طفت على السطح في السنوات الأخيرة ظاهرة جديدة قديمة لمغنين شباب من أعمار مختلفة، وشملت مجموعة من المدن المغربية، خاصة الدارالبيضاء، والرباط، وأكادير، وشفشاون، وطنجة، ومراكش. شباب يحملون أدواتهم الموسيقية منها الطربية والإيقاعية يعزفون بها ويغنون ويرقصون، منهم من تخرج من المعاهد الموسيقية وآخرون تكونوا على أيدي محترفي الغناء والطرب، يفجرون مواهبهم أمام الجمهمور خصوصا في الساحات والفضاءات الكبرى لتلك المدن، حيث يوجد تجمع كبير من سكانها وزوارها. المطربون الشباب، الذين كانوا ينتشرون بالقرب من المقاهي، ومن نهاية خط "الترامواي"، بساحة الأممالمتحدة، وشارع محمد الخامس بالدارالبيضاء، كانوا يؤدون أغان أجنبية متنوعة ترجع لسنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم، إذ كانوا يعزفون مختلف الترانيم الموسيقية، التي تشد انتباه الزوار وكل من يزور مركز وعاصمة المال والأعمال، التي تستقبل طيلة أيام السنة، المئات من الزوار والسياح، الذين يقصدونها سواء قصد التجارة والأعمال أو السياحة والراحة والاستجمام، وهذا ليس بغريب على "كازابلانكا" التي تغنى بها أشهر فناني العالم، والتي أنجزت حولها العديد من الأشرطة الوثائقية والأفلام السينمائية. ظاهرة العازفين الشباب التي كانت تنتشر بالبيضاء، ظاهرة جديدة-قديمة، حيث يمكن تشبيهها بفن "الحلقة" الشعبي، الذي كان ينتشر في الأسواق والأحياء الشعبية، هذا الفن الذي اندثر في أسواق جل المدن المغربية باندثار وأفول أصحابه الذين كانوا بارعين في فن الحكي والغناء والرقص، والذين كانوا يقدمون فنهم من أجل الاسترزاق والحصول على المال، مستعرضين مواهبهم في الساحات العمومية وفضاءات الأحياء العشبية بالمدن والأسواق الأسبوعية بالقرى. وتعتبر ظاهرة الفنانين الشباب الذين كانوا منتشرين في البيضاء جديدة، باعتبار أن البعض منهم دخل المجال عن طريق الموهبة، والبعض الآخر عن طريق دراسة الموسيقى والغناء في المعاهد. ومن ثمة خاضوا تجربة الغناء وتأسيس فرق موسيقية، وإصدار ألبومات، عارضين فنهم في الشوارع لتقييم تجربتهم، غير أن بعض الفنانين اكتسبوا هذا الفن عن طريق الموهبة، واختاروا الالتقاء مع الجمهور، الذي يصفق لهم ويمدهم بالمال بعد إنهاء وصلاتهم الغنائية، من أجل تشجيعهم على الاستمرار في هذه المسار، الذي كانوا يعتمدون عليه للخروج من البطالة والاستعانة به في حياتهم اليومية، الظاهرة كانت لا تقتصر على الشباب فقط، بل إنها طالت الشابات أيضا، اللواتي يؤدين أغاني متنوعة خاصة الأغاني الغربية، وكان يوجد بين المجموعات الغنائية أزواج شباب، سيما في ما يتعلق بالفنانين الاستعراضيين الذين تلقوا تكوينهم في فن السيرك، والذين يبدون مهارات عالية في فن "الأكروبات".
