أكثر عبد الإله بنيكران، رئيس الحكومة، الكلام حتى أصبح مملا. ومن كثُر كلامه كثُر سقطه كما جاء في الأثر. وسقطات بنكيران أصبحت مستعصية على العد. غير أنه في يم الكلام الجارف يستعمل مصطلحات كثيرة دون تحديد دقيق لمعناها. والمفهوم في التعريف هو المعرفة الأولية بموضوع ما. وهو بوابة صناعة التصور الكامل. ويبدو أن بنكيران ما زال لم يصل درجة المعرفة الأولية بالدولة العميقة. بنكيران يتحدث كثيرا عن هذا المفهوم. يكرر بدون مناسبة مفهوم الدولة العميقة لكن بشكل قدحي. فهي صنو العفاريت والتماسيح التي تعرقل الإصلاح وتقف في وجه البرنامج الحكومي، الذي وعد الناخب بالجنة فوق الأرض. ومن باب الأطروحة والنقيض تقدم فريق برلماني معارض برسالة يطلب فيها من رئيس مجلس المستشارين تخصيص الجلسة الشهرية المخصصة لمساءلة رئيس الحكومة عن السياسات العمومية لموضوع خطاب رئيس الحكومة لمعرفة ماذا يقصد بالدولة العميقة. فهل هي ما يُطلق عليه دولة داخل الدولة أو لوبيات عرقلة الإصلاح أو هي العفاريت والتماسيح، وفي التعبير الأخير هروب أكثر نحو الغموض. ونشير بداية إلى أن الدولة العميقة قد تكون جيدة وقد تكون سيئة. ونشير كذلك إلى أن السياسات الكبرى هي محصول زرع كثير وتضافر خبرات وأعمال من هنا وهناك، وهي عملية معقدة جدا ومسالكها تتسع وتضيق، وهي مساهمة مختلفة من المجهول والمعلوم من الأجهزة ومن وسائل الخبرة والمعلومة، وهي ليست تبسيطية كما يريدها بنكيران ولا يمكن اتخاذها في اجتماع حول قصعة "الكسكسو" يوم الجمعة، كما اعتاد دائما جمع "إخوانه" في التوحيد والإصلاح، حيث ما زال زعيمهم عكس ما يفهم البعض، ولا يمكن اتخاذها في العشاء الليلي، الذي يداوم عليه مع خلصه وأوفيائه من وزراء ومستشارين، وهو عشاء لصنع المؤامرات ضد بعض الأشخاص. اتخاذ القرارات السياسية شيء صعب ومعقد ويحتاج من بنكيران إلى الاستئناس بمفهوم الدولة العميقة وألا ينظر إليه نظرة ريبة. ففي عمق التعريف الدولة العميقة هي النواة الصلبة التي تبقى بعد أن يزول كل شيء أو ينهار في الظروف الاستثنائية، والحكومة ليست ولن تكون من الدولة العميقة لأنها من جنس الشيء الذي ينسخ بعضه، فحكومة تأتي في عقب حكومة أخرى. قد تضم الدولة العميقة لوبيات مصالح ليس من مصلحتها التغيير أو تفهم التغيير بطريقة مختلفة، وهي لوبيات لها تعبيرات سياسية هنا وهناك، كما يعتبر حزب العدالة والتنمية تعبيرا سياسيا عن مصالح موجودة داخل المجتمع وحتى خارجه بالنظر إلى ارتباط الحزب الإسلامي بالإخوان المسلمين. هذه النواة موجودة في كل دول العالم، وأساسا في دول العالم المتقدم والديمقراطي. نعتقد أن بنكيران لا يعرف أن أمريكا (وهي بالمناسبة راعية الإخوان المسلمين) لديها مسالك معقدة في اتخاذ القرار، ويتحكم فيه لوبيات المال والأعمال بالإضافة إلى منظمة الأيباك، وكان على بنكيران أن يعرف كيف صرفت الغنوشي زعيما في تونس بعد خطابه داخل مقرها، ولا عبرة بحديثه عن محاربة التطبيع. وفي بريطانيا تمتلك الملكة مفتاح الحكومة بتعيينها للسكرتير الأول لمجلس الوزراء. هذه نماذج من الدولة العميقة والتي يتواضع السياسيون على القبول بها. وتركيز بنكيران على الدولة العميقة يستبطن فكرة انقلابية قديمة هدفها انهيار النواة الصلبة.