيات وقعها المغرب مع بلدان وتكتلات اقتصادية. ونذكر على سبيل المثال مصادقة البرلمان على مشروع قانون يوافق بموجبه على الاتفاق المؤسس لمنطقة التجارة الحرة الإفريقية القارية، والتي ستمكن المغرب، بحكم إمكانياته واستثماراته في القارة، من الولوج الحر للأسواق الإفريقية، مع ما لذلك من انعكاسات إيجابية على الدينامية الاقتصادية والخدماتية بالمملكة، وعلى المقاولة الوطنية بفضل الامكانيات الهائلة والآفاق الواعدة للاقتصادات الإفريقية. وفي نفس أفق الشراكات الدولية التي تربط المملكة مع التكتلات العالمية، صادق البرلمان على مشروع قانون يوافق بموجبه على اتفاق الشراكة في مجال الصيد البحري المستدام بين المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي، الذي يعتبر شريكا استراتيجيا تقليديا للمغرب. من جهة أخرى، وفي إطار التفاعل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، شهدت السنة الحالية محطة دستورية اكتست أهمية خاصة، متمثلة بمناقشة حصيلة العمل الحكومي برسم النصف الأول من الولاية 2016-2012 والتي قدمها رئيس الحكومة، حيث شكلت مناسبة لتقييم الإنجازات والإكراهات، والبحث عن استراتيجيات لما تبقى من عمر الحكومة، والوقوف على مدى التزامها بمضامين التصريح الحكومي الذي عرض على البرلمان. كما تميزت هذه السنة بمحطة أخرى تمثلت في تجديد هياكل مجلس النواب، وأساسا عملية انتخاب رئيس المجلس السيد الحبيب المالكي للسنة الثالثة ولما تبقى من الفترة النيابية 2016-2021، وذلك تطبيقا لمقتضيات النظام الداخلي لمجلس النواب، على أنه ينتخب رئيس المجلس في مستهل الفترة النيابية، ثم في سنتها الثالثة عند دورة أبريل لما تبقى من الفترة المذكورة، تطبيقا لأحكام الفصل الثاني والستين من الدستور. على صعيد آخر، شكل افتتاح افتتاح السنة التشريعية الرابعة، محطة مهمة في مسار البرلمان تميزت بالخطاب السامي الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، والذي شكل خارطة طريق ورسالة إلى البرلمانيين للاضطلاع بالصلاحيات، التي منحها لهم الدستور، وعكس نبض المجتمع من خلال التشريعات. فمع إشراف السنة الحالية على الانتهاء، تزداد التحديات التي ستكون المؤسسة التشريعية مدعوة لرفعها من أجل مواكبة المجهود الوطني للمرحلة الجديدة التي تعرفها المملكة لتحقيق التنمية الشاملة، وهو ما يستدعي تعبئة مختلف مكونات البرلمان من أجل القيام بالتأطير التشريعي للجيل الجديد من الإصلاحات التي ستنخرط فيها البلاد في الفترة المقبلة.