أشهر إدريس جطو، رئيس المجلس الأعلى للحسابات، الورقة الحمراء في وجه الأحزاب السياسية. وطالبها برد الأموال، التي حصلت عليها من الدعم العمومي، أي من المال العام، بعد أن عجزت عن تبرير مكامن صرفها، كما طالبها بتعيين حيسوبين لضبط مقادير المال العمومي الذي تحصل عليه. ومن غرائب الصدف أن حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الحكومة ويتولى رقابة المال العام، والذي يدعي أنه أعاد أموالا لخزينة الدولة لم يصرفها، والذي له عائدات من مساهمات برلمانييه تصل إلى حوالي 80 مليون سنتيم، مطالب برد 190 مليون سنتيم، أي ثلث ما يطالب جطو برده إلى خزينة الدولة من الأحزاب أي حوالي 577 مليون سنتيم. فالحزب الحاكم هو الذي ينبغي أن يكون قدوة، حتى لا ينطبق عليه المثل الشهير، "إذا كان رب الأسرة بالدف ضاربا فشيمة أهل الدار الرقص"، وإذا كان حزب العدالة والتنمية في ذمته أموال عمومية لم يبرر بالفاتورات أين تم صرفها فلا حرج على باقي الأحزاب، وهناك من في ذمتها بضعة ملايين، كما أن شريكه في الحكومة التجمع الوطني للأحرار مطالب بإرجاع 80 مليون سنتيم. الأحزاب المفروض فيها أن تقدم النموذج من نفسها هي التي تعطي النموذج السيئ للآخرين، ورغم أن المبلغ في حسابات الخزينة العمومية لا يمثل كبيرا إلا أن الاحتفاظ به يعتبر حراما حتى لو كان درهما واحدا. ومما حرص جطو على المطالبة به هو تعيين حيسوبي للتدقيق في مالية الأحزاب السياسية، أي مراقبة طرق صرف المال العمومي، وحتى مالية الأحزاب حتى لا يتم فتح الباب على مصراعيه أمام التمويلات المشبوهة. وبعد كل ما لهفته الأحزاب السياسية تبين أنها لا تتوفر على حسابات مدققة، وبالتالي تبقى شبهة التلاعب بالمال العام واردة في حق العديد منها، ولا مجال إذن لسماع صوتها وهي تزعم محاربة الفساد، الذي كان شعار أحد الأحزاب أثناء الحملة الانتخابية. كيف يعقل أن تتصرف الأحزاب السياسية في المال العام دون حسيب ولا رقيب؟ كيف تصرف من المال العام دون تبريرات قانونية؟ الكل يتحدث عن الحرص على المال العام، والكل أثبت عدم جديته في هذا المطلب لأن جطو طالب كل الأحزاب وليس هناك استثناء، وحتى لو كان فهو لا يشكل القاعدة ولا يقاس عليه أصلا. وبالمناسبة نجد من الضروري طرح سؤال جوهري: لماذا تأخذ الأحزاب السياسية مبالغ مالية من الخزينة العامة؟ ما هو دور الدعم العمومي؟ هل هو ريع أم ماذا؟ لما أقر المشرع دعما عموميا ومن المال للأحزاب السياسية فقد قرنه بالعائد. وهي مبالغ شبيهة بالضريبة التي ينبغي أن تنعكس على الخدمات. فالدعم العمومي الموجه للأحزاب جاء قصد تأهيلها للقيام بمهامها وليس مالا يضخ في حسابات غير معروفة. ولهذا نرى من الواجب أن يتم توزيع الدعم العمومي على الأحزاب السياسية وفق دفتر تحملات يشترط تحقيق نتائج محددة مقابل ما تحصل عليه الأحزاب.