مشهد يومي يتكرر، أمام إحدى البنايات بمدينة الدارالبيضاء. يجلس وحيدا على كرسيه، وبجانبه جهاز راديو، يصدح بصوت خفيض، يكسر صمت المكان. صباحَ مساءَ، وأيام الأحد، يجلس كشخصية للكاتب صاموئيل بيكيث في مسرحيته الفريدة "في انتظار غودو"، ينتظر شخصا أو شيئا ما، أو ربما هو أيضا ينتظر "غودو"، لينتشله من مشاق العمل ويخلصه من المشاكل الكبيرة، التي يعاني منها هو ورفاقه، في مهنة الحراسة الخاصة، أو "السيكوريتي" كما يحلو للمغاربة تسميتهم. أعداد "السيكوريتي" ارتفعت بشكل كبير، في السنوات الأخيرة، ذلك أن شركات الأمن الخاص تستقطب العديد من الأشخاص، من الجنسين معا، ومن مستويات تعليمية وعمرية مختلفة، غير أن المشترك عندهم واحد: "ضغوطات العمل وهزالة التعويضات". الأمر نفسه بالنسبة للشركات التي تتعدد وتتنوع تسمياتها وعروضها، غير أن هذا التعدد، يكون على حساب الحقوق الاجتماعية، والأساسية للحراس الشخصيين، الذين يواجهون مشاكل عديدة، ويعانون في صمت، حسب ما استقيناه ممن فتحوا لنا قلوبهم، وتشاركوا معنا قصصهم. عبد المجيد (اسم مستعار)، حارس أمن خاص بأحد الإدارات الخاصة، قال في حديثه لموقع القناة الثانية، بنبرة صوت مستاءة: "نعاني كثيرا في هذه المهنة؛ نعمل لساعات طويلة تتجاوز أحيانا 12 ساعة، وهزالة التعويضات، التي لا تصل إلى الحد الأدنى للأجور،كما أنه لا يتم التصريح بنا لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي". يضيف عبد المجيد، وهو يرتب ربطة عنقه: "الشركة التي أشتغل معها، كباقي الشركات، تقوم بتجديد العقود كل ستة شهور حتى لا يتم ترسيم المستخدمين وفي بعض الأحيان، كانخدمو بلا كونطرا، وحتى من يتوفرون عليها لا يتم احترام بنودها". "يتم استغلالنا بشكل كبير، من خلال القيام أيضا بمهام أخرى كالسخرة ومهام إدارية وخدمات شخصية خارج اختصاصاتنا، وأمام كل هذا نعيش دائما تحت هاجس وتهديد الطرد من العمل". يضيف المتحدث، وهو يحاول إخفاء تأثره بنصف ابتسامة. خلال حوارنا مع عبد المجيد، يتقدم زميل له، ويبدأ في الشكوى، بانفعال واضح: "في عملنا يغيب الأمن والاستقرار، نعمل لمدة 12 ساعة يوميا؛ ولا نستفيد من العطل العطلة السنوية وعطل الأعياد، ولا يتم تعويضنا على الساعات الإضافية، ويتأخر راتبنا، ما يزيد من تعقيد وضعنا المادي". وقبل الانسحاب، يختم كلامه: "هاد الحالة ماتبغيهاش لعدوك". من بين حراس الأمن الخاص، الذين تحدثنا معهم، بدر (اسم مستعار)، شاب عشريني، حاصل على إجازة في القانون، وهو الآن في السنة الثانية من سلك الماستر، في هيأته الأنيقة وابتسامة لا تفارق محياه، يقول إنه لم يجد عملا بعد حصوله على الإجازة، فقرر العمل كحارس أمن، تحدث بدر باسترسال عن معاناته وزملاءه في المهنة، ولم يخف رغبته مغادرتها مع أول وأحسن فرصة تأتيه، ويستدرك مازحا "سأشتاق فقط للسكون الذي يطبع الفترة الليلية، الذي أستغله في الدراسة أو مطالعة كتاب". يضيف بدر: "أعرف العديد من الأشخاص، الذين يزاولون هذا العمل، وهم حاصلون على شواهد عليا؛ هم أشخاص شجعان، يواجهون شبح البطالة ومد اليد، أو ظروفهم العائلية تفرض عليهم هذا، كما أن هناك عدد من المزاولين، هم متقاعدين من وظائف عمومية وخصوصا من العسكريين". إشكالية تطبيق القانون قال حميد عسلي الباحث في القانون العام، إن قطاع شركات الحراسة يعاني من إشكالية تطبيق القانون، "فرغم أن القانون المنظم لهذه الشركات قد رأى النور منذ سنوات، إلا أن العاملين في هذا القطاع، تعاني نسبة كبيرة منهم من الحيف ومن الفوضى، وذلك يرجع بالأساس إلى غياب الدور الرقابي للمؤسسات الرقابة ومفتشي الشغل". موضحا أن العقوبات التي جاء بها القانون والمرسوم