خص رئيس جامعة محمد الخامس بالرباط محمد غاشي بحوار أبرز فيه مساهمات الجامعات بأبحاث علمية حول (كوفيد-19) وقضايا جامعية أخرى في ظل الجائحة. 1 - البحث العلمي ركيزة أساسية للخروج من الأزمة، ماهي مساهمة الجامعة في هذا الصدد؟ لا شك في أن البحث العلمي ، إلى جانب التعليم ، يعد المدخل الأساسي للتنمية المستدامة وركيزة أساسية للخروج من أزمة (كوفيد-19). هذه الأخيرة التي أثبتت أهمية البحث العلمي ومساهمته في الحد من آثار جائحة كورونا وقدرته على إيجاد الحلول الناجعة في تدبير الأزمات الوبائية. فيما يخص مساهمة جامعة محمد الخامس بالرباط، فقد تم اقتراح ما يقارب 60 مشروعا بحثي ا متعلقا ب(كوفيد-19) في أقل من شهر، تتعلق بقضايا معرفة فيروسات كورونا، والرصد الذكي للفيروسات، وتحسين الرعاية الطبية، واستخدام النباتات الطبية، ومعالجة النفايات الناتجة عن الوباء، والحلول المقترحة للإقلاع بالقطاعات الاقتصادية في ظل الأزمة، والمقاربات التعليمية في فترة الجائحة، إلخ. بالموازاة مع ذلك، قامت الجامعة بإصدار ونشر مؤلف جماعي تحت عنوان "المعرفة والابتكار والخبرة في مواجهة وباء كوفيد-19.. نحو خروج سريع من الأزمة، تحليل التداعيات واقتراح الحلول"، وهو الدليل المعرفي لجائحة (كوفيد-19) للجامعة، يقوم بتحليل تداعياتها من مختلف جوانبها الصحية والإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية، ومن تم تقديم حلول ناجعة وفعالة للأزمة المترتبة عنها. إننا نطمح أن نجعل من هذا المؤلف وثيقة مرجعية أساسية، سواء للخطط الرامية للنهوض بالقطاعات المتأثرة بالجائحة، أو لمشاريع البحث والابتكار التي سيتم تنفيذها في هذا المجال. ولقد بلغت نسبة المنشورات العلمية التي تناولت موضوع (كوفيد-19) أكثر من 26 في المائة من مجموع المنشورات في المغرب في الفترة الممتدة ما بين يناير وشتنبر 2020. وتجدر الإشارة إلى أنه خلال الدعوة الأخيرة للمشاريع البحثية في مجال الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، حصلت جامعة محمد الخامس بالرباط على 30 في المائة من المشاريع المختارة و29 في المائة من التمويل الكلي. وتهتم هذه المشاريع، التي تتعامل مع التطبيقات القطاعية للذكاء الاصطناعي، بعدة مجالات تشمل الصحة، والزراعة، والتعليم، والمياه، والبيئة، والعدالة، والمدن الذكية، والبيانات الضخمة... تقدم غالبية هذه المشاريع البحثية حلولا مبتكرة للتعامل مع القضايا المغربية. ولا يفوتني بالمناسبة أن أذكر أن جامعة محمد الخامس بالرباط تمكنت من تحقيق الريادة في براءة الاختراع. فقد تم ، من بين 254 براءة اختراع قدمتها جامعة محمد الخامس ، نشر 174 براءة اختراع من قبل المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية، مع حصول 158 براءة اختراع على الاعتراف النهائي بالجد ة والابتكار والتطبيق الصناعي. وفي هذا الإطار، تعمل الجامعة على إنشاء شبكة InnoVal (الشبكة المفتوحة للابتكار والتثمين)، التي تضفي الطابع الاحترافي على مساحات الابتكار والتثمين في مؤسسات الجامعة، حيث ستساهم في تعزيز الإنجازات في مجال منح براءات الاختراع وتسريع إطلاق الأعمال المبتكرة. لقد كان لجائحة كورونا العديد من التداعيات على شتى المجالات، غير أنها وضعتنا أمام محطات تأمل وتفكير عميق في ضرورة الرفع من ميزانية البحث العلمي وتحسين مناخات العمل والإبداع وتحصين الملكية الفكرية وبراءات الاختراع. 