جمهور ومهووسون بالرقص والغناء في فضاءات الشباب
للتقرب من العازفين الشباب ومعرفة أسرار ومغزى خروجهم للشارع، كانت "الصحراء المغربية" زارت فضاءهم وحلقاتهم التي كانوا يضعون وسطها آلاتهم الموسيقية، ومكبرات الصوت، ومظلات تقيهم حر الصيف، وأمطار الشتاء، كانوا يختارون كل يوم ركنا معينا من شارع محمد الخامس، أو ساحة الأممالمتحدة، حيث كان يتوزع فيها هؤلاء الشباب، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و 30 سنة، وكان يحمل كل واحد معه آلة موسيقية عبارة عن قيثارة، أو دف، أو مكبر للصوت، كانت هذه المجموعات الغنائية تبدأ تتقاطر على الفضاء، انطلاقا من الثانية أو الثالثة بعد الظهر، سيما السبت والأحد، حيث يهيئون أماكنهم بإتقان، ويطلقون موسيقى مسجلة حتى تمتلئ الساحة، عندئذ كانوا يشرعون في العزف والغناء على أنغام الموسيقى الغربية، أغنيات كان يختار كل واحد منهم، لونها وكلماتها ولحنها، سواء كانت لمشاهير الثمانينيات، والتسعينيات، أو أغانيهم الخاصة التي أبدعوا في أدائها وسط فضاءات منفتحة على جمهور من كلا الجنسين، ومن مختلف الأعمال، حيث كان هناك أطفال، شباب، كهول وشيوخ، وحتى أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، ومشردون مهووسون بالرقص على أنغام الموسيقى، فهذه العينة الأخيرة سيما من المتقدمين في السن، كم كانت شغوفة حد الجنون بالموسيقى الشعبية والغربية، وبالرقص الشعبي والغربي، وكان يظهر ذلك من خلال الرقصات التي يؤدونها والتي تنم عن كونهم لهم تجربة جيدة في الحياة، وكان لهم أصدقاء متميزون، وأنهم عاشوا حياة الترف والعز التي غابت في خريف العمر، عندما تخلى عنهم الأهل والأبناء، كما هو الشأن بالنسبة ل"عائشة"، (اسم مستعار)، امرأة تخطت عقدها السادس، كانت تقصد كل مساء المغنيين الشباب الذين يوجدون بالقرب من مقهى باريس، حيث تركن حقيبتها الكبيرة المجرورة التي تجمع فيها كل أغراضها، ما يدل على أنها تتخذ من الشارع مسكنا لها، كانت تأتي للمكان كي ترقص وسط حلقات الغناء، وتصفيقات الجمهور، وكلما ازداد حماس الجمهور، ازدادت حركاتها وشطحاتها، التي تدل على أنها كانت تتقن الرقص الغربي، والشرقي، وحتى الشعبي، رقصات متقنة وكأنها تلقتها في معاهد، عائشة تتقن رقصات الطونغو، والجاز، والرقص الشرقي، وترقص وهي كلها فرح وانشراح وكأنها تعيد ذكرياتها الجميلة، وحين تتعب، ترتاح قليلا، وتعود لتجر حقيبتها الكبيرة، وتغادر الفضاء لوجهة غير معروفة. مدير معهد الموسيقى: الظاهرة عالمية وتوجد في معظم عواصم دول العالم
أكد عبد الله الميري، مدير معهد الموسيقى بالدارالبيضاء، في لقاء مع "الصحراء المغربية"، أن ظاهرة المغنين الشباب في فضاءات الساحات العمومية، خاصة في ساحة الأممالمتحدة وشارع محمد الخامس، ليست بالغربية وهي ظاهرة عالمية، كونها توجد في معظم عواصم دول العالم، حيث توجد في باريس ونيويورك، ولندن، وألمانيا، وفي جل المدن العتيقة بإيطاليا، وإسبانيا، يقدم فيها العازفون، أغانيهم في الشارع، وهي وسيلة لجمع المال، عن طريق العزف أو الغناء أو عن طريق بيع ألبوماتهم الغنائية للجمهور، الذين يبادرون بشرائها من أجل مساعدتهم، مضيفا أن ظاهرة العازفين والمغنين الشباب في الدارالبيضاء، هي طريقة من أجل إثبات الذات، ومن أجل اختبار إمكانياتهم الفنية مباشرة مع الجمهور، لأنهم لم يجدوا من يتقاسم معهم ميولهم الفني، لذا اختاروا الخروج للشارع كي يخرجوا ما بداخلهم من مواهب، وعندما كان الجمهور يصفق لهم