يمكن للموسيقى، باعتبارها لغة عالمية قادرة على إيقاظ أحاسيس فريدة، أن تكون شفاء للعقول ودواء للقلوب. بيد أن الوقت الراهن يعج بالأغاني التجارية بدل الإبداعات الفنية التي تشنف الآذان. وفي ظل تنامي موجة الأغاني التي تفتقد في الكثير من الأحيان إلى اللمسة الفنية، بزغت موهبة حقيقية تروي الروح وتطرب الجمهور. برزت سكينة فحصي، بصوتها الأصيل الأخاذ، لتثري المشهد الموسيقي المغربي بأسلوب موسيقي يمزج بين إيقاعات عالمية متعددة. تعتبر سكينة، المولودة بالجديدة سنة 1993، إحدى أبرز الفنانات الواعدات على الساحة الموسيقية المغربية، وهي التي ألفت ولحنت وأدت 20 قطعة موسيقية، بما في ذلك 13 أغنية أدتها خلال جولاتها الاستعراضية. تقول هذه المغنية الشابة في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، إنها اكتشفت حبها للموسيقى، منذ نعومة أظافرها، عن طريق والدها، "بدأ أبي يسمعني الموسيقى بعد سبعة أيام فقط من ولادتي، ومنذ ذلك الحين لم يتوقف عن تشجيعي على المضي قدما في هذا المجال". وهكذا، غادرت سكينة مسقط رأسها للحصول على الماستر بمراكش، قبل أن تعود إليه لتحضير الدكتوراه في الجيولوجيا. فهي فنانة تعشق أيضا دراستها. فالفنان، برأيها، يحمل رسالة نبيلة، وبالتالي يجب أن يكون متعلما ومثقفا. "لقد حثني والداي دائما على المثابرة في دراستي بالموازاة مع مسيرتي الموسيقية". وأضافت المغنية "كانت بداياتي في دار للشباب سجلني فيها والداي لأنهما يدركان أهمية الثقافة في إثراء شخصية الطفل"، مؤكدة أنها غنت لأول مرة أمام الملأ في عرض بهذا المركز الثقافي، قبل أن يدعوها مدرس الموسيقى للانضمام إلى معهد الموسيقى للوقوف على المسرح وإطلاق العنان لموهبتها الفذة. وأردفت قائلة "في الباكالوريا، شاركت في أول إقامة فنية باسم "مازيغان"، نظمها المعهد الفرنسي. وكان عرضي الأول بالحي البرتغالي في الجديدة، قبل الذهاب إلى قصر مولاي حفيظ بطنجة لتقديم عرض ثان في إطار إقامة فنية وثقافية أخرى تضم أنشطة المسرح والموسيقى والرقص والألعاب البهلوانية". وبعدها انضمت المغنية الشابة إلى مجموعة "هيت سبيريت" سنة 2011، قبل أن تستهل جولاتها الموسيقية سنة 2014 في البرتغال وإسبانيا والرأس الأخضر والمغرب. وفي سنة 2015، رأى النور مشروعها الأول "سكينة فحصي وتاوادا"، حيث بدأت تغني مؤلفاتها الخاصة. وشاركت سكينة، مدفوعة بعشقها لروح المغامرة، في مسابقة "عرب غوت تالنت"، حيث قادها أداؤها الرائع إلى نصف النهاية: "جاءت مشاركتي في هذا البرنامج بمحض الصدفة، بعدما تكلف صديق لي بجميع إجراءات التسجيل. وقد مكنتني هذه التجربة الناجحة من أن أسمع صوتي في المشرق". ومنذ ذلك الحين، لم تتوقف سكينة عن إطراب الجماهير بألحانها المستوحاة من تيارات غنائية خارجية (الفلامنكو، والبلوز، والجاز، والموسيقى الإفريقية...) وداخلية (الملحون، والغرناطي، والحساني، والعيطة...)، وعن السفر للقاء معجبيها بكل من كرواتيا وسلوفينيا وفرنسا وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا خلال جولة سنة 2019. كما وقفت هذه الشابة الموهوبة على عدة منصات مغربية، لا سيما مهرجان أصيلة الثقافي الدولي، ومهرجان "تيميتار" بأكادير، ومؤخرا مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط، بالإضافة إلى حضورها المتميز في أيام قرطاج الموسيقية في شهر أكتوبر الماضي. وتستقي سكينة، التي تملك في رصيدها قطعا موسيقية أصيلة مثل أغنية "خربوشة" التي أحيتها من تراث العيطة وأغنية "جوديا" التي تعبر فيها عن حبها لأمها، إلهامها في تأليف أغانيها من مجال دراستها، معتبرة أن الجيولوجيا تعكس التواصل مع الطبيعة: "الجيولوجيا فن، وغالبا ما أقوم بتأليف أغاني خلال فترة الامتحانات". وبخصوص مشاريعها المستقبلية، يبدو أن جدول أعمال سكينة حافل بالمواعيد، بمشاركتها في إقامة فنية مقررة بالبرتغال ثم في مهرجان الجاز بقرطاج في أبريل، علاوة على حفلتين موسيقيتين بإسبانيا. وإيمانا منها بأهمية التكوين الأكاديمي، تنصح الفنانة المواهب الشابة بالتركيز على دراستهم: "نصيحتي للشباب الموهوبين هي التركيز على دراستهم، والحصول على دخل قار وعدم الاعتماد في الجانب المادي على الفن، لأنه مهمة نبيلة يجب القيام بها بدافع الحب". كما ثمنت سكينة التشجيع والدعم الذي تتلقاه من أسرتها ومحيطها، "أعتبر نفسي محظوظة لأنني نشأت في أسرة تحترم الفن، طالما آمنت بموهبتي، وأنا سعيدة جدا برؤية والداي فخورين بي". تملك سكينة، الشغوفة بالعلم والمولوعة بحب الموسيقى، مشاعر وأحاسيس جياشة تنقل بها جمهورها إلى عالم موسيقي يزخر بأنماط متنوعة. وهي تسير اليوم بخطى ثابتة وحثيثة، والأمل يحذوها في تصوير "فيديو كليب"، وتسجيل أغاني جديدة، وإضفاء مزيد من التوهج على موهبتها.