استأثر فاس وأهلها أخيرا باهتمام الرأي العام، وبفعل الميديا أصبح أهل فاس هم سبب البلاوي التي يعيشها المغرب، ولا تخلو لافتة احتجاجية من هذه القضية، حتى خلنا البعض يقول "أهل فاس ديكاج"، والواقع أن بعضا من هؤلاء، أي من أهل فاس، ساهموا في رسم هذه الصورة ولن يمحوها إلا عمل مظن يحدد مسؤولية كل واحد بدقة. وساهم أيضا في تشويه سمعة أهل فاس العمدة الظاهرة السياسية حميد شباط، فالعمدة عمد إلى القيام بصولات وجولات هدمت تاريخا بأكمله من كفاح أهل فاس، وغيرت معالم المدينة من عاصمة علمية إلى عاصمة لكل شيء باستثناء العلم. لم نعد نسمع عن فاس سوى أنها مدينة المضاربات العقارية والتهريب العقاري حيث ما زالت هناك قضية في المحاكم تهم 500 هكتار تابعة لجماعة أولاد الطيب "هرف" عليها "الرجل الطيب" ورخص بالبناء فوقها. ولم نعد نسمع عن فاس سوى أنها وكر للجريمة بكل أنواعها، وقد حطمت أرقاما قياسية في ذلك، وهي أرقام تنافي الأصول التاريخية لأهل فاس وثقافتهم العريقة، فمن المسؤول عن تحويلها إلى هذه الصورة البشعة؟ ومن المسؤول عن تلطيخ سمعتها؟ إنهم سماسرة الانتخابات وتجار التاريخ الذين يبيعون معالم المدينة بأبخس الأثمان، لأنه لا يمكن لمن لا تاريخ له أن يتأقلم مع الشرط التاريخي للمدينة وبالتالي كان السعي حثيثا إلى جعلها مدينة لا مميزات لها وليست لها خصوصيات ثقافية وتاريخية، وفي مثل هذه الظروف ينتعش من لا أصل له. "يوجد في مدينة فاس واحد من أعرق وأقدم المؤسسات العلمية وهو جامع القرويين الذي أسسته فاطمة بنت محمد الفهري عام 245ه / 859 م بعد تأسيس المدينة بمدة (51) عاما. وقد بقي الجامع والجامعة العلمية الملحقة به مركزا للنشاط الفكري والثقافي والديني قرابة الألف سنة. وبعد أن وسعه أبو يوسف يعقوب المريني صار الجامع يستوعب (22) ألف مصل. كما صار يدخل إليه من (17) بابا منها بابان لدخول النساء، وكان هذا الجامع الفريد في بنائه وهندسته يضاء في عصوره الأولى ب (509) مصابيح قائمة فوق قواعد قد يزيد وزنها على (700) كيلو جرام. وتعتبر جامعة القرويين في العصر الحديث ثاني أقدم جامعة ثقافية في العالم بعد جامع الزيتونة بتونس (116 ه736م) حيث تخرج منها بعض علماء الغرب وفيها تعلم جربرت دي لوفرينه الثاني الذي أصبح فيما بعد سلفستر الثاني. وفيها تعلم الصفر العربي في علم الحساب وهو الذي نشر ذلك في أوروبا". ما الفرق بين هذا التعريف الذي قدمته الموسوعة الإلكترونية ويكيبيديا وبين التعريف المتداول اليوم؟ إنها جريمة في حق التاريخ. ولابد أن تعود فاس إلى سالف عهدها مدينة العلم والعلماء لا مدينة المزايدات السياسية. تاريخيا هناك شيء معروف يسمى "عمل أهل فاس" أي صنعة فواسة في الاجتهاد الديني الذي يبز عمل القاهرة وبغداد، فمن باع عمل أهل فاس وتركها مرتعا لكل أشكل التطرف؟ ليست فاس هي بعض الأطر المتهمة اليوم حقا أو باطلا وليست فاس هي قفشات حميد شباط ولكن فاس هي "عمل أهل فاس" فأعيدوا لفاس إشعاعها حتى تكون قاطرة الإصلاح الديني بالمغرب.