من منا لا يحب أن يكون مالكا للمال؟ فالمال يحتاجه الانسان لتصريف شؤونه وتحقيق آماله. وبذلك فالمال هو ظاهرة اقتصادية ونفسية واجتماعية لصيقة بالأفراد والجماعات على مر العصور. ويرتبط ارتباطا وثيقا بمظاهر الفرح والحزن والامل وبالعديد من الانفعالات الوجدانية والاتجاهات التي يعرفها الانسان داخل محيطه الاقتصادي والاجتماعي. والمال يؤثر ويتأثر بحركة التاريخ وبتغيراته تقلباته، كما يعتبر وثيقة رسمية تؤرخ لمرحلة معينة لحكم سلطة ما. كل الحكام يعملون على سك نقود باسمهم وتحمل صورهم مع توفر التقنية لذلك. تشير المصادر أن أول من استعمل المال المعدني هم الأشوريون، وهم أول من سك المعدن وشكلها من الفضة وذلك نحو2100 سنة قبل الميلاد. كم أنهم أول من وضع أنظمة البنوك البدائية وعرفوا ما يطلق عليه اليوم الأسهم. وهم أول واضعي فائدة القروض والديون. "" لكن في مصر القديمة كانت الثروة تقاس بمقياس عدد قطعان الماشية ومخازن الحبوب والأراضي وعدد السفن التابعة لخزينة الدولة. فكان العمال الكهنة يتقاضون أجورهم من القمح أو الشعير أو السمك واتباعا لدرجاتهم وأعبائهم العائلية. أما في الحضارة الرومانية القديمة فاستعمل الرومان الأدوات والملح كوسيلة للمقايضة. فأجور الموظفين الجنود كانت تدفع ملحا. ولقد عرف العالم العربي المقايضة في المواد الغدائية أو المعادن أو الحيوانات أو جلودها قبل ان يعرف نظام التعامل بالمال كقطع نقدية أو ورقية كم هو اليوم. المال والطفولة رجل اليوم هو طفل الأمس،وطفل الأمس خضع لأنواع من التربية،على أساسها كون شخصية رجل اليوم. كما تعرف الطفل على مكونات محيطه من إنسان وحيوان وجماد، وتعرف على البر والبحر،ومما لاشك فيه أنه تعرف كذلك على المال. ويرتيط المال من قريب أو بعيد بحياة الطفل .فبالمال يحصل الطقل على الحلوى، ويستطيع شراء لعبته لمفضلة لوحده، ويستطيع تحقيق بعض استقلاليته و تحقيق بعض رغباته البسيطة في رأي الكبار ولكنها قفزات كبيرة عنده كطفل. ويرى فرويد بأن الإهتمام بالمال يبدأ في المراحل الأولى من حياة الطفل ، بحيث يصبح المال مكافئا للبراز. فكلما نجح الطفل في تحرير نفسه من البراز بطريقة ترضي الأبوين، صرفت له مكافأة، وكلما فشل في التحرر من البراز بطريقة غير مرضية تعرض لسوء المعاملة. فحسن التصرف مع البراز يحقق اللذة الذاتية ويحقق الراحة النفسية والاجتماعية له ولغيره. فيرتبط المال بالبراز وكما يبين فرويد.فالبراز وسخ كلما احتفظ به الطفل كثيرا ولم يبرزه في ثيابه كان نجاحا له ولأبويه، ولذلك كانت تعطاه المكافأة ، فإن لم يحتقظ به فله العقوبة. فيرتبط الاحتفاظ بالبراز بالمال، ويرتيط المال بحسن المعاملة وحسن الاحتفاظ به كما هو الشأن بالبراز. حتى أن في الأقوال الشعبية يعطى للمال صفة الوسخ( المال، وسخ الدنيا ).فإن حاقظ الرجل على المال وكما يحافظ على برازه، وحتى يتحرر منه في الزمان والمكان المناسبين كان أكثر قبولا وسط جماعته . وإلا كان من المبدرين ، فيتعرض للإهانة والغضب. حب المال المرضي هناك العديد من الناس من يحبون المال بإفراط ، إلى درجة الهوس. لا يتصورون الحياة بدون مال ، ولا السعادة بدون مال ، ولا الصداقة بدون مال ،ولا رضى الوالدين بدون مال ، ولا مواطنة بدون مال.