واقع حراس الأمن الخصوصي بالمغرب مثقل بالآلام و المتاعب ، ينخره الاستغلال المفرط و الحرمان الجائر لأبسط الحقوق من طرف مسؤولي بعض الشركات المشغلة لهؤلاء ، وهي ظاهرة ينبغي التعاطي معها بجدية من قبل السلطات المعنية و الجمعيات الحقوقية و الهيئات النقابية و السياسية... بالرغم من المرسوم رقم 2.09.97 الصادر في 16 ذي القعدة 1431 ( 25 أكتوبر 2010) بتطبيق القانون رقم 27.06 المتعلق بأعمال الحراسة و نقل الأموال الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5888 بتاريخ 26 ذو القعدة 1431 ( 4 نونبر 2010) و الذي يسند تنفيذه حسب المادة 22 منه إلى كل من وزير الداخلية و وزير التجهيز و النقل و وزير التشغيل و التكوين المهني، كل واحد فيما يخصه ، واستنادا إلى باقي المواد، فإن الوضع لايزال على حاله . رشيد البالغ من العمر 32 سنة ، حاصل على شهادة الإجازة في الحقوق، يشتغل بإحدى شركات الأمن الخاص، لم يتوان عن فتح صدره ، كاشفا معاناته بالقول « رغم أنني حاصل على شهادة عليا في الحقوق ، أعمل مثل الكثير من الشباب بهذه الشركة في ظل حقوق مهضومة ، المبلغ الذي أتقاضاه بالضبط هو 1500 درهم للشهر مقابل 12 ساعة من العمل يوميا ، محروم من الانخراط في الضمان الاجتماعي .» وعن السبب في ذلك رد قائلا وبكل بساطة « لأن صاحب الشركة لم يصرح بي لدى صندوق الضمان الاجتماعي ، وكما ترى فإنني أعاني من مرض على مستوى الظهر ، ولا أقدر على زيارة الطبيب و شراء الدواء ، إنني أتمسك بالصبر و الله يشفيني » . إنها عبارات تؤكد أن معاناة رشيد أكبر مما صرح به . قادتنا جولتنا صبيحة يوم الخميس، في ظل أحوال جوية متقلبة، إلى العديد من المؤسسات و الوكالات داخل المدينة و التي تعتمد على حراس الأمن الخصوصيين ، فكان أن قادتنا أقدامنا إلى المستشفى الإقليمي، حيث وجدنا شابا يقوم بحراسة الباب الرئيسي الموصد في وجه مجموعة من الأشخاص الذين كانوا في جدال معه ، اقتربنا منهم وحاولنا أن نلتقط ما كان يدور بينهم من حديث ، ففي الوقت الذي تصيح فيه سيدة مطالبة بالدخول لزيارة ابنتها المريضة بالمستشفى ، كان حارس الأمن يرد بصوت عال « أللا ، وقت الزيارة باقي ما وصل ، سيري الله يهديك ...» ، اقتربت منه أكثر و طلبت منه فتح الباب غير أنه رفض بدعوى تعليمات تلقاها من المسؤول عن المستشفى ، حينها عرفته بنفسي ، فصاح غاضبا « كن لي بغيتي ، واش باغي تخرج لي على خدمتي ؟ » غضبه أوحى لي و لمرافقي كون هذا الشاب يعاني من ضغط كبير سببه المواجهة الشديدة مع الزوار و التعليمات الفوقية التي إن أخل بها سيكون مصيره الطرد ، كلامنا لم يكن له صدى من طرفه ، حيث لم يعرنا اهتماما ، وحتى لا نصعد الوضع قررنا التوجه إلى إحدى الوكالات البنكية ، حيث صادفنا هناك المهدي ، حارس أمن خصوصي بربطة عنق زرقاء رسم عليها شعار و اسم الشركة المشغلة ، وعن سؤال صرح للجريدة قائلا : « أنا معندي حتى مشكل مع الشركة ، أتقاضى راتبا شهريا يقدر ب 2000 درهم ، مسجل بصندوق الضمان الاجتماعي ، أشتغل ثماني ساعات ، موزعة بين حصة الصباح و المساء ، المهم يمكنني أن أتزوج و أبني أسرة في ظل هذا الوضع و لو أنني غير مقتنع به ، فالعمر يمضي بسرعة دون أن نحقق شيئا يذكر ... و حسب علمي فالشركة التي أشتغل بها تعمل على منح العمال كل الحقوق المخولة لهم ...». كلام المهدي يستفاد منه أن هناك بعض شركات الأمن تطبق بنود مدونة الشغل و تحترم على الأقل الحد الأدنى منها. و على ذكر مدونة الشغل، قامت جمعية إشراق للأعمال الاجتماعية مؤخرا بتنظيم ندوة في موضوع «التعويضات و المستحقات المقررة للأجير في ظل مدونة الشغل» ، أطرها الأستاذ عبد الكبير مكار نقيب هيئة المحامين بالجديدة رفقة الأستاذ عبد الحكيم