فقد العالم عصر يوم أمس أحد أهم الأدباء الذين سطعت شمسهم في عالم الرواية والنقد في القرن العشرين، البرتغالي خوسي ساراماغو عن سن تناهز 87 سنة بمنزله بلانثروتي (جزر الكناري) حيث يقيم منذ سنين. ومن غريب الصدف أن وفاة الأديب الكبير جاءت يوما واحدا بعد مباشرتي لقرائتي آخر رواية له معنونة ب"قابيل" صادرة سنة 2009، وهو ما زاد من حزني على هذا العبقري الذي أحدث ثورة في عالم السرد، جعلته يحرز على جائزة نوبل سنة 1998 اعترافا بمجهوده الكبير وعن أعماله الانسانية التي تجاوزت العشرين في الرواية علاوة على النقد والترجمة. ولد الروائي والكاتب المسرحي والصحفي خوسي دي سوزا ساراماغو يوم 16 نوفمبر 1922 بمنطقة اريناغا (وسط البرتغال) لعائلة من فقراء المزارعين . بدأ حياته صانعا للأقفال ثم صحافيا ومترجما قبل أن يكرس وقته كليا للأدب. أصدر روايته الأولى "أرض الخطيئة" عام 1947 وتوقف عن الكتابة ما يقرب العشرين عاما قبل أن يستأنف نشر أعماله التي قادته إلى عالم الخلود، فهو من قال في رواية "الموت في عطلة" الموت أنثى غريبة الأطوار تترصد البشر لتقطف أرواحا تباعا لمزاجها. وعلاوة على اهتمامه بالأدب والرواية بشكل عام، فقد أشتهر ساراماغو باستنكاره للاعتداءات الإسرائيلية ضد اللبنانيين والفلسطينيين من طرف اسرائيل، حيث لايخفى على أحد الجهود التي بدلها الروائي البرتغالي خلال حياته في هذا الإطار، خاصة الزيارة التي قام بها إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، من أجل مساندة الفلسطينيين في فترة الإجتياح الشاروني المتوحش في عز الحصار والدمار والقتل. وقد تركت هذه الزيارة أثرا كبيرا في نفس هذا الكاتب الكبير، فاستمع إلى ضميره وأدلى بتصريحات في غاية الصدق والشجاعة حينما ساوى بين معاناة الفلسطينيين في الضفة والقطاع مع معاناة اليهود في آوشفيتز. كما أن ساراماغو لم يتوقف عند الحد بل تجاوزه للدفاع عن جميع القضايا الانسانية، وهو المعروف بهجومه الشرس على العولمة المتوحشة التي تمثل في نظره تجسيدا واضحا لتضهور البشرية وما آلت إليه من حروب وكوارث، وخير شاهد على ذلك رواية "العمى"، التي تعتبر أهم أعماله، والتي صورت لنا بجلاء العمى الذي أصاب الانسانية، وليس بالطبع العمى الفيزيولوجي، بل عمى العقل الذي أفقد العالم احترامه وكرامته وجعله "قادرا على إرسال المركبات الفضائية إلى المريخ وغير قادر على وقف إغتيال كائن بشري". غادرنا ساراماغو إلا أنه سيبقى خالدا بيننا وشاهدا على عصرنا ومدرسة لجميع الأجيال القادمة فلا أحد ميت في مقبرة الأدب.