قال عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، مخاطبا وزراء حكومته "لا تنتظروا نهاية المرحلة والولاية أو التكليف، لأنه لا ندري إن كنا سنبقى إلى نهاية الولاية أم لن نبقى"، وأضاف "كل لحظة تمر لم تنجز فيها ما كان عليك إنجازه، تحيلك إلى اللحظة التي تليها، وتكون النتيجة في النهاية أنه يمكن أن تنتهي المرحلة، دون أن تكون قد أنجزت ما كان عليك أن تنجزه". عندما طرح حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، مذكرة التعديل الحكومي، التي رفعها إلى رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية الذي يقود التحالف الحكومي، استشاط بنكيران غضبا، رافضا حتى الحديث عن هذا الموضوع قائلا إن رحيله مرتبط بالملك "إلى قال لي الملك سير نمشي". الكلام الذي قاله بنكيران سابقا مرتبط بالكلام الذي قاله أخيرا، والرابط بينهما هو التنصل من المسؤولية. فصلاحيات بنكيران يحددها الدستور، وطريقة إقالة الحكومة يحددها الدستور. وفي الوقت الذي يتحدث بنكيران عن إمكانية رحيله يتحدث إخوانه عن "حرمة" الثورة ضد صناديق الاقتراع. وكأن الصناديق تفرز الأنبياء الذين لا يخطئون. وكأن الصناديق لا تفرز مشاريع سياسية قد تكون غير صالحة للظرف والشرط الزمني. فعندما يقول بنكيران إن مصير حكومته بيد الملك، وعندما يقول إن حكومته يمكن ألا تكمل ولايتها، فهو يريد أن يفر إلى الأمام ويصعد إلى الجبل، ويرمي الجمل بما حمل، ويتنصل من مسؤولياته التاريخية باعتباره أول رئيس للحكومة في المغرب تنبثق من صناديق الاقتراع ويتصرف بصلاحيات موسعة لم تتح لغيره، وفشلُه سيعطي انطباعا خطيرا بطبيعة النموذج الانتخابي في المغرب. إن ما قاله وكرره بنكيران هو استعداد للدخول إلى مرحلة خطيرة، مرحلة الهروب من تحمل المسؤولية. الشعب لا يريد من بنكيران أن يقدم استقالته أو تتم إقالته ولكن أن تتم محاسبته وفق برنامج الحكومة كحد أدنى من قواعد المحاسبة الجماهيرية ولا نتحدث عن برنامج الحزب الذي صور الجنة فوق الأرض، وقال إنه سيحقق ما لم يحققه غيره. وبعد أن أبان بنكيران عن فشل ذريع في تدبير الشأن العام وأظهر عجزه عن إنجاز برنامج قابل للتطبيق بدأ يتهرب. مرة يقول إن العفاريت والتماسيح تعرقل عمله. ومرة يقول إن إقالته بيد الملك ومرة يقول إن الأقدار جارية. فهل وجود بنكيران في رئاسة الحكومة قدر من أقدار الله؟ أم أن توليه رئاسة الحكومة هو نتيجة ظروف سياسية؟ لقد بدأ بنكيران في إعادة إنتاج القدرية الجديدة أي أنه بعد أن يكون قد أفلس البلد برمته يقول لنا "هذا أمر الله". لا نريد قدرية جديدة ولكن نريد حكومة تتم محاسبتها وفق قواعد الديمقراطية وترحل إذا فشلت أو يتم طردها إن اقتضى الحال.