المنصف المرزوقي – الرئيس التونسي السابق. عندما أجلستني ابنتي نادية في مكتبها الصغير بجامعة هارفارد ومدّت لي نسخة من كتابها الصادر لتوّه في نويورك "Islam , an American religion (*) ، فتحت الكتاب أبحث عن الإهداء العام (المطبوع في كل النسخ على أول صفحة ) متوقّعا أن يكون لي. فعلا كان هناك إهداء رقيق... للجدّتين لا للأب . فجأة داهمتني صورة الهوّة التي تفصل بين الجدّة والحفيدة وكأنّ هذا الكتاب جاء ليرمي جسرا فوقها . الجدّة : طفلة ولدت سنة 1920 في ريف قرمبالية من عائلة فلاحين فقراء لا يبعثون لكتّاب القرية إلا بأطفالهم الذكور ولسنتين أو ثلاث فقط ....امرأة بالغة الذكاء لكنها عاشت حبيسة أمّيتها ولم ينفع أنني كنت أعلّمها طفلا بعض الحروف حتى تتمكن من فكّ رموز المصحف الشريف...أمّ من بين واحدة من عشرات الملايين من الأمهات التونسيات والعربيات بطلات الخفاء اللواتي ربّين مع آبائنا بتضحيات صامتة لا يعلم مداها إلا الله، الأجيال التي دخلت المدارس والجامعات. الحفيدة : حاصلة على الدكتوراه في العلوم السياسية من أكبر مدرسة في فرنسا.Science PO –Paris ...مرّت بأعرق جامعات أمريكا: Berkley ،Princeton ، Yale، (دون أن يكلفني الأمر دينارا لحصولها دوما على أعلى المنح لتفوقها) ....باحثة في المركز الوطني للأبحاث العلمية في باريس CNRS وهذه السنة في جامعة Harvard. لماذا الإهداء والبنت بالكاد عرفت جدّتها التونسية التي توفيّت وهي لم تتجاوز سنتها الثالثة ؟ هل شعرت دوما بصفة لا واعية بما تدين به لجدتها الأمّية؟ هل اعتبرت نفسها منذ نعومة أظافرها مكلّفة بمهمّة في ظل اتّفاق سرّي مبهم بين الروحين؟ من يدري ؟ أكيد أن روح المرأة التي ترقد في مقبرة قرمبالية منذ 1982 ، تلقّت الإهداء فخورة بهذه الحفيدة أكثر من فخرها بأن لها ابنا أصبح رئيسا للجمهورية . كيف لا وهذه الحفيدة التي تركض في أروقة أشهر جامعة في العالم -ناهيك عن حفيدتها الأخرى أستاذة الفلسفة التي تكتب وتخرج مسرحياتها – هي الطفلة التي أخذت بثأر طفلة بكت من القهر لحرمانها من دخول كتّاب مبني بالقشّ والطين. ++++ (*) إصدار كتاب "L'islam une Religion Américaine ؟ "، يرجع لسنة 2013 .