لماذا كل هذا الإصرار من بنكيران على معاكسة الواقع؟ لماذا لا تهده كل هذه المعارضات المتعددة المشارب؟ لماذا لا ينصت لصوت الشعب وهو يتكئ دائما على الشرعية الشعبية؟ ولماذا يبدو منتشيا رغم أن الأزمة بلغت مبلغا خطيرا؟ فيما يخص النجاح والفشل يميز بنكيران بين نجاحه الشخصي والحزبي وبين نجاح المغرب. ما يهم بنكيران من كل هذه العملية هو تحقيق شعار "ضع بصمتك"، الذي هو عنوان لبرنامج تليفزيوني وهابي. بنكيران يريد أن يضع بصمته وهي معيار النجاح لديه ولا يهمه بعدها أن تغرق البلد في الأزمة الاقتصادية وفي الديون التي لا قبل لأحد بها والتي تحتاج إلى أكثر من جيل لأدائها. لقد ربح بنكيران فريقا برلمانيا ضخما فاق المائة. وربح معه أموالا طائلة من المال العام تؤديها وزارة الداخلية للأحزاب السياسية وفق عدد الأصوات وعدد المقاعد. وربح الملايين شهريا من الواجبات التي يؤديها البرلمانيون. وربح حضورا قويا في المؤسسة التشريعية. ومن الأكيد أن هذا الحضور مكنه من وضع بصماته على العديد من التشريعات التي سيظهر مفعولها في المقبل من الأيام والسنوات. وربح بنكيران رئاسة الحكومة. وربح عددا لا بأس به من الوزراء. وهي صفات يلعب بها الحزب في الداخل والخارج. لقد مكنته هذه الصفات من وضع رموزه وأتباعه في العديد من مواقع المسؤولية ومكنته من مؤسسة تعتبر داعما انتخابيا ألا وهي مؤسسة التعاون الوطني. لن يخسر بنكيران شيئا إذا خرج من الحكومة. وحتى إذا فشل فله القدرة على قلب "القفة" على الجميع ولعن الجميع وتحميل المسؤولية للأشباح والتماسيح والعفاريت والفلول. لكن لن يفقد صفة أول رئيس للحكومة وفق الدستور الجديد. وسيبقى رئيسا للحكومة في نظر تنظيمات الإخوان المسلمين والوهابية السرورية. وستمكنه هذه الصفة من احتلال مواقع قيادية دوليا. وهي صفة يبحث عنها لأنه عن طريقها سيضغط وطنيا. ولن يخسر وزراء العدالة والتنمية شيئا إذا خرجوا من الحكومة. سيضمنون تقاعدا لا بأس له ومكتسبات مهمة. وسيضمنون صفة الوزير التي سترافقهم في حلهم وترحالهم. وسيربحون أتباعا لهم تركوهم في الوزارات والإدارات. وفي مقابل ذلك خسر المغرب أشياء كثيرة. خسر فرصا كبرى للاسثمار وخسر رؤوس أموال فرت فرقا من تهديدات بنكيران وسيفه الملتحي الذي أشهره في وجه الجميع. خسر المغرب لأنه لم يتمكن من وضع حكومة قادرة على وضع الاستراتيجيات، لأن حكومة بنكيران تقوم بدور التسيير اليومي وهو عمل يمكن أن تقوم به أي وكالة لتصريف الخدمات. أي وكالة لتصريف عمل رئاسة الحكومة ووكالة لتسيير الوزارات الأخرى. وإذا كان الأمر يتعلق بتدبير يومي عادي فما الحاجة إلى حكومة منتخبة؟