2- ماهي الإجراءات المواكبة للدخول الجامعي الجاري في سياق الجائحة؟ تفاعلا مع ما تعيشه بلادنا من ظرفية استثنائية في ظل جائحة (كوفيد-19)، وحرصا منها على إنجاح الدخول الجامعي 2020-2021، قامت جامعة محمد الخامس بالرباط بفتح التسجيل القبلي في وجه الطلبة الجدد عن بعد بمختلف المسالك المفتوحة، عبر المنصة الإلكترونية المخصصة لذلك. كما أنه في إطار التدابير المتخذة لتقليص الحركية والاختلاط داخل الوسط الجامعي، اعتمدت الجامعة التسجيل عن بعد، دون الحضور شخصيا للمؤسسة المعنية، وذلك عن طريق إرسال الوثائق المكونة لملف التسجيل في صيغتها الرقمية إلى البريد الإلكتروني الذي خصص لهذا الغرض، على أن يتم الإعلان من طرف المؤسسات عن موعد وضع ملف التسجيل النهائي حسب جدولة زمنية مع تبسيط المساطر المعمول بها. وحرصا منها على ضمان تكافؤ الفرص بين جميع الطلبة في المشاركة في مختلف المباريات الخاصة بولوج سلكي الماستر والإجازة المهنية، فإن آجال التسجيل القبلي أخذت بعين الاعتبار وقت الاعلان عن نتائج امتحانات كل الفصول المبرمجة في الدورة الربيعية. بالموازاة مع ذلك، تمت بلورة برنامج خاص بالدخول الجامعي امتد من 15 شتنبر إلى غاية 15 أكتوبر 2020، ضم حصصا عن بعد، همت اللغات وتطوير المهارات الذاتية، وأنشطة رياضة، ولقاءات "على المباشر" مع طلبة وخريجي الجامعة، سهر على تنشيطها ثلة من الأساتذة والمدربين المعتمدين في اللغات والتنمية الذاتية، وذلك تحت شعار "الدخول الجامعي 2020-2021: برنامج دخول استثنائي لموسم جامعي استثنائي". وفيما يخص النموذج البيداغوجي، تم اعتماد صيغة مزدوجة بين "الحضوري" و”عن بعد” تأخذ بعين الاعتبار خصوصية المؤسسات والمسالك والمواد المدرسة بها. ويمكن في أي فترة من الموسم الجامعي 2020 – 2021 تكييف النموذج البيداغوجي المعتمد وذلك تبعا لتطور الحالة الوبائية والتغيرات التي قد تطرأ على المستوى المحلي والإقليمي والجهوي والوطني. 3- هل طرحت الجائحة إشكاليات على مستوى تدبير الدروس والتواصل بين الإدارة/الأستاذ/الطالب؟ بمجرد الإعلان عن الحجر الصحي ببلادنا، وحتى نتمكن من ضمان استمرار التحصيل الأكاديمي والتواصل الدائم بين الثلاثي الإدارة/الأستاذ/الطالب، عقدت الجامعة مجموعة من الاجتماعات لمناقشة وتحديد الإجراءات العملية الاستعجالية التي يمكن اتخاذها. أول إجراء تم اتخاذه، كان إحداث وتفعيل الحسابات الإلكترونية المؤسساتية لفائدة الطلبة، لتمكينهم من متابعة الدروس عبر المنصات والمواقع الإلكترونية للمؤسسات الجامعية ومن التواصل مع أساتذتهم. ثانيا قمنا، بفضل المجهودات الجبارة للطاقم التربوي والإداري والتقني، بتوفير ترسانة مهمة من الموارد الرقمية والسمعية البصرية وكل الدعامات البيداغوجية تجاوزت 97 في المائة من المضامين والمراجع البيداغوجية