في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ المغرب الحديث والقديم والوسيط، وفي إبداع فريد من نوعه في العالم المتقدم، و قل نظيره في العالم المتخلف، و لعله من بركات "الخصوصية" النضالية و"الاستثناء" النقابية المغربتين. يتظاهر الفساد عينه والاستبداد نفسه، مدافعين عن "كرامتهما" في الدارالبيضاء، يوم الأحد 27 ماي 2012، جنبا الى جنبا مع ضحاياهما، رافعين لافتات منددة بحكومة "نص كوم" النصف ملتحية. ومرددين لشعارات تطالب برحيلها بعد ستة أشهر من تنصيبها. نعم يتظاهر المخزنيون والسلطوين والملكيون والوزراء السابقون، المسؤولون عن نهب وخوصصة وبيع كل ممتلكات الشعب المغربي للشركات الأجنبية، والمسؤولون عن فساد قطاعات التعليم والتشغيل الثقافة الى جانب المناضلين السياسيين النقابين الحقوقيين الثوريين الديموقراطيين الحداثيين الوطنيين !!. فكيف يمكن تفسير كل هذه الهرولة النضالية لفصائل اليسار السياسية و النقابية والحقوقية و النسائية ؟؟ لقد استيقظ نوبير الأموي (بوسبرديلا) فجأة من سبات طويل وعميق، دام أكثر من خمسة عشر سنة، تناوب فيه على الكراسي الحكومية ثلاث حكومات: اثنتان بلون سياسي، و بينهما واحدة بدون لون سياسي ولا رائحة ايديولوجية. وتأزمت خلالها الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتدهورت السياسة، وانحطت الثقافة، وهضمت الحقوق، وانتهكت الحريات، ولم نسمع خلالها للأموي و"شعبه" عن تظاهرة ولا إضراب عام ولا مسيرة، ولا تهديد ولا تنديد. وصال وجال في المغرب عالي الهمة "باحماد" زمنه، و "بصري" عهده، حيث نصب وانتخب، وحزب ونقب، وأمر واستوزر، وأقال واعتقل، واستبد في السياسة، وعربد في الاقتصاد، وأفسد في الاعتقاد، وهيكل في المؤسسات، وعين الزعامات على رأس الأحزاب والتنظيمات. و"أنصف" و "أصلح" الهيئات، ووزع الريع و التعويضات عن سنوات البارود و الرصاص. وأصدر التقارير عن التنمية من الخمسينات، ولم ينبس الأموي ببنت شافة. وزلزل الربيع الديموقراطي الأرض تحت أقدام الحكام والطغاة، واندلعت الثورات التي أسقطت الأنظمة و غيرت الدساتر والحكومات، ولم يحرك الأموي وقبيله ساكنا فوق حرف. الى أن تم تعيين حكومة "نص كوم" النصف ملتحية، بناء على نتائج أول انتخابات تشريعية نزيهة في تاريخ المغرب، وعمرها لم يتجاوز بعد ستة أشهر، استيقظ معها "بوسبرديلا" وأهل كهفه، ونفض الغبار على نفسه، وأخرج بيان من متحفه، يحشد به جنده في مسيرة "كرامة" لتحرير "شعبه". في الوهلة الأولى سيحار المتتبع وهو يبحث، وسيتيه المراقب وهو يتساءل، عن القاسم المشترك في هذا الكوكتيل"النضالي"، الذي جمع من أقصى اليمين والمخزنية، الى أقصى اليسار العدمية والشوفينية، مرورا بالديموقراطيين والمستبدين، والمخزنيين والوطنيين، واليساريين اللبيراليين، والمفسدين والحقوقيين، والحداثيين والمحافظين والنسوانيين، و النقابيين و الباطرونا و الناهبين للمال العام، و الجمهوريين و الملكيين ، و الفبرايريين و 9 مارسيين، والجلادين و ضحاياهم. تناقض في تناقض في تناقض . فأفتونا - رحمكم الله - يا أصحاب الدراية و الرواية في السياسة والنقابة و دروبهما.؟؟ ما الذي يجمع اجتماعيا وطبقيا وسياسيا بين الأموي وجمال أغماني والحبيب المالكي وبنعتيق؟ و ما الذي يوحد بين حزب النهج الديموقراطي الماركسي (الجمهوري) و حزب الأصالة والمعاصرة السلطوي المخزني (الملكي) وحزب اليسار الاشتراكي الموحد ؟؟ ثم ما الذي يوحد بين "الشيخ" السياسي بنسعيد أيت ايدر و"الشاب" التكنوقراطي مصطفى الباكوري، سياسيا وطبقيا وايديولوجيا وبيولوجيا وسوسيولوجيا؟؟؟ و ما هو القاسم السياسي المشترك بين فتح الله ولعلو ومحمد الأشعري من جهة، و عبد الحميد أمين وعبد الحريف، وما الذي فرق بين الكدش و الفدش و المدش سابقا ليوحد بينها اليوم؟؟ سيزول العجب النقابي و ينكشف الضباب السياسي، وينقشع الغبار الحقوقي، عندما يعلم المرء أن كل ما حرض هؤلاء، و جعلهم يستجمعون قواهم البائرة، و يحشدون جندهم الخائرة ليس سوى أمرين لا ثالث لهما: الأول: هو ما سبق للحكومة أن كشفت عنه من ملفات ولوائح الريع الجمعوي والحقوقي والإعلامي، والنسوي والذي بين حقيقة التدبير المالي للعديد من الجمعيات الحقوقية و النسوية و التنموية. ثم ما سيتلوذلك من كشف عن صنوف الريع النقابي والثقافي. هذه الأصناف من الريع الذي كان المخزن يسمح به لهؤلاء كفتات على مائدة ريعه الاقتصادي و السياسي الكبير. و لذلك جاءت هذه المسيرة التي لا كرامة لها. كإنذار للحكومة كي لا تستمر في مسيرة كشفها عن ملفات الريع و الفساد المشار إليها، وخاصة وأن هؤلاء القوم قد درجوا على هذا السلوك النضالي، الانذاري حينا و التهديدي أحيانا، لكل الحكومات السابقة مند الاستقلال،سواء بغية ابتزازها من أجل المزيد من الريع و الامتيازات، أو قصد منعها من المس بامتيازاتهم و ريعهم النقابي و الحقوقي و الثقافي. الثاني: لا شيء يجمع بين هؤلاء سوى العلمانية والعداء للتيار الإسلامي. وليس للحكومة، لان العديد منهم قد سبق الى كراسي الحكومات السابقة وأفسد فيها، ونهب صناديق المال العام، واختلس ميزانيات الوزارات. لقد أثبت اليسار أن لا وطن يهمه ولا قضية تؤرقه سوى الايدولوجيا ثم الايدولوجيا. وبرهن اليساريون خصوصا والعلمانيون عموما في مسيرة "كرامتهم" أن لا شيء يعلو عندهم فوق كل اعتبار، إذا تعلق الأمر بمواجهة التيار الإسلامي. فلا تهمهم لا المصلحة الوطنية ولا الوحدة الترابية، ولا الديمقراطية، ولا القضايا الاجتماعية، ولا الصراع الطبقي، ولا الحريات والحقوق، ولا العولمة ولا الثقافة. فشعار هذا الكوكتيل "النضالي يمكن اختزاله في: " العلمانية فوق كل اعتبار" و "العلمانية أولا و أخيرا"، فالعلمانية هي وحدها التي تجمع وتفرق وليس غيرها من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والوطنية.