المنظمين، لهذا القطاع تبقى حبرا على ورق ولا يتم تفعيلها، لتبقى مشاكل المكلفين بمهام الحراسة عالقة" يضيف الباحث أن مشاكل هذه الفئة، "تفاقمها كذلك الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية بحيث أنها تتعاقد مع شركات الحراسة، عبر نظام أقل كلفة وللحصول على هذه الصفقات تلجأ الشركات إلى تخفيض ما يمكن من عرضها وهذا خطأ جسيم تسمح الإدارات بارتكابه لأن في الأخير رجل الحراسة هو من يكتوي بالضرر؛ فنجد رجال امن خاص يعملون 12 ساعة باليوم بمقابل قد لا يتجاوز 1500 درهم". مشيرا أن: "نجد في بعض الحالات، المشغل يعمد إلى احتساب التعويضات العائلية ضمن السميك، فيعطي مثلا 1600 و400 عن الأطفال لمن لديه اثنين مثلا ويقول بأن الأجر هو 2000 درهم". في ختام حديثه دعا الباحث في القانون العام الحكومة لأن تعمد إلى إصلاح هذا القطاع والضرب على المخالفين، وهذا ما لن يتأتى إلا بالمراقبة والزيادة في عدد مفتشي الشغل واعتماد الرقمنة والتكنولوجيا الحديثة في المراقبة". الحقوق الأساسية مهضومة من جهته، قال عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، إن حقوق رجال ونساء مهام الحراسة، مهضومة، ويعانون الأمرين ووضعا صعبا، فمن الناحية العملية، نجد أن أغلب هذه الفئة يشتغل 12 ساعة في اليوم، مع يوم واحد للراحة في الأسبوع، وغالبا ما يتم حرمانهم من هذا اليوم لأسباب متعددة، في مقابل أجور زهيدة جدا قياسا مع حجم المهمة والمخاطر التي يواجهونها، كما يتعرضون لمضايقات شتى من لدن المؤسسات التي يؤمنون الحراسة بها لإرغامهم على القيام بمهام أخرى، ومنهم من يتورط في جرائم الرشوة والابتزاز والوساطة في ذلك، خاصة في المستشفيات وغيرها". ودعا الناشط الحقوقي إلى ضرورة تقنين عمل شركات الحراسة، ومراقبة أداءها، خاصة مع مستخدميها، ووضع معايير مضبوطة فيما يتعلق بمهام الحراسة في المؤسسات، لأن في غياب هذه الشروط، القطاع سيظل عرضة للمآسي والمعاناة والأحداث المؤلمة، التي يزخر بها، حيث أن الحقوق الأساسية مهضومة بشكل كبير، مما يوفر بيئة حاضنة للمنازعات والصراعات المتكررة، والتظلمات والشكايات بدون حلول، وأحيانا للجرائم والحوادث المميتة، على حد تعبيره. ويضيف الناشط الحقوقي أن بعض رجال الحراسة، يقومون أحيانا بدور ضبطي "ليس من اختصاصاهم نهائيا، مما يتطور إلى ممارسة العنف"، من ناحية أخرى، يشير الخضري: "غالبا ما يوقعون على عقود عمل مؤقتة، لا يدرون تفاصيل بنودها، ومنهم من يتسلمها لتوقيعها والمصادقة على التوقيع على بياض، ليضع مشغلوهم بعد ذلك البنود التي تناسبهم، كما يحرمون من التأمين الصحي والتغطية الاجتماعية اللازمة إلا في حالات نادرة، ولمدد محددة، مما يجعلهم عرضة للحرمان من حقوق أساسية تضمنتها مدونة الشغل...". وكشف الخضري، أن القانون الحالي يفرض على الشركات المشغلة في مهام الحراسة جملة من الضوابط، منها التكوين والتأطير، وهذا البند للأسف لا يتم احترامه من لدن شركات الحراسة إلا حين يتعلق الأمر بعقود مع مؤسسات عمومية". واعتبر رئيس المركز لحقوقي أن علينا الاعتراف، بأن "هذا القطاع يعاني إشكالات بنيوية حادة، بحيث أن شركات الحراسة تجد نفسها، بعد انتهاء مدة العقد مثلا، أمام إلغاء نهائي للعقد، واستدعاء شركة أخرى، بدعوى أنها قدمت عرضا مغريا، أي أقل بكثير من عرضها، هنا يكمن الخلل الخطير، الذي يضع شركات الحراسة ورجال ونساء مهام الحراسة تحت رحمة سوق شرس، تتداعى جودته ونجاعته بسبب تنافسية غير معقولة وغير منضبطة، مما ساهم في دخول متطفلين على الميدان من سماسرة وأصحاب علاقات مشبوهة بمسؤولين، بدون خبرة ولا دراية بالمهنة، مما ينعكس معاناة شديدة لممتهني مهام الحراسة".