في الصورة المرحوم عمر محمد البديري ——————————‐—————————————- بقلم : الدكتور الصادق البديري حين انقطع النبض الإلكتروني، وخيم الصمت على شبكات التواصل، لم أكن أدرك أن قدري سيكون أقسى من مجرد انقطاع الاتصال. كيف لي أن أعلم أن خيوط التواصل مع أبي ستنقطع إلى الأبد، وأن صوته الدافئ الذي طالما ملأ حياتي بالحكمة والتوجيه سيغدو ذكرى تسكن القلب؟ في لحظات كهذه، يتجلى إيماننا بقضاء الله وقدره كبلسم يخفف من حدة الجرح، لكنه لا يمنع القلب من النزيف، نعم، الموت حقيقة نؤمن بها، وانتقال إلى عالم آخر نوقن به، لكن الفراق يظل فراقاً، والحزن يبقى حزناً، والدموع تأبى إلا أن تنهمر. كم كان قاسياً ألا أكون بجانبه في لحظاته الأخيرة، تلك اللحظات التي كنت أتمنى أن أسمع فيها وصاياه الأخيرة، وأن أقبل يديه اللتين طالما باركتا خطواتي، وأتذكر كلماته التي كان يكررها دوماً: "حافظوا على صلاتكم، كونوا صادقين، وابتعدوا عن حقوق الناس". كانت هذه وصاياه البسيطة العميقة، التي تختصر فلسفة الحياة كلها. والآن، في ظل هذه الحرب اللعينة التي مزقت كل شيء جميل في وطني، حتى شبكات الاتصال في كوستي صمتت، كأنها تشاركني حزني الصامت. لم أستطع حتى أن أواسي أمي، تلك المرأة القوية التي تحتاج اليوم إلى صوتي أكثر من أي وقت مضى، لم أتمكن من مشاركة أحزان أعمامي وأخواني وأخواتي، ولا من تلقي عزاء الأصدقاء والمعارف. يا لقسوة أن تجتمع عليك المصائب! فقد الأب، وصمت الهواتف، وصراخ الحرب، وعجز عن الوصول، كأن القدر يختبر صبرنا من كل الجهات. لكن في النهاية، نحن نؤمن أن كل هذا الألم له حكمة، وأن كل هذا الحزن سيتحول يوماً ما إلى سكينة وسلام. أدعو الله أن يتغمد روحك بواسع رحمته يا أبي، وأن يجمعنا بك في مستقر رحمته. وأدعوه أن يمنحني القوة لأكون كما أردت لي دائماً: إنساناً صالحاً، صادقاً، محافظاً على صلاته، بعيداً عن حقوق الناس، فهذه وصيتك التي ستظل نبراساً يضيء دربي، حتى ألقاك.