مباشرة بعد حالة التصعيد في درجة التوتر التي تعرفها العلاقات بين الرباطوالجزائر،والتي كانت وراءها رسالة الرئيس الجزائري بوتفليقة إلى مجموعة الانفصاليين في لقائهم بأبوجا ، وما أعقبها من رد مغربي وضع النقط على الحروف،ارتأت بعض الأحزاب السياسية الجزائرية القيام(في شهر نونبر الماضي) بزيارة للمغرب في محاولة منها للمساهمة في تذويب الخلافات بين البلدين الجارين. وهي المبادرة التي رحب بها المغاربة.لكنها أجهضت(بالجزائر) في آخر ساعة. في هذا الوقت بالذات ، أعلنت مصادر إخبارية أن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، كريستوفر روس، يتجه لعقد لقاء ثنائي بين المغرب و"البوليساريو" بدون حضور الجانب الجزائري بغية السماح للانفصاليين بالإحساس بنوع من التحرر من ضغط ممثلي النظام الجزائري الذين يوجهون وفد الانفصاليين في كل شيء. وتم إجهاض الفكرة في الجزائر مرة أخرى .بعد هذا ، قررت مجموعة أخرى من الأحزاب الجزائرية زيارة المغرب.وهو ما تم فعلا.لكن سيتم إجهاضها بطريقة أخرى. فبدل منع هذه الأحزاب من الذهاب إلى المغرب للقاء من شاءت من الأحزاب المغربية ، سمح لها بالتوجه إلى الرباط.وما كادت تستأنس بالأجواء الحميمية في المغرب من خلال اجتماعها مع بعض الهيئات السياسية حتى استل النظام الجزائري سيف الإجهاض للتأثير وإفشال مبادرة وفد الأحزاب الجزائرية في العاصمة المغربية عن طريق إعطاء الضوء الأخضر محمد ولد خليفة، رئيس الغرفة السفلى بالبرلمان الجزائري لتوجيه تهديد الجزائر للمملكة المغربية بدون أدنى احترام حتى لوفد الأحزاب الجزائرية الذي كان يوجد وقتها بالرباط ،حيث استعرض الرجل عضلاته وهو يتبجح بأن بلده تتوفر "على جيش وطني قوي" قادر على مواجهة من "يحاول التهجم على الجزائر". نعرف أن هذا الكلام بقدر ما جاء ليجهض التقارب الذي دشنه وفد الأحزاب الجزائرية في تجاه المغرب ، بقدر ما هو موجه لمغازلة المؤسسة العسكرية الحاكمة بأمرها في الجزائر، خاصة أن العديد من كبار الجنرالات كانوا بين الحضور في قاعة البرلمان. ونعرف أيضا أن ولد خليفة، الذي فاه بما فاه به من كلام ،هو أحد المرشحين المحتملين ، أو المنتظرين، لخلافة بوتفليقة المريض الذي تتحدث الأخبار القادمة من العاصمة الجزائر من أن هذا الأخير يصعب عليه الترشح لولاية رئاسية أخرى ، أو لنقل أن حظوظه أصبحت ضئيلة جدا رغم تصريحات بعض قادة الأحزاب وفي مقدمتهم عمار سعداني ، زعيم جبهة التحرير الوطني (الحزب الحاكم) بتشبثهم بالرئيس بوتفليقة مرشحا قادرا على حكم الجزائر لولاية رابعة. بل عن حتى إمكانية تمديد ولاية بوتفليقة عامين إضافيين لم تعد ممكنة بسبب وضعه الصحي إلى جانب رفض عدد من جنرالات الجيش ، يتزعمهم الجنرال توفيق المتحكم في جهاز المخابرات الأمنية. هذا هو سياق كلام ولد خليفة الذي لا شك أن تأثير الوعود و"الضمانات" المقدمة إليه من طرف طغمة من الضباط النافذين والمستنفذين في الجهاز العسكري بالجزائر،بهدف ترتيب الأجواء له للوصول إلى قصر المرادية، أسالت لعابه ، وساقته إلى غيه ليقول ما أريد له أن يقول، مما يسمح بالقول أن لعبة "كاش كاش" المتعلقة بالرئاسيات المقبلة في الجزائر بدأت تنكشف من طرف أصحابها أنفسهم . هكذا يكون البحث عن التقارب وتذويب الخلافات بين البلدين الجارين الشقيقين من طرف بعض الذين لا يهمهم سوى مصلحتهم الضيقة بتحقيق الوصول إلى كرسي الحكم بأية طريقة وبأي أسلوب.