كثيرا، كانوا يعتبرون ذلك انتصارا ونجاحا، ويوجد الموسيقيين من يبحث عن هذا النوع من التشجيع من طرف الجمهور، الذي يغدق عليهم المال من أجل تشجيعهم على الاستمرار، مشيرا إلى أنه لا يمكنهم الاعتماد على الغناء والعزف في الشارع طيلة حياتهم لأنها حرفة غير مضمونة، وشدد الميري على أن مستوى عزف الشباب كان مختلفا، فمنهم من كان يعزف عزفا مضبوطا، ومنهم دون ذلك، لأنه عندما كان يجلس في أحد المقاهي القريبة منهم ليعرف مستواهم الموسيقي، ظهر له أن الفرق شاسع بين مجموعة وأخرى، وأنه يتذكر منذ سنتين، أن شخصا ممتازا كان يعزف "ربرتوار" متكونا من الموسيقى الغربية، هو من فتح الباب للعازفين الشباب وشجعهم على العزف في الشارع. وأشار الميري إلى أن هؤلاء الفنانين إلى جانب ما كانوا يقدموه من أغان وموسيقى، وترفيه للجمهور، كانوا يخلقون نوعا من الإزعاج لسكان المنطقة ولزبناء المقاهي، خاصة الباحثين عن السكون والهدوء، والاستمتاع بالوقت وسط مركز المدينة، سواء من جانب مكبرات الصوت، أو من ناحية نوعية الموسيقى التي قد تكون مزعجة، مضيفا أنه كان هناك موسيقيون أزواج، كعازف قيثارة وزوجته، أو مغن وزوجته، التي تغني هي أيضا معه، مما يثير التساؤل هل اتخذوا الغناء والعزف مهنة، أو حرفة، فإن كان الأمر كذلك فهي غير مضمونة، خوفا أن يأتي قرار من السلطات تمنع العزف في هذه الساحات، وهذا ما تم تطبيقه هلال الأيام القليلة الماضية، فضلا عن ذلك، يشير الميري، إلى أن من مساوئ العزف بساحة الأممالمتحدة، أن الجمهور يجتمع بالقرب من "الترامواي"، وهذا ما يشكل خطرا في حالة الازدحام، ما يتعذر على المستمع الانصات لأي منهم ولا أغانيهم. في رده على سؤال حول خريجي معهد الموسيقى، هل سيكون مصيرهم العزف في الشوارع، قال المتحدث نفسه، إن التكوين في المعهد شيء، والاحتراف شيء آخر، حيث يوجد من يتعلم في المعهد الموسيقى من أجل صقل موهبته إلى جانب الدراسة، وهذا شيء إيجابي، لأنه ينمي قدرات الثقافية والفنية، ومنهم من يلتحق بالمعهد من أجل تعلم الموسيقي للاشتغال بها، ومنهم من ينهي دراسته الموسيقية، والجامعية، وبعد التخرج، يشتغل أستاذا للموسيقى بالمعهد، ومنهم من يصبح عازفا ماهرا في أوركسترا، أو مغنيا مشهورا. ويوجد طلبة يدرسون في المعهد سنتين أو أكثر، ويغادرون للاشتغال مع بعض الأجواق في الأعراس، وهذا ليس بالعيب ولكن إذا اقترنت الدراسة الجامعية بالدراسة الموسيقية في الشخص الموهوب، فهذا يفتح له مجالات كبيرة في مشواره الفني، ويفتح له آفاق التعريف بموسيقى بلاده في المهرجانات الدولية، ومن خلالها يظهر للعالم أن هناك موسيقيين وعازفين ماهرين متكونين.
شهادات عازفين شباب
قال بدر معتز 24( سنة) في تصريح ل"الصحراء المغربية"، إنه من مجموعة "ديسكوفر"، المنشق من مجموعة "صون تريب"، التي لديها أغاني كثيرة وجدية خاصة بالمجموعة، وأن مجموعتهم شاركت في العديد من المهرجانات، كمهرجان البولفار، ومهرجان موازين، وجوهرة، وغيرها، وبعد اكتسابهم تجربة في العزف والغناء، خرجوا للشارع من أجل اكتساب تجربة أخرى ووسط الجمهور، تجربة جيدة استمرت مدة طويلة، لكنهم تفاجأوا أخيرا بمنعهم من طرف السلطات من مزاولة العزف والغناء بشارع محمد الخامس، وساحة الأممالمتحدة، لأن ذلك يسبب إزعاجا للسكان وأصحاب المحلات التجارية. وشدد بدر على أن منع الفنانين الشباب من الاستمرار في العزف والغناء في الشارع، هو خنق للظاهرة التي كان من الممكن ان تنمو مع مرور الوقت وتصبح جزءا من مركز الدارالبيضاء.
