في الوقت الذي تتسع فيه رقعة احتجاجات الأساتذة المتعاقدين في مختلف جهات المملكة، عقد سعيد أمزازي، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي، مساء الأربعاء الماضي ندوة صحافية، أعلن فيها أن الحكومة لن تتراجع عن نظام التوظيف بالتعاقد، وهو ما قوبل بتهديدات بالتصعيد من طرف تنسيقية الأساتذة المتعاقدين. وقال أمزازي إن “نظام التعاقد والتوظيف الجهوي هو خيار حكومي استراتيجي لكن هناك إمكانية إجراء تحسينات عليه وتطويره”، معتبرا أن صيغة التوظيف بالتعاقد مع الأكاديميات الجهوية قد جاءت للإستجابة للخصاص الكبير في الموارد البشرية بقطاعةالتربية والتكوين. وقال الوزير إن من مزايا نظام التوظيف بالتعاقد أنه يضمن توظيفا جهويا عبر الأكاديميات، كما يوفر عدالة مجالية لكي تعبر كل جهة عما لديها من خصاص وتستجيب له. ربيع الكرعي، منسق جهة الدارالبيضاء السطات وعضو لجنة الإعلان، رد على وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي، متسائلا إن كانت الوزارة تعتزم تطبيق مبدأ الجهوية على الموارد البشرية فقط. وقال الكرعي في تصريح خاص لموقع القناة الثانية " إذا كان اعتماد اللامركزية هو السبب الحقيقي في التوظيف بالتعاقد، فلماذا لا تترجم هذه الجهوية على النظام الأساسي والمقررات أيضا. لأنه كل الجهات يُؤطرها نظام أساسي واحد وتعتمد نفس المقررات الدراسية، دون أي تغيير فيها يراعي خصوصية كل جهة من جهات المملكة. " وأضاف نفس المتحدث أن الحكومة قد تدعي "أنها شرعت في اعتماد مبدأ الجهوية عن طريق قطاع التعليم قبل تعميمه على القطاعات الأخرى، ولكن هذا خطأ كبير، إذ لا يمكن أن تُجرب هذه السياسة الجديدة على قطاع حساس مثل التعليم، الذي يُشغل عشرات الآلاف من الأطر التربوية. هذه التجربة كان بالإمكان أن تُسقط على قطاع آخر دون أن تؤثر على الموارد البشرية." واعتبر منسق جهة الدارالبيضاء أن تعبير الوزير عن رفضه القاطع للتراجع عن "خيار الجهوية الاستراتيجي" (اعتبره) "هروبا إلى الأمام"، مضيفا أن هذا الأمر سوف يؤدي حتما إلى التصعيد في الشارع، لأن "هذه التصريحات لا تعبر عن نية في التواصل من طرف الوزارة، بل هو إعلان على أننا وصلنا إلى الباب المسدود. فكما يقول الوزير لا خيار عن الجهوية، نحن نقول إنه ليس هناك خيار عن التصعيد في الشارع." وعقب الكرعي عن تصريح أمزازي حين قال إن وزراته ترفض الحوار مع التنسيقية، قائلا ''لاحظنا أن الوزير قال إنه لا يمكن النقاش مع التنسيقية، ولكن في نفس الوقت توصلنا بطلب من أحد القنوات المغربية من أجل انتداب ممثل عن التنسيقية للمشاركة في حوار مباشر سيشارك فيه ممثل من الوزارة. هذا الأمر غريب لأن الوزارة ترفض أن تستقبل التنسيقية بالوزارة من أجل الحوار، وفي نفس الوقت تُهرب النقاش إلى وسائل الإعلام." "وأمام رفض الوزارة للحوار الجاد من أجل التوصل إلى حل، فإننا بدورنا لن نقبل أي مفاوضات ولن نتراجع عن مطلبنا الوحيد المتمثل في الإدماج، ولن نقبل بأي حل آخر غير الإدماج. وبما أن الوزير يقول أنه لا يمكن الإدماج، فإننا نقول إنه لا محيد عن النضال،" يشدد نفس ربيع الكرعي. من جهته، اعتبر المحلل السياسي عبد الرحيم العلام أن وزارة التربية والتعليم لن تستطيع أن تفرض مبدأ التعاقد للأبد، إذ قال إنه "سواء اقتنعت وزارة التربية الوطنية بشرعية احتجاجات المتعاقدين أو لم تقتنع، فإنها ستجد نفسها في آخر المطاف اليوم أو غدا أو بعد غد، أمام أمر واقع مضمونه: المتعاقدون سييشكلون قريبا نصف عدد أعضاء هيئة التدريس، وفيما بعد سيشكلون الأغلبية." وإذا استمرت الدولة في مسار التشغيل بالتعاقد، يضيف العلام، "فإن هؤلاء سيشلون بإضراباتهم العملية التعليمية، وسيفرضون أمرا واقعا سواء بشرعية مطالبهم أو بقوتهم الاحتجاجية. لذلك من الأفضل أن تقف الوزارة وقفة تأمل تخرج بعدها بخلاصة مفادهها الاستجابة لمطالب الافواج الموجودة في المدارس، ووقف التدريس بالتعاقد لأنه سيفضي إلى خلق أغلبية كبيرة من شأنها التأثير على السير العادي للحياة الدراسية إذا ما استمرت الاحتجاجات." وكانت أحزاب الأغلبية قد خرجت ببلاغ عقب اجتماعها مساء الأربعاء تؤكد فيه بأن العمل بنظام التعاقد هو خيار استراتيجي لما فيه مصلحة البلاد ديمقراطياً ومؤسساتياً وتنموياً، كما دعت إلى "ضرورة صيانة حقوق التلاميذ بضمان استمرار العملية التعليمية". أما حزب الأصالة والمعاصرة، المصطف في المعارضة، فقط طالب بعقد اجتماع عاجل للجنة التعليم في البرلمان، بحضور وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، على خلفية التصعيد الذي أعلنه الأساتذة المتعاقدون، وما رافقه من تصعيد الحركات الاجتماعية. وأبرز الحزب ذاته دعمه ومساندته للمطالب العادلة والمشروعة للأساتذة المتعاقدين، مبيناً أنه يصطف إلى جانبهم في الدفاع عن الاستقرار المهني والاجتماعي للمتعاقدين خدمة لتأهيل وإصلاح المنظومة التربوية الوطنية بالبلاد. كما دعا حزب الاستقلال، المصطف في المعارضة أيضا، إلى تدارس وضعية الاحتقان الذي يعرفه قطاع التعليم، أمام توالي الإضرابات والاحتجاجات والاعتصامات التي يخوضها الأساتذة المتعاقدون، محذراً "من تفاقم الأزمة وتأثيرها بشكل سلبي على السير العادي والمنتظم للدراسة، ثم التخوف من سنة دراسية بيضاء".