"كانوا أصدقاء طفولة، جمعهم حي واحد في منطقة "مولينبيك" بالعاصمة البلجيكية بروكسل، فقليل من المباني فقط كانت تفصل بيوت منفذي هجمات فرنسا وبلجيكا، اللذين جمعتهم "فكرة الجهاد"، حسب ما نقلت صحيفة ديلي ميل البريطانية الأربعاء 23 مارس| آذار 2016. فأسرة صالح عبد السلام (26 عاماً)، الذي ألقي القبض عليه إثر مداهمة الشرطة لمنزله خلال الأسبوع الماضي، بتهمة ضلوعه في هجمات بروكسل، وإبراهيم عبد السلام، (31 عاماً) المشتبه في انخراطه مع شقيقه بهجمات باريس، تعد مركزاً لهذه الشبكة.
كان الأخوان - قبل أن يقتل إبراهيم خلال عملية انتحارية نفذها في مطعم "لو كومبتوا فولتير"- يعيشان في شقة بالطابق الأرضي في شارع "جيمينت بلاتز" بمنطقة مولينبيك، خلف وحدة شرطة محلية، بالقرب من منزل عبد الحميد أباعود، العقل المدبر لهجمات باريس.
وعلى بعد مبان قليلة من منزل عبد السلام، يعيش محمد عبريني (30 عاماً) الذي قاد السيارة التي حملت الأخوين عبد السلام إلى باريس من أجل تنفيذ هجماتهم.
ويواجه عبريني اتهامات بالضلوع في هجمات بروكسل، لكنه لا يزال طليقاً وسط محاولات يائسة من قوات الشرطة لإلقاء القبض عليه.
عبريني وصلاح عبد السلام ترعرعا سوياً، حيث كانا أصدقاء منذ طفولتهما، كما يعتقد أن كليهما اعتنق الفكر الجهادي سوياً. فضلاً عن ذلك، فقد قُتل سليماني (20 عاماً) الأخ الأصغر لعبريني في عام 2014، خلال قتاله في صفوف تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بسوريا في نفس الكتيبة التي كان أباعود يقاتل فيها.
وعلى بعد مسافة صغيرة من منزلي عبد السلام وعبريني يقع منزل أيوب الخزاني، وهو الذي كان قد أطلق النار على قطار "تاليس" المتجه من أمستردام إلى باريس في أغسطس/آب الماضي، قبل أن تعتقله الشرطة.
وتلقي هذه الارتباطات بين الأخوة وأصدقاء الطفولة، ضوءاً جديداً على ما قد تواجهه أوروبا، حيث يمكن أن تؤدي تلك العمليات التي تنفذها مجموعات صغيرة إلى انهيار القارة العجوز.
كما يمكن لهذه الارتباطات أن تساعد الشرطة في تجميع أجزاء صور المشهد كله من أجل التوصل إلى عملية تحول هؤلاء الأفراد إلى اعتناق الفكر الجهادي، فضلاً عن التعرف على وظائف أعضاء الخلية وأيهم كان القائد وأيهم كان التابع.
وتبقى الأسئلة التي تلوح في الأفق دائرة في فلك الكيفية التي تحولت بها عصابة من الشباب الذين يحملون الجنسية البلجيكية إلى الفكر الجهادي مثلما يحملون قدراً كبيراً من الولاء لبعضهم البعض.
سكاربيك.. الوجهة الثانية
ورغم أن مولينبيك تعد مركزاً لجذب تلك الجماعات، فالليلة الماضية أوضحت أن صلاح عبد السلام نقل عملياته إلى منطقة سكاربيك ببروكسل، والتي تبعد 3 أميال فقط.
وتم تحديد موقع تصنيع القنابل بتلك المنطقة، حيث جهّز الأخوان البكراوي لهجماتهما التي وقعت الثلاثاء.
ونفذ إبراهيم البكراوي (30 عاماً) عملية تفجير المطار، بينما نفذ أخوه خالد (27 عاماً) عملية انتحارية في محطة المترو بحي "مالبيك" صباح الثلاثاء.
ويقع الوكر الذي بدأت منه العملية بالدور الخامس لأحد المباني المتهدمة، حيث عُثر على مواد متفجرة وعلم لتنظيم الدولة الإسلامية. ووصل الأخوان القاتلان إلى موقع التفجير بسيارة أجرة، مع مشتبه به رابع لا يزال طليقاً.