ويقصد بالمال، الثروة وليس القدر القليل الذي تلبى به الحاجة اليومية. فمن له مليار يريد ملياران، ومن له عشرة ملايير يريد أربعين مليار وهكذا.. ماذا عسى الفرد أن يفعل بكل هذه الملايير؟ أحيانا كثيرة لا شيء يذكر. فلا هو صاحب مشاريع ولا استثمارات تعود عليه وعلى الناس بالربح، ولا هو ينفع نفسه وأهله. هو بمثابة قارون ، يلبس بأناقة ، يركب أفخم السيارات ثم يخرج ليصطاد غيره، سواء في ميدان السكن بحيث يشتري الأرض بثمن بخس ويبيع الشقة بأضعاف ثمنها الحقيقي، ولا في التجارة فيشتري بالجملة ويبيع بالجملة مضاعفا أرباحه، وكم هي كثيرة معاملاته اليومية لا يفرق بين الفقير والغني في الأثمنه ، همه الربح وكنز المال. من بين هذه العينات من البشر ، من يحبون المال حبا جما ، فيسعى به للسلطة، لا لخذمة بلده وإنما للمزيد من السلطة والمال. لا يهمه أن يعد غيره ولا يفي بوعده، لا يهمه إن خان من أمنه. ينافق ، يوافق من أجل الحرية له والاستقلالية لذاته. هناك عينة أخرى ممن يحبون المال فيضطرون لبيع ضمائرهم ، وأنفسهم ،وأهلهم للغير، لا فرق عندهم بين الحلال والحرام مادامت لكل عملية قاعدة وحجة يقنع بها المريض غيره. لوسرق المال العام ، حجته أنه لا يتوصل بكل حقوقه من الدولة. لو أخذ رشوة حجته ضعف أجرته ، أو لأن دافع الرشوة استفاذ هو كذلك. لو تعاطى للدعارة حجته أنه مطالب بالصراع من أجل الحياة . بل أن هناك من يدفع المال الكثير بالملايير من أجل منصب قد يتمكن به من تحقيق ضربة العمر في جمع المال. مثل هؤلاء كثير، يخافون على المال أكثر مما يخافون على أنفسهم. يحسبون كل صيحة عليهم . ويظنون ظن السوء بالناس أجمعين. يغطي الخوف والحسد والنفاق والاضطراب كل معاملاتهم، لا يغمض لهم جفن إلا بعد الثكاثر من المال والاطمئنان عليه . خوفهم الدائم على المال لأنه هو حياتهم يدفعهم إلى الشك حتى في بنوك وطنهم ، فيضطرون إلى فتح حسابات في بلدان أخرى من اجل الاطمئنان على حياتهم(المال). حب المال العام المال العام هو ما تتمكن الدولة به من تسيير شؤونها الإدارية وشؤون المواطنين المستفيذين من الخذمات العمومية.وتحصل عليه من الضرائب أو الرسوم او الأرباح، او ما تحصل عليه الدولة كذلك من إعانات دولية، أومقابل ما تصدره من ثروات وطنية كالذهب أو النحاس أو النفط أو الثروة السمكية أو غيرها. تصرف للحكومة سنويا ميزانية من المال العام قصد تسيير وتذبير الشأن العام. كما تصرف لكل جهة ميزانية خاصة بها لرعاية متطلبات التنمية وشؤون المواطنين، من تعليم وصحة وأمن وغيرها. ضعيفوا النفوس والمرضى بالمال يجدون في المال العام ضالتهم ، فيتفننون في سرقته بالقانون، لأنهم الأدرى بثغرات هذا القانون. هم لا يسرقون سرقة البيضة من صاحب البيض، وإنما يسرقون بالحجة. يكفي أن يتآمرالمتحايل مع تاجر أو غيره ليرتفع تمن عمل أو بضاعة من الضعف إلى الأضعاف. صيانة أمتار معدودة لطريق المرور، تحسب بآلاف الأمتار من الصيانة ، تزويد إدارة بالعتاد وبالملايين قد يصبح بالملايير وهكذا... سرقة وتحايل وكل شيء على الورق. مثل هؤلاء وهم كثيرون ، وهم من يحاربوا التنمية ويزرعون الفقر في وطنهم .