الخلفي محام بسيدي بنور، حضرها عدد من الأساتذة المحامين و المتتبعين لأوضاع الأجير بالمغرب ، هذه الندوة لها أكثر من دلالة في ما يتعلق بما جاءت به مدونة الشغل و الواقع المعيش المتناقض معها ، مع الإشارة كذلك إلى أن هناك حقوقا للأجير لا تحترم من طرف المشغل حال حراس الأمن الخصوصي وهي كذلك صيحة لأجل تدارك ما يمكن تداركه من ثغرات و التصدي لكل الاختلالات التي يذهب ضحيتها الأجير في ظل دولة الحق و القانون . فالعديد من المحاكم على امتداد التراب الوطني تعرف قاعاتها تداول عدد مهم من الملفات المتعلقة بالشغل، جلسات تناقش فيها معاناة الضحايا و ما لحقهم من طرد تعسفي و تهميش و سلب للحقوق . بإقليم سيدي بنور تقدمت مجموعة من الأشخاص كانوا يعملون بشركة حياة نكوس الحائزة على صفقة توفير حراس أمن للمؤسسات التعليمية ، بتسجيل شكاياتهم بواسطة دفاعهم أمام المحكمة الابتدائية ، وحسب بعض هؤلاء فإنهم يعملون 12 ساعة في اليوم دون الاستفادة من يوم راحة خلال الأسبوع و غير مصرح بهم لدى صندوق الضمان الاجتماعي و لا يتوفرون على أدنى وثيقة أو شهادة تثبت اشتغالهم بهذه الشركة ، كما يؤكدون كون الأجرة التي يتقاضونها و المتمثلة في مبلغ 1300 درهم للشهر لا تحترم أي نص قانوني، كما أنه لا يعكس المبلغ الحقيقي المصرح به ، بحيث هناك وثائق تؤكد على أن الأجرة الشهرية لحارس الأمن في النهار هي 2250 درهما للشهر بينما لحارس الأمن الليلي 2470 درهما ، والفرق شاسع بين ما هو على الأوراق و ما يمارس على أرض الواقع ، يقول عبد الحق « أخويا راه الظلم بعينيه ، واش 1300 درهم غادي اتخلص منها الكراء و الماء و الضوء ... كانظلوا 12 ساعة في الخدمة بحال المسجون ، أولادنا ما كنشوفوهم غير في الليل بحال موكة ( البوم ) ، ظلم كبير نعاني منه ، راه خاصكم اتوقفوا معانا..». عبد الحق البالغ من العمر 34 سنة ، متزوج وله بنت تبلغ من العمر سنتين، تحتاج إلى مصاريف تربيتها و لوازم عيشها ( الحليب الدواء الفوطات ...) ، نتيجة لظروفه القاهرة يبدو عبد الحق أكبر من سنه بكثير ، فشعره قد غزاه الشيب من كل جانب ، و التجاعيد ملأت وجهه ذا البشرة السمراء ، يداه الخشنتان تحكيان مدى معاناته مع أحوال الطقس « البرد فينا و الشمس فينا ، لا ملابس و لا معاطف و لا قفازات واقية و لا أي شيء » يضيف عبد الحق بمرارة كبيرة . انتشرت شركات حراس الأمن الخصوصي ، بحيث لم تعد تخلو أي مؤسسة أو شركة أو وكالة من هذه الفئة التي كانت بالأمس القريب تعاني من العطالة و الفقر و التهميش ، فئة حاولت و تحاول توفير الأمن لجميع المرافق التي تشتغل فيها رغم عدم خضوعها للتداريب أو أي تكوين يذكر ، بحيث تركت لحالها في تدبير أمور اشتغالها تتخبط وسط بحر من المواجهة و الصعاب التي لا تنتهي ، بإحدى المؤسسات التعليمية، أكد لنا حارس أمن رفض ذكر اسمه، أن هناك العديد من المشاكل التي تعاني منها فئة « الحراس » و من بينها مشكل الأجرة الشهرية التي لا تتجاوز في أحسن الحالات 1500 درهم للشهر و هذا لا يكفي لسد حاجيات الحياة، و كذلك هذا المبلغ لا يحترم المبلغ الذي تنص عليه قوانين الدولة ، يقول الحارس ، و هناك الكثير من الحراس الذين لم يتوصلوا ببطاقة الضمان الاجتماعي رغم تجاوزهم مدة العمل بأكثر من سنتين ، و إن توصلوا بها فهي تسجل فقط 16 يوما في الشهر، أي 16 نقطة و نحن نعمل 30 يوما دون انقطاع، يضيف الحارس، مع عدم توصلنا بتعويضات «الكونجي » منذ التحاقنا بهذه الشركة ، زيادة على توقيت العمل الذي لا يراعي حقوقنا . القانون رقم 27.06 المتعلق بأعمال الحراسة و نقل الأموال الصادر مؤخرا بالجريدة الرسمية ، نجده ينص في المادة الثالثة « للعامل العديد من الوثائق التي يجب أن يتضمنها ملف طلب