المبرمجة في الفصل الدراسي الربيعي وضعت رهن إشارة الطلبة لتحميلها من الموقع الرسمي للجامعة والمواقع الرسمية للمؤسسات التابعة لها. بالإضافة إلى هذا، تمت الاستعانة بمجموعة من المنصات التفاعلية لإنشاء الأقسام الافتراضية ك "غوغل كلاس روم" و "ميكروسوفت تيمز" و"مودل" بالإضافة إلى دروس عبر منصات" Massive Open Online Coursesو "Short Massive Open Online Courses". ولضمان التفاعل والتواصل المباشر مع الطلبة، لجأنا إلى استخدام تقنية التداول بالفيديو بواسطة منصات ك "ميكروسوفت تيمز" و "غوغل ميت"، وحاولنا بفضل هذه التقنية جعل تجربة التعليم عن بعد أكثر تفاعلية. وهذا ما لمسناه من خلال العدد المهم من المتابعات التي فاقت 180 ألف متابعة. هذا وقد تم وضع بريد إلكتروني خاص لكل مؤسسة رهن إشارة طلبتها لطلب الوثائق الإدارية دون الحضور للمؤسسة. 4- ماذا عن وضعية الإقامة الجامعية في ظل التدابير الاحترازية من (كوفيد-19)؟ كجزء من سياستها الاجتماعية، توفر جامعة محمد الخامس بالرباط لطلبتها إقامات جامعية بكل من المدرسة المحمدية للمهندسين، والمدرسة الوطنية العليا للمعلوماتية وتحليل النظم، والمدرسة العليا للفنون والمهن وكلية علوم التربية. ففي إطار المجهودات الرامية إلى الحفاظ على صحة وسلامة الطلبة خلال هذه الظرفية الاستثنائية التي تعيشها بلادنا جراء جائحة كوفيد 19، وتهييئا للظروف الملائمة للتحصيل خصوصا في الفترة المخصصة للتعليم الحضوري، تم وبتنسيق مع السلطات المحلية فتح بعض الإقامات الجامعية التابعة لجامعة محمد الخامس بتخصيص غرفة لكل طالب على أن يتم استقبال الطلبة حسب مستوى الدراسة (مثلا استقبال طلبة السنة الأولى لمدة 6 أسابيع المخصصة للتعليم الحضوري بعدها طلبة السنة الثانية …) مع اتخاذ جميع الإجراءات الاحترازية وضمان احترام التدابير الوقائية التي وضعتها السلطات المحلية لتفادي نشر العدوى. 5- ماذا يمثل التعليم عن بعد بالنسبة لجامعة محمد الخامس؟ إن تجربة التعليم عن بعد بجامعة محمد الخامس بالرباط لم تكن وليدة الأزمة التي جاءت بتفشي فيروس كوفيد 19 بل انطلقت بإنشاء خلية للتعليم عن بعد سنة 2002، تحولت في 2005 إلى مركز الموارد الجامعية، ثم في 2011 إلى مركز التعلم عن بعد، ليصبح في 2019 مركز التعلم الرقمي. منذ ذلك الحين، كان التعليم عن بعد اختياريا، أما اليوم فأصبح ضرورة قصوى يأتي كنمط تكميلي للتعليم الحضوري. صحيح أن أزمة فيروس كورونا "كوفيد -19كانت عاملا أساسيا في تسريع وتيرة عملية التحول الرقمي في العملية التعليمية، غير أنها أوضحت أكثر كيف سيتم دمج وتطوير التعليم عن بعد في العملية التعليمية. إننا بجامعة محمد الخامس بالرباط، وانطلاقا مما تم استخلاصه من تجربة التعليم عن بعد في ظل هذه الجائحة، نقوم بتوفير الإمكانات والشروط اللازمة لإنجاح عملية المزاوجة بين الدروس الحضورية والدروس عن بعد، ووضع برنامج هادف ومسطر بإشراك جميع الفاعلين بالجامعة في بلورته وتنزيله تماشيا مع القانون الإطار للتربية والتكوين الذي يؤكد على ضرورة تنمية وتطوير التعليم عن بعد باعتباره مكملا للتعليم الحضوري.