للمرة الاولى منذ ثلاثة عقود، يعلن المغرب حربا دبلوماسية واعلامية معلنة على فرنسا، ويقدم نفسه ندا ومنافسا لها وليس احدى مستعمراتها السابقة او حتى حليفها الاستراتيجي في كافة الميادين حتى الخدماتية والذي دافعت عنه بكل المحافل الدولية وشكلت حصنا ضد الهجمات التي كان يتعرض لها. واذا كانت العلاقات الفرنسية المغربية تعرف هزات خفيفة منذ بداية العام الجاري، فإن تصريحات ادلى بها وزيرالخارجية المغربي تكشف ان في هذه العلاقات ما لم تعد الرباط تحتمله. فمن «غير مناسبة» هاجم صلاح الدين مزوار فرنسا ووصفها «بالقوة الاستعمارية التي تحن لعهود الاستعمار وتتعامل بمنطق الوصاية». ومزوار وهو رئيس التجمع الوطني للأحرار كان يتحدث خلال لقاء زعماء أحزاب الأغلبية في الرباط دعا إلى ضرورة «التعامل بالند مع قوى استعمارية ما زالت تتعامل بمنطق الوصاية، هذه القوى التي كانت تعتقد أنه يمكنها التعامل بمنطق إعطاء الأوامر للمملكة»، مؤكدا أن المغرب رغم ما يتعرض له من ضربات إلا انه يرفض هذه الوصاية ودعا إلى «بناء ذواتنا، لأنه لا يمكن الذهاب في هذا الاتجاه إلا مع رصانة البيت الداخلي». وقال مزوار إن بلاده تلقت «ضربات أولى وستتبعها ضربات أخرى»، واعتبر استدعاء مدير الإدارة العامة للتراب الوطني (المخابرات الداخلية DST) عبد اللطيف الحموشي من قبل القضاء الفرنسي، والمس بشرف وزيرة في الحكومة المغربية، في اشارة إلى تسريب وثائق خاصة للوزيرة بالشؤون الخارجية مباركة بوعيدة، ما هي إلا ضربات أولية قبل سلسلة من الضربات الأخرى القادمة. وزير الخارجية المغربي، الذي حذر من محاولة زعزعة الدبلوماسية، اعتبر الخطاب الملكي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بمثابة «رد قوي على خصوم المغرب، وقال إن «الملك محمد السادس عندما قال «حنا عارفين في غاديين وشنو باغيين» فكلامه ليس تافها، بل له دلالات عميقة لكون العالم يعرف زلزالا كبيرا، مشيرا إلى عودة المملكة القوية لإفريقيا، والتي كان هناك من يعتقد أن إفريقيا أصبحت ملكه». وقال «الطريقة التي عاد بها المغرب إلى إفريقيا والمنهجية والمقاربة خلقت هزة، والترجمة العملية من جانب زيارة الشرطة الفرنسية إلى مقر السفارة لمحاولة المس بمسؤول أمني كبير في المغرب»، وذلك في إشارة إلى الدعوى بالتعذيب التي رفعها مواطنون مغاربة ضد مدير المخابرات عبد اللطيف الحموشي وقرار السلطات استنطاقه يوم 20 شباط/ فبراير الماضي عندما كان موجودا في باريس في قمة أمنية. وتحدث مزوار عن تسريب خبر ينص على توفره على الجنسية الفرنسية الا انه لم يشر إلى تسريب وثيقة عبارة عن رسالة من وزير الخارجية الفرنسي إلى مزوار يخبره فيها بتدخله الشخصي لتأمين تدريب لابنته بإحدى المؤسسات الفرنسية وتعرضه للتفتيش الشخصي الدقيق في مطار شارل ديغول، الا انه اشار إلى وثائق تتعلق بقضية الصحراء ووزراء مغاربة منهم الوزيرة امباركة بوعيدة. هذه الأمثلة التي تعتبر بالعلاقات الدبلوماسية ضربات تحت الحزام، والتي قرأها مزوار، انها نتاج للانفتاح المغربي القوي على افريقيا، بعد سلسلة الزيارات التي قام بها العاهل المغربي الملك محمد السادس لعدد من الدول الافريقية ودوره في حل ازمة المالية، وخطابه امام الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي هاجم فيه الدول المتقدمة ومحاولة فرض وصايتها على الدول النامية وفرض نموذجها بالديمقراطية والتنمية. ولوحظ في السياسة الفرنسية الجديدة تجاه المغرب، تبني باريس موقف الجزائر باستبعاد المغرب عن اي دور اقليمي، سياسي او امني او عسكري. واستبعدت باريسالرباط من لقاءات ومؤتمرات