الإذن بممارسة أعمال الحراسة أو نقل الأموال، و من بينها ما جاء في البند الثامن الذي يؤكد ضرورة التوفر على عقد تأمين مهني يبرم لدى شركة تأمين معتمدة لتغطية الأضرار التي قد يتسبب فيها العمل المذكور للغير و لتغطية المسؤولية المدنية». وفي المادة الحادية عشرة من نفس القانون جاء فيها : يجب ان يتوفر كل مستخدم للقيام بأعمال الحراسة أو نقل الأموال أثناء ممارسة مهامه، على بطاقة مهنية مسلمة من طرف مشغله ....» وهي البطاقة التي تحمل عددا من المعلومات المتعلقة بالشركة المشغلة و كذا الشخصية و الوضعية الاجتماعية للعامل . حاولنا أخد رأي الطرف الآخر ، فكان أن اتصلنا بمدير إحدى الشركات المتواجدة بمدينة الرباط ، غير انه رفض التجاوب معنا ، نفس الأمر صدر من طرف ممثل إحدى الشركات بمدينة الدارالبيضاء بعدما سبق وضرب لنا موعدا ، تهرب لا يجد تفسيرا له غير أن هناك خرقا للقانون وعدم احترام بنود دفتر التحملات ! لأجل تسليط الضوء أكثر على معاناة هذه الشريحة الواسعة من المأجورين ، أغلبها من الشباب الذي يتعرض لأبشع أنواع الاستغلال، كان لنا اتصال برئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع سيدي بنور ، الذي أكد كون الفرع، قد تلقى طلبات مؤازرة من حراس الأمن كمشتغلين بشركة « حياة نكوس » ، وهي شركة متعاقدة مع أكاديمية دكالة عبدة للتعليم لتوفير حراس الأمن للمؤسسات التعليمية ، «ومن خلال هذه الشكايات وقفنا على خروقات متعددة تتجلى في التلاعب في إبرام العقود حيث يتم ابتزاز المأجورين بدفعهم للتوقيع على وثيقة يصرحون فيها أنهم تسلموا جميع مستحقاتهم ، وقد بلغنا الجهات المسؤولة بخطورة هذه الوثيقة، يقول السيد العذراوي ، وعدم التصريح بهم لدى مؤسسة الضمان الاجتماعي رغم أن عددا منهم اشتغل مع الشركة المذكورة لمدة ثلاث سنوات بالإضافة إلى هزالة الأجور ، إذ يتقاضى اغلبهم 1300 درهم لا يتوصلون بها في وقت محدد و يتسلمونها بطرق متعددة، فمرة من مديري المؤسسات التعليمية و مرة من أحد الأعوان ، ومرة عن طريق موظف « مسؤول » عن تدبير ملفهم و وضعيتهم» . «إن الشركة المعنية، يضيف إبراهيم العذراوي، تخرق قوانين الشغل رغم نواقصها ، و هي نموذج للإجهاز على حقوق العمال الأساسية» . في نفس السياق تابع فرع الجمعية مشاكل مستخدمي شركة « ANA « المتعاقدة مع المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لدكالة ( ORAMVAD ) حيث تتم «مصادرة أية محاولة للتفكير في جهاز نقابي يدافع عن حقوق هذه الفئة من الشغيلة، و يتم توقيع عقود على بياض ، أما عملهم فيتم تقييمه بطرق مجحفة على مستوى ( Pointage ) و معايير غير واضحة للمستخدمين، يؤكد ابراهيم العذراوي ، مبرزا «كون هذه الفئة التي تقوم بأكثر من عمل الموظفين المرسمين في القطاع ، تتقاضى أجورا هزيلة و تشتغل أيام الأعياد و العطل ، وبعضهم لم تصرح به الشركة لدى الضمان الاجتماعي منذ سنة 2005 . أما مقر الشركة الذي يوجد بسلا، فقد صرح بعض المستخدمين بأنه « دار للسكن » ... وقد خلص إبراهيم العذراوي إلى أن «هدر هذه الحقوق لن يدفع العمال و عائلاتهم وحدهم ثمنه ، بل المجتمع بكامله، فمسؤولية حراسة الأطفال بالمؤسسات التعليمية وتوزيع ماء السقي على الفلاحين ، و حراسة مؤسسات كالمحاكم و المحافظات العقارية و المستشفيات و الأبناك ... ليست مسؤولية بسيطة» ، متسائلا «كيف لا ننتظر أن هذه الفئة نفسها ستبحث بالطرق المشروعة و غير المشروعة، لكسب قوتها ؟ فشروط العمل لدى هذه الشريحة من العمال جد مزرية ، فهم الآن أدوات إنتاج لهذه الشركات و لا تكفل لهم ليس الحد الأدنى للأجور ، بل الحد الأدنى للحياة ، لذلك فكل القوى الحية مدعوة إلى فضح خروقات هذه الشركات « العابرة للقوانين » .