لأنهم في الواقع لا يفعلون أي شيء بذلك المال. فهو يصرف في أتفه الأمور. اولئك لهم عقيدة انتقامية من وطنهم ومن مواطنيهم .لن يحصل لهم الإشباع ، لو سرقوا مرة ، فإنهم يضحون وينافقون ويكونون عصابات التزوير من أجل التفنن في السرقة. من بينهم من هم في مراكز مهمة، ويصارعون من أجل البقاء في تلك المناصب أو الارتقاء منها بفضل محسوبياتهم ورشاويهم، فمن يأخذ الرشوة من مواطن لا بد أنه مستعد لإعطاء الرشوة لمواطن أخر رفيع. المال ، مال الله هناك من هو مقتنع تماما بأن المال الذي بين يديه هو وأخرون فيه شركاء. فللفقير نصيب وللأهل نصيب وللقريب نصيب ، وللمواطن نصيب وللوطن نصيب . فهو يدفع الضرائب ، ويساعد الفقير ، ويكرم أهله، ويشارك في تسيير او التبرع لصالح الجمعيات والجمعيات الخيرية. كما يقف إلى جانب المحروم والفقير في الأعياد والمناسبات. مثل هؤلاء مقتنعون تماما بأن المال هو وسيلة وليس غاية لذاته. فتراهم يساهمون في تنمية البلاد والناس بخلق فرص الشغل، وفي بناء المعامل والمصانع بطريقة فردية أو تشاركية من مواطنين مثلهم أو مع أجانب. لا يحسدون لا ينافقون ولا يكنزون المال بل ينفقونه يمينا وشمالا لتعميم الخير. عش حياتك المال وسيلة لتسهيل الحياة ، ولأعطائها الجاذبية المطلوبة من أجل أن يتشبت كل إنسان بالحياة . المال مسهل للتعاملات اليومية بين الناس فقيرها وغنيها، قويها وضعيفها. ومن الأمراض أن يكنزه الناس ويحتفظوا بالمال دون صرفه على أنفسهم وأهلهم وجماعتهم . بالمال نشتري أشياءنا ، وبذلك نساهم في الحفاظ على فرص الشغل لمن صنع تلك الأشياء لنا، ونساهم في استمرارية حياة المصانع. فلو احتفظ كل منا بالشيء نفسه لمدة سنوات فلا بد أننا نساهم في خراب مصنع تلك الأشياء وبذلك لا نساهم في تنمية البلد. المال وسيلة للعيش الكريم، فلا يجب أن يحرم المرء نفسه من أجل زيادة عدد المال وكثرته.لأن العمر قصير وربما المال الذي يعطيه شخص ما قيمة زائدة ربما من يرثه قد يضيعه في فترة وجيزة. المال فتنة ، يجب الانتباه إليها.المال زينة يجب التمتع بها. وإلا فهو جالب للشقاء عوض السعادة. هناك من يعيش في قصور مشيدة لكنه محروم من سعادة فقير يعيش مع أسرته تحت بيت من طوب. السعادة لا يجلبها المال ، وإنما هو رافد مهم فقط ، لا يجب ادخاره في صناديق محكمة في البيوت والزوايا والركن، وإنما العمل على تداوله لينتفع به الجميع ولساهم في تنشيط الاقتصاد وإدارة عجلة التنمية. فالذين يكنزون المال في داخل البلد أو الذين يهريونه إلى بلدان آخرى هم في الواقع يخربون اقتصاد بلدهم ما عدا بالطبع إذا كانت تلك الأموال الحلال تذهب لإستثمارات بالخارج ويكون الهدف هو الحصول على العملةالصعبة ولأغراض نبيلة ووطنية.والحقيقة أن المال كاللغة كالسيف إن لم نحسن استعمالهما قد نؤذ أنفسنا، وعوض ان نحصل على السعادة ، يكون الشقاء من نصيبنا. http://muthasan.maktoobblog.com