لم توجد حكومة في المغرب أجرأ على ما هو اجتماعي أكثر من حكومة عبد الإله بنكيران. لقد وعد بنكيران بمئات الإجراءات في حال حصوله على رئاسة الحكومة، وعد بنمو مرتفع وبإنتاج للثروة وتوزيع عادل لها، ووعد بحد أدنى للأجور لا يقل عن ثلاثة آلاف درهم، ووعد بتحجيم البطالة. وبعد سنة ونصف من تولي الحكومة تبين أن حسابات النمو لا يفهمها بنكيران وأن الحد الأدنى للأجور هو من أساطير الأولين وأن إنتاج الثروة مفهوم غير معروف لدى الحكومة الميني ملتحية بل تراجع إنتاج الثروة والعديد من المعامل والشركات أغلقت أبوابها بسبب سياسات بنيكران ولا أمل في تخفيض نسبة البطالة التي تزداد يوما عن يوم. وعندما عجز بنكيران عن إيجاد حل للموازنة اتجه نحو الضرائب وأثقل كاهل الشركات بإجراءات ضريبية صعبة، وهدد الاستثمار وضربه في مقتل. ولم يكتف بنكيران بذلك بل لجأ إلى تقليص ميزانية الاستثمار بشكل كبير وصلت في بعض الوزارات إلى النصف. وتقليص ميزانية الاستثمارات يعني تقليص حجم الصفقات العمومية. وتقليص الصفقات العمومية يعني عجز مجموعة من المقاولات التي تتعامل مع المؤسسات العمومية وشبه العمومية. والعجز يعني الاستغناء عن خدمات العديد من العمال في بعض الحالات التي تتمكن فيها المقاولة من الاستمرار بصعوبة والإغلاق بشكل نهائي في الكثير من الحالات، مثلما أغلقت مقاولات كثيرة لم تتمكن من استخلاص أموالها التي توجد في ذمة المكتب الوطني للماء والكهرباء. إن إغلاق المقاولات وبشكل كبير يعني تشريد آلاف العمال، مما يعني تجويع آلاف الأسر. وعندما تم اتهام بنكيران بالاستفراد بهذا القرار، وفعلا اتخذ القرار في غياب الجميع وأرسل منشوره لباقي الوزراء قصد تطبيقه، ولما قيل له إن القرار غير دستوري لأنه لم يرجع للبرلمان، جمع حكومته وطبق المادة 45 من القانون التنظيمي للمالية. قد يكون القانون في صف بنكيران وقد يكون الدستور أيضا في صفه، لكن ليس كل ما هو قانوني قابلا للتطبيق. ومادام بنكيران يدعي فهمه في الشرع نذكره بالإجراءات التي اتخذها الخليفة الثاني عمر بن الخطاب عام الرمادة حيث عطل العديد من الأحكام. فلا يعني أن يكون القانون بجنبك لتفعل ما تشاء وتتخذ الإجراءات التي تريد، حتى لو كانت تلك الإجراءات غير شعبية ولا تخدم المصلحة العامة. ونحن نجد أنفسنا مضطرين لتحديد موقف من هذا التوجه الذي تسير فيه الحكومة الميني ملتحية وربما في غفلة من وزراء الأغلبية الآخرين. لماذا يسعى بنكيران إلى هذا التوتر؟ نعتقد أن بنكيران يعاني من حالة عجز كبير في تدبير الشأن العام وأنه فوجئ بحجم الإكراهات وتحديات الاقتصاد التي لا يفقه فيها شيئا. وأمام هذا الوضع لم يعد أمام بنكيران سوى اتخاذ إجراءات لا شعبية التي لن تكون نتيجتها سوى الفوضى العارمة. وبنكيران يسعى إلى تلك الفوضى لأنها ستعفيه من المحاسبة. ورغم ذلك نقول له خاب سعيك لأن المؤسسات أكبر منك وهي قادرة على الجواب على الإشكالات الكبرى، وبشهادة رئيس دولة كبرى مثل فرنسوا هولاند فإن المغرب اختار طريقه في الربيع العربي قبل أن يحلم به الناس في بعض الأقطار العربية.