أطلقت مجموعة من المؤسسات الفكرية الوطنية نداء إلى "كل القوى الحية ببلادنا من أجل إطلاق حوار شامل لبناء مغرب جديد يضم كل المكونات وفئات البلاد"، داعية إلى "التفاعل الإيجابي وتعزيز مسار إعادة الثقة لإنجاح رهان بناء مشروع اجتماعي متجدّد، وتحصين الوطن أمام تحديات الحاضر والمستقبل". ووقّع على النداء من مؤسسة علال الفاسي ومؤسسة عبد الرحيم بوعبيد ومؤسسة علي يعته ومؤسسة أبوبكر القادري للفكر والثقافة، ومؤسسة محمد عابد الجابري للفكر والثقافة، ومركز محمد بنسعيد آيت يدر للأبحاث والدراسات، ومركز محمد حسن الوزاني للديمقراطية والتنمية البشرية، وذلك خلال ندوة مشتركة عقدتها مساء يومه السبت بمقر حزب التقدم والاشتراكية بالرباط. وفي ديباجة البيان، اعتبرت المؤسسات المذكورة أنّ المغرب يعيش منذ سنوات "وضعية أقل ما يمكن وصفها بها أنها مقلقة، تسائل كل الفاعلين وكل القوى الحية بالبلاد"، مشيرة أنّ ظرفية الجائحة، نزلت كالسيل لتعمق هشاشة الأوضاع، ولتكشف عن قصور الاختيارات المعتمدة في تدبير الشأن العام. وأضافت المؤسسات أنّ "إنقاذ المغرب من الانزلاق إلى وضع يزداد تدهورا، يقتضي خلق الشروط التي تسمح بانطلاق نقاش شامل بين مكونات المغرب شعبا ودولة بهدف تهييء الأجواء لهَبةَّ وطنية جامعة"، مشيرة أنّ من بين هذه الشروط إرجاع الثقة إلى العلاقة بين المجتمع والمؤسسات. وأبرز النداء أن مجموعة من الدراسات العلمية والبحوث الأكاديمية وكذا العديد من التقارير بما فيها تلك الصادرة عن بعض مؤسسات الدولة، تكشف أن أكبر صدع يشكو منه المغرب هو انكسار الثقة بين المجتمع والدولة، لافتاً أنه "مهما خططت الدولة ورصدت من الأموال لتنفيذ مشاريع تهدف من ورائها للدفع بالتنمية البشرية في جهة ما، أو لمحاولة لتقليص فوارق اجتماعية أو بشرية، فإن مجهوداتها لم تؤت أكلها ولا تجني منها الفئات المستهدفة إلا القليل، مما يؤدي إلى تفش اليأس وأحيانا انفجار الغضب وانكسار الثقة". كما دعت المؤسسات الموقعة على النداء إلى اعتماد آلية النقاش والمكاشفة والحوار تجسيداً لما ينص عليه دستور المملكة من أهمية التشاور والحق في الاختلاف والتعدد المنتج، موردة أنّ إنصات الدولة لصيحات الغضب الصاعدة من عمق المجتمع من حين لأخر، ضروري لتجنب السلوكات السلبية التي تؤدي إلى فترات تشنج وتطاحن وتوتر وحتى مواجهات وظاهرة السلوك السلبي تجاه الشأن العمومي كما يتجلى في العزوف عن الانتخابات وفي تراجع دور الوساطة بين المجتمع والدولة الذي يؤول مبدئيا إلى التنظيمات الحزبية والنقابية والمدنية، والذي لا يجب أن يستهان به. وأوضح النداء أنه ليس "من سبيل لدرء هذا الأفق المظلم إلا باعتماد النقاش والتحاور كآلية تجسد الحق في الاختلاف الذي هو معطى طبيعي داخل المجتمعات البشرية والقبول بع قيمة حضارية مؤسسة لحداثة الشعوب"، كما شدد على أهمية الرفع من قيم الفعل المدني والممارسة الجماعية المفضية إلى الرقي الإنساني. كما لفتت المؤسسات الفكرية الوطنية إلى ضرورة بلورة المشترك المؤسس لوطنية متجددة، ويقول نداؤها في هذا الجانب: " الوطن انتماء لهوية جامعة تتأسس على اختزالات قد تحجب التعدد وتخفي الاختلافات، إلا أنها، في سياق تبلورها التاريخي، تكشف عن تعددها وتفتح المجال لتعبيراتها المختلفة، وتضمن بذلك استقرارها وتآلفها كوطن يعرف بذكاء حل معادلة التعدد والاختلاف والوحدة". وأورد النداء أن المغرب، تدرج خلال تاريخه الحافل، من أنماط للوطن اختلفت فيها طبيعة الرابطةالجامعة؛ من الرابطة العرقية القبلية إلى الرابطة الروحية الدينية، إلى الرابطة الترابية السياسية، مؤكّدة أن المغرب اليوم، نساء ورجالا، يطمح إلى التأسيس الجماعي لرابطةالمواطنة، بما تستدعيه من قيم، ونمط عيش، ونموذج تنموي، ومخيال جماعي ينهل من الإيجابي في هذا التراكم وفي تجارب أخرى لبلورة أسس متينة جديدة تفي بحاجيات التقدم والازدهار والنماء. وفي ختام النداء، قالت المؤسسات الفكرية إنها تنتظر طرح مشروع التنمية الجديد لتناوله بالدرس والتحليل، حتى تتمكن من التطرق إلى كل الجوانب التي تهم حاضر ومستقبل الوطن في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية الشاملة، مساهمة منها في بلورة المشترك المؤسس لوطنية متجددة.