(سمية ابن خلدون المرأة التي جعل منها الإعلام محرقة لكل امرأة مارست حريتها في الحياة) إن الهيمنة الذكورية بناء تاريخي وثقافي متجذر في لا وعي الشعوب، قناعة خلص إليها "بيير بورديو" بعد دراسة علمية تنازعتها مقاربات متنوعة تاريخية، أنتروبولوجية، لسنية ، سويولوجية ،اقتصادية وسيكولوجية ،معتمدا على مناهج كمية وكيفية إحصاء و وصف وملاحظة وملاحظة بالمشاركة وتحليل الخطاب، أي أنه قارب الظاهرة في تنوعها وتعددها المتمظهر واقعيا والمتمثل رمزيا فلم يستثني الباحث في تحليله ودراسته أي معطى كان ماديا أو معنويا ليصل إلى خلاصته تلك مستحضرا الواقع الجزائري كصورة مضخمة للواقع الإنساني ككل الذي يتأسس على بنية تقسيمية للأدوار بين الجنسين بشكل تلقائي فطري منذ الأزل. فالهيمنة الذكورية بالمفهوم البورديوزي عرت عن طرق وأساليب للتفكير يمارسها كل من الذكر والأنثى تصدر عنهما بشكل لاواعي لتحديد العلاقات والأدوار لكل منهما ، أنماط للوجود والحياة مخترقة للزمان والمكان وبشكل تراتبي أحدهما تابعا للآخر ، وهذا الوضع المحدد للحياة الإنسانية تتلاحم معه كل المكونات بما فيها الطبيعية والكسمولوجية ليصبح الكون عبارة عن بناء للأجساد والأشياء في أوضاع مختلفة تتجاذبها مقاييس الوحدة والتعدد والتناقض والانسجام يجعل من البناء حقلا ديناميكيا لا يكف عن الحراك الطبيعي ولا يخرج عن الحدود المتعاقد عليها مما جعل البناء مستمرا متوازنا ينتج ويعيد إنتاج نفس المسا ر الحياتي للإنسان بشكل تلقائي مسترسل لا يعرف مجالا للتفكير في وضع آخر للوجود الإنساني منذ أن كان. لكن مقاربة "بيير بورديو" هذه ، عرفت انتقادات كثيرة خلخلت مفاهيمها وخلاصاتها واعتبرتها شيئا متجاوزا لا يجب التوقف عنده لأنه لا يتوافق مع المنظومة الكونية للوجود والتواجد الإنساني في إطار تطور علمي وتكنولوجي أعاد البناء والهيكلة لكل مظاهر الحياة فتغيرت الأوضاع والأدوار والتمثلات وأنماط التفكير فلم يعد البناء التاريخي والثقافي للأجساد هو المحدد الوحيد للعلاقات الإنسانية والمتحكم في أشكال الوجود والممارسة بل هناك محددات أخرى أكثر بعدا من المعطى البيولوجي والجنسي وهذا راجع إلى طبيعة الأشياء التي تتغير بشكل مستمر مؤسسة لقطيعة بنيوية مع كل الأوضاع والأشكال و أنماط الوعي والتفكير السابقة. فالمرأة أصبحت تمارس كل الأدوار الاجتماعية كالرجل بما في ذلك الخلق والإبداع والممارسة الفكرية والعلمية والسياسية والثقافية والاقتصادية فالحديث عن المرأة ككيان جنسي يعتبر تخلفا وعقما وأكيد أن هذا الوضع الجديد للإنسان بصفة عامة وللمرأة بصفة خاصة هو نتيجة لنضال فكري سياسي ايديولوجي ميز تاريخ المجتمعات منذ القرن العشرين فتمت القطيعة سواء بشكل تدريجي أو سريع مع كل أشكال التمييز جنسا كان أو عرقا أو معتقدا أو ثقافة وسخرت كل الأدوات والمناهج والمقاربات العلمية والفكرية (حقوق الإنسان، مقاربة النوع، التنمية......) لتثبيت قواعد هذا العالم الذي أصبح يتأسس على قواعد أخرى غير التي كانت. هو وضع جديد جعل من الكونية هي الخاصية المشتركة بين كل الناس لا فروق بينهم وانخرط الكل في تحقيقها رغم العديد من التحديات المختلفة لكن، هل فعلا تحققت الكونية وتقلصت أشكال التمييز وتم التجاوز الفعلي لها ؟ الجواب يختلف من مجتمع إلى آخر ومن فئة إلى أخرى ومن مجال إلى آخر و كوننا نحن في المغرب من دعاة التغيير ومن المنادين بالكونية ومن متبنين لكل الأفكار والسياسات والمعاهدات التي تحث على الانفتاح والتواصل والتشارك ورفع الحدود في بعدها المادي والرمزي واحترام الآخر وحقه في الحياة بكل مكوناتها فالمفروض علينا كمغاربة العمل على تفعيل وممارسة هذا البعد الجديد للكينونة وللإنسانية حتى نكون في مستوى الحداثة والكونية وأن ننخرط كمجمتع بفئاته ونخبه ومؤسساته وسياساته و أفكاره وثقافاته وننفتح فكرا ووجودا على العالم ونقطع مع كل أشكال التخلف المبني على الإقصاء والانغلاق والتطرف وكل ما يمكن أن يدمر مجتمعنا فكرا وممارسة واعتقادا. فهل ما عرفه المغرب في الآونة الأخيرة من أحداث سياسية واجتماعية وثقافية يمكن أن نترجم من خلاله ونقيس و نصنف مرتبة المغرب في السلم الارتقائي العالمي كمجتمع حداثي متطور قابل للتغيير والتجديد لهياكله وبناءاته ومؤسساته ومستوياتها الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية؟ هل يمكن أن نتلمس مواطن التطوير والتقدم في تعليمنا، في صناعتنا، في سياساتنا الاجتماعية الخاصة بالأسرة بالمرأة بالطفل، في سياساتنا التنموية في عنصرنا البشري في استراتيجياتنا المستقبلية ؟ أكيد أن ما يطفو على السطح هو آت من القاع ، من المكونات الواعية واللاواعية للممارسات وللقناعات وللتمثلات المؤسسة للوجود الإنساني في أبعاده المختلفة. فلا يمكن لسلوك ولفعل ورد فعل أن يمارس و أن يتحقق في الواقع بشكل تلقائي بريء بل هو ترجمة مباشرة لفكر لقناعة لمعتقد تعبر عن نفسها رمزيا وماديا لتظهر عن سلطتها وتسلطها وعن قوتها الكامنة في الإنتاج المستمر لها بشكل يومي وعن محاربتها لكل من يعترض طريقها. و إن أخطر ما يعوق المسيرة الارتقائية للمجتمع هو ذلك المكبوت القابع في اللاشعور والذي ينفلت من حين لآخر ليخرج مهدما كل الصروح وكم يكون مدمرا حينما يسخر سلطات و مؤسسات وأشخاص فيقع زلزال في البنى واختلال في الأسس وضياع وغموض في الرؤى فيختلط العاقل بغير العاقل ويتساوى الكل المثقف والجاهل ، الحداثي والرجعي ، المتدين والعلمي ويتفق الكل ويتحدث باسم واحد لماذا ؟ لأن اللاوعي هو الرابط والقاعدة والمؤسس تاريخيا وثقافيا عبر التنشئة الاجتماعية لكل من ينتمي إلى رقعة محدودة مجاليا وشبه محدودة فكريا، هو المتحكم والمهيمن، هو العاقل حينما ينفلت من اللاعاقل ومن الحدود إلى اللاحدود ومن الكبت إلى الانفجار. فالهيمنة الذكورية التي خلناها من جرائم الماضي التي مارستها جل المجتمعات الإنسانية في حق المرأة لا زالت حية في أللاوعينا بل مسيطرة عليه وهي تشتغل على الدوام وتمارس يوميا بشكل رمزي وما ما يروج عكس ذلك ما هو، إلا تضليل للرأي العام الوطني والعالمي و للوعي الجمعي والفردي و أكبر دليل على ذلك هو قضية السيدة سمية ابن خلدون المرأة التي صنع منها الإعلام بمختلف توجهاته الايديولوجية والفكرية بؤرة للتوتر وموقعا للألغام وقضية وطنية وسياسية وثقافية ، قدموها للمحاكمة و طبقوا عليها كل أنواع العقوبات وتفننوا في تلفيق التهم ووضعوها في محرقة ذكرتني بتلك التي سادت في القرون الوسطى للمجتمعات الغربية ، حاكموها باسم التحرر والديموقراطية وحقوق الإنسان ومقاربة النوع، باسم الفكر والدين وباسم المواطنة وباسم الكونية وباسم الحداثة وباسم الحرية كلها مواثيق ومعاهدات واتفاقيات فمثلت القضية الوطنية الأولى للمغرب كبلد يترنح تحت ثقل الجهل والفقر والهشاشة والمرض فلينتظر المعطلون والفقراء والمقصيون ولتتوقف مسيرة تطوير التعليم والصحة والشغل والحقوق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية فلتتوقف كل عقارب الساعة حتى نجلد ونهين ونقطع ونشوه هذه المرأة حتى نضربها في عمق أنوثتها وكينونتها وآدميتها حتى نذبح أصولها وفروعها أنذاك ، سوف نرجع إلى الأشياء الأخرى التي لا ترقى إلى أهمية قضية ابن خلدون . فتنافس المتنافسون واستعرضت العضلات واستفرغ الرجل كل سمه وحقده ليقول للمرأة أنا الرجل ، أنا الفحل ، أنا الفاعل ليس لك الحق في الحب ولا الحياة ولا الاختيار