كشف منظر الحركة الوهابية في المغرب الدكتور محمد الريسوني عن حقد دفين تجاه علماء المغرب، ونعت بعضهم بأشباه العلماء، فقط لأنهم لم ينخرطوا في نظره في ثورة الربيع العربي التي حملت الإخوان المسلمين في مصر إلى السلطة، وساهمت في انتخاب مفت جديد للجمهورية المصرية، وهو الحدث الذي اعتبره الريسوني استثنائيا ويجب أن يقتضي به جميع علماء المسلمين، لكن الريسوني وهو يتحدث بحماس عن الربيع العربي الذي خلَّف الكثير من المآسي، نسي أن يتحدث عن الخصوصية المغربية، وما أفرزته من مواقف مشهود بها لعلماء المغرب، وتمكنوا من الحفاظ على استقلالية المغرب الدينية في وجه كل المحاولات الرامية إلى تدجينه، والتي لعب فيها الريسوني ومن والاه دورا كبيرا، قبل أن يصاب بخيبة الأمل. لقد صرح الريسوني منظر الوهابية في المغرب، وأحد دعاتها أنه لم يعد بإمكان أي دولة أن تغلق الأبواب على شعبها أو أن تمنع مواطنيها من أن يروا ويسمعوا ويستنشقوا. وعلماء المغرب وغير المغرب يتطلعون إلى الحرية والاستقلالية وهم أحق الناس بهما وأحوج الناس إليهما، ويصر الريسوني على فرض وصايته على جميع العلماء في مشارق الأرض ومغاربها، طالبا منهم الاقتداء بالنموذج المصري الذي لا يمكن أن يكون النموذج المثالي، ونحن نعاين ما وصلت إليه الأوضاع في أرض الكنانة، بسبب رغبة الإخوان المسلمين في السيطرة على كل مناحي الحياة بما فيها مؤسسة الأزهر، وحين يقول الريسوني إن علماء المغرب يتطلعون إلى الاستقلالية، فهو لا يقول لنا أي استقلالية يقصد، هل هي استقلالية القرار، أم استقلالية المذهب أم ماذا؟ مع أنه هو شخصيا ليس مستقلا وتحول إلى مجرد تابع ينفذ أوامر بعض الجهات التي هالها أن ترى المغرب على هذه الحالة من الاستقرار الديني والسياسي. لقد كرر الريسوني تلك اللازمة التي قال إنه ظل يرددها منذ سنوات، وتتعلق بدمقرطة مؤسسات العلماء بالمغرب، فلا يعقل أن تعطى الديمقراطية وحرية الانتخاب لكل من هب ودب ولا تعطى للعلماء، ولا يعقل أن ننادي باستقلال القضاء واستقلال الإعلام واستقلال الفنانين... إلخ، ونستكثر ذلك على العلماء، لكن الريسوني وهو يردد هذا الكلام، نسي أن المؤسسة الدينية في المغرب هي قائمة على أسس، ولا يمكن أن نقيس أمراض الديمقراطية التي أوصلت بنكيران إلى السلطة، على الجانب الديني الذي يظل هو المشترك بين كل المغاربة، ولا يمكن أن نمنحه لمن هب ودب ليعيث فيه فسادا، وهو إلى مجرد واجهة لممارسات أجَلَّ وأخطر ستكون لها تبعات خطيرة في مستقبل الأيام.