قرار ثلاثة فصائل يسارية (الحزب الاشتراكي الموحد، وحزب الطليعة الاشتراكي الديمقراطي، والمؤتمر الوطني الاتحادي) المشاركة في انتخابات العام المقبل، حدث له أهمية سياسية لا ينبغي الاستهانة بها. هذه فصائل متشبعة بثقافة مقاطعة الاستحقاقات الانتخابية، وخاصة حزب الطليعة. أما الحزبان الآخران فقد تراوح سلوكهما بين المقاطعة تارة، والمشاركة تارة أخرى. بمعنى أنهما لم يجعلا بعد خيار المشاركة خيارا قارا في قلب استراتيجتهما السياسية . لهذه الفصائل، بطبيعة الحال، أطروحتها التي ساهمت في صياغة تلك الثقافة، من عناصرها ما تعتبره غيابا لضمانات النزاهة والشفافية والمصداقية. مطلب الضمانات هذا، مطلب ترفعه جميع القوى الحزبية المغربية، مهما كانت توجهاتها. الفرق بين القوى المعتادة على المشاركة وتلك التي دأبت على المقاطعة، هو أن هذه الأخيرة تجعل من توفر الضمانات شرطا مسبقا لدخول أية انتخابات، بينما تعتبر الجهة الأخرى تلك الضمانات معركة متواصلة، تخاض قبل الانتخابات وأثناءها وبعدها. والجدل الجاري في البرلمان حول لوائح الناخبين والجهة المخول لها الإشراف على الإنتخابات واحد من مظاهر تلك المعارك. أن تختار، اليوم، فيدرالية اليسار خوض المعركة الانتخابية بينما لم ينته، بعد، الجدل حول القوانين الجديدة المتعلقة بها، يوحي بحدوث تحول في ثقافتها السياسية. ربما استخلصت من تجاربها السابقة، أن اعتماد سياسة الكرسي الفارغ لم يسهم سوى في تهميشها، وإضعاف تأثيرها، وإبعادها مزيدا من الإبعاد عن الفئات الشعبية التي تقول إنها تنطق باسمها وتدافع عن قضاياها، وقد يعرضها، في حالة استمرار التشب به، إلى التآكل. لعلها أدركت، أيضا، أن مشروعها المجتمعي معرض لأن يظل حبيس جدران مقراتها، إن لم يعبر عن نفسه عبر قنوات أكثر تنوعا، وعبر فضاءات أوسع. فأي المناسبات أنسب لترويج ذلك المشروع ومحاولة توسيع قاعدة مناصريه ومؤيديه، إن لم تكن هي الانتخابات؟ ما حفز إلى القيام بهذه الاستنتاجات، هو كلام نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الإشتراكي الموحد، في حوارها مع جريدة «الأحداث المغربية»، وخاصة عندما قالت: «كيف يمكن أن تقاطع وأنت صاحب مشروع، فحتى وإن كنت ممنوعا من التمويل ومن الإعلام، فهذا لا يعفيك من التواصل مع الشعب، إذن فبالنسبة إلينا الانتخابات هي محطة أساسية للتواصل مع المواطنين». إذا كان كلام نبيلة منيب يعني حصول القناعة بضرورة القطع مع ثقافة المقاطعة، فإن قرار المشاركة يشكل تطورا كبيرا في الثقافة السياسية لفصائل فيدرالية اليسار الديمقراطي. ولا شك أن تأثيره على المشهد السياسي سوف يكون تأثيرا إيجابيا، مهما كان تقييم البعض للحجم التنظيمي والإشعاعي لتلك الفصائل. إنها تنظيمات وطنية، تحمل مشروعا مجتمعيا، له مكانه في المجتمع المغربي، يحق له أن ينافس مشاريع باقي القوى الحزبية. نعم، قد يطلب منها المواطن الذي سئم الخطاب السياسي التقليدي، أكثر مما يطلبه من الأحزاب السياسية الأخرى. قد ينتظر أن تأتي بالجديد الذي يقنعه بأن العقم ليس مرضا عاما تعاني منه النخبة السياسية كلها. وقد يأمل أن ترفع مستوى النقاش السياسي، وأن تبعث الحيوية في التنافس بالأفكار والبرامج…الخ. مهما كان الأمر، ورغم أن هذه الفصائل لا تملك إمكانيات ولا تجارب منافسيها، ولا يتوقع حصولها على انتصار كاسح في الانتخابات، فإن مشاركتها تسهم في تنويع العروض السياسية المقترحة على جمهور الناخبين. وهذا في حد ذاته قيمة مضافة، من المؤمل أن تسهم، ولو بقسط بسيط، في الحد من العزوف. أما إذا نجحت في إنجاز ما تنتظره منها الأنظار التي تترقبها، فقد يشكل ذلك مساهمة معتبرة في تحديث العمل السياسي.