عقدت حول ليبيا، شريك المغرب باتحاد المغرب العربي رغم ما لعبه المغرب من دور في ليبيا بعد سقوط نظام العقيد معمر القذافي 2011. وقالت اوساط دبلوماسية مغربية ل»القدس العربي» ان المغرب قرر سياسة الانتظار وعدم الدخول بوحل الأزمة الليبية، لأن اللاعبين بالأزمة لا يسعون إلى تسويتها بقدر ما يسعون لتقاسم النفوذ والمصالح في هذا البلد الغني بالنفط والمحيط بالعديد من الدول. وتؤكد هذه الاوساط ان المغرب يعتقد بالحل الإقليمي للأزمة الليبية، وتحديدا حلها بالإطار المغاربي، وهو ما يزعج باريس التي تعتقد ان ليبيا يجب ان تكون بالحضن الفرنسي بعد دور باريس في اسقاط القذافي. وحسب تقرير لصحيفة «الف بوست» الإلكترونية فإن التوتر المغربي- الفرنسي نتيجة ملفات شائكة تراكمت في صمت والأهم منها الميل السريع لباريس إلى الجزائر على حساب التوازن مع المغرب بعد ان اصبح بيرنارد باجوليت السفير الفرنسي السابق في الجزائر وصاحب التأثير القوي على الرئيس فرانسوا اولاند، مديرا للمخابرات الخارجية الفرنسية والمهندس الحقيقي لهذا التطور والتغيير الحاصل في سياسة باريس المغاربية بالتنسيق مع الجزائر على حساب المغرب. ونقلت الصحيفة عن مصادر سياسية رفيعة أوروبية أن التوتر المغربي- الفرنسي لا يمكن فصله عن الدور الكبير والمؤثر جدا لمدير المخابرات الخارجية بيرنارد باجوليت حيث يترأس بيرنارد باجوليت هذا الجهاز الأهم ضمن الأجهزة الاستخباراتية الفرنسية، وهناك مثال يجري تداوله في فرنسا «إذا ضعفت المخابرات الخارجية سقطت فرنسا». ويتحدث باجوليت اللغة العربية جيدا، ودارس للتاريخ والثفافة العربية، وعمل سكرتيرا أولا في سفارة فرنسا في الجزائر عام 1978، حيث كان الرئيس الحالي فرانسوا أولاند متمرنا عنده في السفارة، وعاد ليتولى منصب السفير الفرنسي في الجزائر ما بين 2006-2008 قبل أن يعينه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في مناصب دبلوماسية-استخباراتية حساسة. ويصبح مع الرئيس أولاند مديرا للمخابرات الخارجية. وتؤكد وسائل إعلام فرنسية ومنها مجلة «لوبوان» مؤخرا التأثير الهائل لبيرنارد باجوليت على الرئيس أولاند في السياسة الخارجية. وحسب المصدر نفسه يعتبر بيرنارد باجوليت رفقة آخرين من مهندسي وثيقة «ابن سينا» عام 2007 التي تبناها عدد من الدبلوماسيين وقادة الجيش ورجال الأعمال والباحثين الجامعيين حول ضرورة إعادة فرنسا لعلاقاتها في العالم العربي. ومالت في حالة المغرب العربي إلى الجزائر على حساب المغرب. ويشتهر هذا الدبلوماسي- المدير في الأوساط الدبلوماسية والاستخباراتية الفرنسية بدفاعه عن مصالح الجزائر في باريس منطلقا بأحقية تحول فرنسا إلى مخاطب رئيسي سياسيا واقتصاديا وأمنيا بدل قوى كبرى أخرى. ويؤكد، وفق ما يروج في باريس، أن تلبية مطالب الجزائر سيجعل فرنسا تتحول إلى الحليف الرئيسي للجزائر. ويعتبر من مهندسي زيارة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي إلى الجزائر عام 2007 قبل المغرب، مما دفع الرباط وقتها إلى إلغاء استقبال ساركوزي حتى قام بزيارة جديدة للرباط فقط. كما يعتبر مهندس زيارة فرانسوا أولاند إلى الجزائر خلال كانون الاول/ ديسمبر 2012 قبل زيارته للمغرب. ويعتبر مهندس التقارب والتنسيق السياسي والعسكري الذي يتجلى في الزيارات المتعددة بين وزراء باريسوالجزائر والتنسيق في ملفات مثل ليبيا ومالي وتونس. بيرنارد باجوليت، مدير المخابرات الفرنسية الخارجية لم يبذل أي جهد دبلوماسي وأمني لامتصاص الأزمة المغربية-الفرنسية، وهذا مؤشر على استراتيجيتة تطوير العلاقات مع الجزائر على حساب المغرب.