الاختيار المغشوش كان الشعار المركزي للحملة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية هو محاربة الفساد. وبعد وصول الحزب إلى الحكومة استمر في رفع الشعار ذاته. وفي كل الخطابات والمهرجانات لا تسمع إلا لغة واحدة "محاربة الفساد". وتبين أنه شعار سياسي غير مرفوق بإجراءات والهدف منه "تدويخ الناخب" وخصوصا الناخب الذي يفهم الفساد بمعناه الأخلاقي. فمفهوم محاربة الفساد شامل وجامع. لكن أن يتحول الحزب إلى نقيض شعاره الانتخابي فتلك أولى مظاهر الانهيار التي قد تأتي على مستقبل البلد، لا قدر الله، وليس فقط مستقبل الحزب. إن شعار محاربة الفساد يتطلب مسارا مختلفا عن التهريج الذي سار فيه حزب العدالة والتنمية، فليس بإعلان لوائح مأذونيات النقل، التي جاءت في ظروف تاريخية مختلفة، وبإعلان لوائح رخص مقالع الرمال ولوائح الجمعيات التي استفادت من الدعم الخارجي، مع غياب أي برنامج لمصاحبة هذه الإعلانات بإجراءات تضمن الشفافية والنزاهة. ومقابل ذلك هناك جمعيات محسوبة على الحزب الإسلامي تستفيد بشكل مريب ومخيف. إن ما قام به حزب العدالة والتنمية من إحداث ضجة حول الكريمات وفي الوقت نفسه حركة التعيين في المناصب العليا تسير على قدم وساق دون أن ينتبه أحد إلى أن الحزب الحاكم "دار ميسة" للمناصب العليا. وقصة الحزب تشبه لصا معروفا في أحد الأسواق المغربية، كان يشغل معه مجموعة من اللصوص، ويقوم هو بإلهاء الناس، حيث كان يمر وسط السوق وهو يصيح "كولوا بوكم حميمو شفار" وبينما تشرئب الأعناق ناظرة للصوت الغريب يكون اللصوص قد نهبوا كل شيء من الخلف. ولا ينتبه الناس إلى المسروقات إلا بعد أن ينفض السوق. فهل قدرنا أن ننتظر أن ينفض جمع الحكومة ويتشتت شملها حتى نعرف أنه كانت هناك خطة مزدوجة واحدة لإلهاء الرأي العام والثانية لاختراق كل المؤسسات وتنصيب أبناء التوحيد والإصلاح الوهابية في المناصب العليا؟ فالحكومة الميني ملتحية تصيح بأعلى صوتها، وتصرخ كل يوم منددة بالفساد، ويخرج بنكيران لاعنا الظلام والتماسيح والعفاريت التي تعرقل عمل الحكومة، ويشغل الناس بخرجات لكل من عبد الله بوانو وعبد العزيز أفتاتي وعبد الصمد حيكر، حتى تحولت الحكومة إلى ظاهرة صوتية غريبة. هناك زعيق تمارسه الحكومة يصم الآذان. وهناك ضجة وغبار مرتفع يعمي الأعين حتى لا ترى الواقع ولا تنتبه إلى ما تريده الحكومة وخصوصا جزأها الملتحي. وبينما الناس منشغلة بصراخ بنكيران ومن معه وبالغبار الذي تحدثه حوافر خيل الحكومة ورجلها، تعمل الحركة الملتحية على تنصيب أبنائها في المناصب المهمة. واختارت شعارا لذلك هو الشفافية والنزاهة. لكن تبين أن الفساد ضارب أطنابه في هذه التعيينات. كيف يكون الاختيار شفافا ويفوز بالمنصب نصف رئيس فقط لأنه من التوحيد والإصلاح في مباراة يشارك فيها مدراء وأطر عالية التكوين؟ الأطر التي اكتشفت أن الاختيار مغشوش رفضت الترشح لهذه المناصب حتى لا تزكي الفساد في الاختيار.