أسامة علمي (24 سنة)، من الفنانين الشباب، يتقن العزف على القيثارة، كما يتقن الغناء باللغة الإنجليزية، كان قد التقته "الصحراء المغربية"، بساحة الأممالمتحدة، رفقة مجموعته المتكونة من أربعة شباب، يعزفون بطلاقة وبانسياب، وكأنهم بأحد المسارح أو المهرجانات التي يلتقي فيها الشباب للاستمتاع بمعزوفات وأغنيات أمريكية، أكد في تصريحه في ما يخص ظاهرة العازفين الشباب الموجودين بالدارالبيضاء، أنه يدرس في السنة الثالثة، "كينزيتربي" (الترويض الطبي)، وأنه يحب العزف والغناء منذ أن كان في العاشرة من عمره، وأنه يعزف على القيثارة منذ كان في سن السادسة، وأسس فرقة موسيقية في سنة 2017، أطلق عليها اسم "الشيزوفريني"، التي تعني أصدقاء مجانين، ولديهم 6 ألبومات كلها باللغة الإنجليزية، وتتحدث عن المشاكل المختلفة في المجتمع، مضيفا أنهم شاركوا في العديد من المهرجانات المغربية الكبيرة، مثل مهرجان "التسامح" بمدينة أكادير، وحتى مهرجانات خارج المغرب، وأن وجودهم في ساحة الأممالمتحدة كان مرحلة من أجل اختبار قدراتهم مباشرة مع الجمهور، وكانت تجربة ناجحة، مشددا على أن أحد أعضاء فرقته انتقل للاشتغال مع فرقة موسيقية بمدينة برلين في ألمانيا، وأنه سيستمر في العزف والغناء لحين إتمام دراسته الجامعية، وعندها سيتفرغ للفن، ويتنمى أن يصير نجما إلى جانب مزاولة مهنة الطب.
من جهتهما، أوضح علي مرتاع (28 سنة)، وميشل رونع (25 سنة)، مهاجر من السينغال، الذي كان يرتدي ملابس فضية، بينما كان يرتدي علي ملابس ذهبية، ل"الصحراء المغربية"، أنهما من خريجي مدرسة "شمسي لفنون السريك"، وأنهما يؤديان حركات ايحائية، وهي حركات تعبر عن الأفكار والمشاعر والآراء، ومن أجل إتقان دورها، يرتدون ملابس وأحذية ذهبية أو فضية، ويطلون وجهيهما باللون نفسه، وأنهما يمران من حين لآخر بساحة الأممالمتحدة أو كورنيش عيد الذئاب، من أجل أن يأخذ الجمهور صورا معهما، وأن هدفهما الأساسي من ذلك جمع المال والاسترزاق والاستعانة على مصاريف الحياة اليومية، لأن التخرج من مدرسة السيرك لا يضمن الشغل.
بدوره، هشام معلول، (24 سنة) أكد ل"الصحراء المغربية"، أنه درس الموسيقي مند أن كان طفلا، وأنه أسس صحبة أصدقائه الذين كان يلتقي بهم ب"دار الشباب" بالحي المحمدي، التي تعلموا فيها العزف على الآلات الموسيقية، والمسرح، وأنهم يأتون لساحة الأممالمتحدة، من أجل اختبار تجاربهم الموسيقية، والعزف أمام الجمهور، الذي يشجعهم، مؤكدا أن وجودهم في ساحة الأممالمتحدة ليس الحصول على المال، بل اكتساب تجربة العزف أمام الجمهور، الذي يمدهم بالقوة، وأنهم يستعدون لإصدار ألبومهم الأول، لأنهم يعزفون ويغنون بالإنجليزية والفرنسية، خاصة أنهم طلبة بشعبة الإنجليزية في كلية الآداب بعين الشق، ويتمنون أن يصبحوا في المستقبل فنانين.