ويعد نجيم العشراوي، الرجل الذي ظهر في الكاميرات مرتدياً لباساً أبيض، أحد الضالعين في تلك الهجمات. لكنه تمكن من الهرب من تفجيرات المطار ولا يزال مطارداً. ويعيش العشراوي هو الآخر في منطقة سكاربيك.
وكان الأخوان البكراوي استأجرا شقة في ضاحية غابات بروكسل، حيث داهمت قوات الشرطة الشقة يوم الثلاثاء وقتلت الجزائري محمد بلقعيد.
وتحدث الفريق الشرطي المسؤول عن المنطقة التي وقعت فيها الهجمات ببروكسل عن أن طلبهم للدعم قد تم تجاهله تماماً، حيث كانت السلطات البلجيكية تركز على منطقة مولينبيك، والتي تشتهر بكونها معقلاً للجهادية، في حين لم يدركوا أن الرجل الأخطر في أوروبا يشكل شبكة جديدة في سكاربيك، وهي منطقة مليئة بالمسلمين أيضاً وتبعد 3 أميال فقط عن مولنبيك.
إنهم يكرهوننا
كما أضافوا بأن سكان المنطقة يشعرون بالكراهية تجاه الشرطة، مما يعني أنهم لن يقوموا بإبلاغ الشرطة عن الجهاديين، بل على العكس قد يتعاطفون معهم.
وقالت شرطية طلبت عدم ذكر اسمها لصحيفة "ديلي ميل" البريطانية "في الحقيقة لم أتفاجأ، لا أحد يأخذ هذا الحي وما يدور فيه على محمل الجد. إننا نلقي القبض على مجرمين معروفين يومياً، لنجدهم في الشارع مرة أخرى في اليوم التالي. إننا نقوم بعملنا كما ينبغي، لكن النظام القضائي لا يدعمنا مما يسبب لنا إحباطاً شديداً".
وأضافت "لا تتم محاكمتهم أو معاقبتهم ولو حتى بدفع غرامة، بل يُطلق سراحهم. نلقي القبض عليهم، لنجدهم في الأسواق بعدها بساعات معدودة، وعلى وجوههم علامات السخرية والاستهزاء والإيمان بانتصارهم"، وأوضحت أن سيادة ثقافة "عدم الاحترام للشرطة أو لبلجيكا" في هذه المنطقة متعددة الثقافات، يعني إمكانية وجود خلايا إرهابية لا تخاف أن يتم التبليغ عنها.
وبحسب الشرطة البلجيكية فإن كل هذه الأسباب جعلت من سكاربيك، التي لم تعدّها السلطات وكراً للإرهاب، "معقلاً مثالياً للجهاديين"، وأضافت الشرطية البلجيكية "طالبنا السلطات مراراً بالاهتمام بما يدور في تلك المنطقة بشكل أكثر جدية، لكن هذا لم يحدث".
كما وافقها قائدها الذي لم يشأ ذكر اسمه أيضاً، وقال "لم يخف علينا ما يدور هنا، ولدينا العديد من الأشخاص تحت المراقبة، إلا أنه لا يزال ثمة بعض الذين لا نعرفهم بعد، والذين يندمجون في المجتمع المحلي بشدة. فعائلاتهم هنا وهم يعرفون بعضهم، لكن لا أحد يقول شيئاً"، وتابع قائلاً "على السطح، لا يبدو أن هناك كثيراً من المشاكل، لكن النظرة الأعمق تكشف عن مشكلات كبيرة".
إظهار المسلمين بشكل سيء
لكن محمد (27 عاماً) قال "لا يوجد إرهابي في هذا الشارع، لكن الشرطة تريد إظهار المسلمين بشكل سيء"، كما أبدى سفيان قلقه من أن التحقيقات عن الإرهاب في الحي ستصمه بوصمة سيئة، وقال "شخص أو اثنان فقط هم الذين سكنوا هنا، ثمة العديد من الخلايا الإرهابية في بروكسل، وليس في سكاربيك فقط".
ورغم كون مولينبيك المعقل المعتاد للمتشددين، فإن مراحل التحقيقات الأخيرة في هجمات بروكسل جعلت من سكاربيك محطاً للأنظار