ولا تقرير المصير ولا بناء مشروع لحياتك مهما كنت وزيرة أو معلمة أو كسالة فأنت مجرد وعاء تفرغ فيه مكبوتات الرجل، مجرد جسد يفعل به ما يريده الرجل وكنت ولا زلت وستبقين كذلك ، عبر الرجل المغربي وللأسف ذلك الذي يدعي الثقافة والفكر والانفتاح والحداثة والتدين والحوار عن موقفه الحقيقي من المرأة. كلنا ابن خلدون أليس لنا الحق في الحياة إلا إذا أذن لنا الرجل هذه هي الحقيقة التي عرتها سيرة حياة بسيطة لمواطنة تعيش في بلد لم يترك اتفاقية إلا و أمضى عليها ، بلد يدعي الكونية بكل مستوياتها ، حوربت هذه السيدة بكل الأشكال دينيا وسياسيا وثقافيا و أخطرها سيكولوجيا ، حوربت من كل ناحية أولها و أقواها الإعلام القلب النابض للمجتمع ، المدرسة الثانية للفئات التي تعيش الجهل والأمية ، السلطة الرابعة التي تنقل الخبر (بالمصداقية والموضوعية) هذه المؤسسة التي تحمل على عاتقها أكبر مسؤولية تجاه المجتمع تجاه المعلومة وتجاه العالم ، فعوض القيام بالتوعية والتحسيس وتنوير المجتمع لما يتلاءم مع متطلبات العصر وما تحث عليه المواثيق الدولية التي انخرط فيها المغرب وعوض طرح القضايا الساخنة التي يعيشها المغرب والعالم و التطرق للمشاكل الاجتماعية التي تعيشها الفئات الهشة و تحريك ضمائر المسؤولين والسياسيين بمعاناة المغاربة والارتقاء بخطابهم الإعلامي المتردي والتنافس في تقديم الأجود و الباني والموجه والمنبه للمواطن المغربي كتابة وسماعا ومرئيا ، انصب الإعلام المغربي ولمدة تزيد عن شهرين على ملف خاسر لن ينتج إلا التخلف والرجوع إلى الوراء . كوني ذكية أيتها المرأة المغربية كنت مثقفة أم أمية سياسية أم جمعوية ، قروية أم مدينية فما حدث للسيدة ابن خلدون ما هو إلا استفراغ لفكر يحتقر المرأة ولا يعتبرها إلا جسدا يمتع الرجل لا يهم من هو حداثي كان أو علماني محافظ كلهم يتساوون حينما يتعلق الأمر بالمرأة بل أن المسكينة استعملوها كسلاح للمبارزة سياسيا وايديولوجيا. كوني طبيبة وزيرة أو ما شئت فما أنت إلا حريم و خلوة ومتعة . أيتها الحركات النسوية والنسائية التي ناضلت ولازالت تناضل يؤسفني أن أقول لكن أنه لم يتغير شيء فلا زلنا حريما مهما فعلنا وكل ما يقال حول المرأة وعن المرأة من خطابات وشعارات عن الحرية ومقاربة النوع وشقائق الرجال كله ادعاء وتضليل المرأة المغربية فالهيمنة والتسلط الذكوري حاضر في بنياتنا وفي مؤسساتنا حتى النخاع فلا تثقن ولا تسقطن في الفخ كلهم متشابهون بنخبهم وفئاتهم المرأة جسسسسسسسسسسسسسسسد لا غير . أدعوكن إلى تجديد آلياتكن و تنويع مقاربتكن و تشبيب هياكلكن ولا تعتمدن فقط على النخبة فالمرأة المغربية هي كيان واحد. انطلقن إلى القرى إلى المعامل والضيعات والإدارات ، كثفن من التوعية والتحسيس وكافحن واتركن اختلافكن المذهبي والحزبي فالقضية قضية امرأة مغربية قضية غير قابلة للتجزيء لا تتركن لهم فرصة التفرقة باسم التوجهات والمعتقدات والتيارات ، كنت إسلامية أو اشتراكية أو استقلالية أو ....... فأنت واحد ، مغربية. أدعوكن لتغيير وجهتكن ، اذهبن إلى المدارس فهناك تتشكل وتولد أشكال الهيمنة والتسلط على الأنثى ، اعملن على تفعيل مقاربة النوع وحقوق الإنسان و التربية الجنسية ، ناضلن على هذه المقومات التي يجب أن تكون الأبجديات الأولى للدراسة ، توجهن إلى الأسرة ، استعملن كل ما يمكن أن يخرج المرأة من هذا السجن الجسدي حررن الجيل الصاعد فكريا وثقافيا ، حاربن من يؤول الدين ضد المرأة فاعلمن أن الدين الإسلامي هو الوحيد الذي كرم المرأة في حين احتقرتها الديانة المسيحية واليهودية واعتبرت شيطانا حتى في الفلسفة اليونانية (أفلاطون، أرسطو......) فكل ما يقال ضد المرأة باسم الدين هو كذب وبهتان.