المتتبع لشأن مغاربة العالم ونخص بالذكر منهم المنتمون لأوروبا وهم ثلاث ملايين من مجموع الخمسة القاطنة في اقطار أخرى، يلحظ بأسف بالغ ضعف التواصل وإتساع هوة التباعد بين هؤلاء ومؤسسات بلدهم الأم. وتزداد الهوة عمقا عندما يتعلق الأمر بالجيل الثاني والثالث والرابع من أصول مغربية. ومنذ ان عهد الملك محمد السادس بالحكم تبلورت ديناميات عديدة كان من أهدافها تحسين وتمتين أواصر العلاقات الثقافية والتربوية لمغاربة العالم ببلدهم الأم، مع التركيز على حفاظهم على الهوية الإسلا مية و الثقافة المغربية. وكنقلة نوعية ومنذ سنة 2005 بدأ التأسيس لمبادرات حكومية تعني الجالية : كالوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين في الخارج ، ومجلس الجالية المغربية بالخارج، وهيآت أخرى لا حكومية . ويظهر من ذلك، أن كما هائلا من القدرات البشرية والمادية قد جندت ، ولا زالت لحد الآن، لفائدة الجالية، بينما الواقع يؤكد ان هذه الأخيرة، هي أقل المستفيدات من المشاريع و البرامج المخصصان لها بالرغم من المباليغ المالية التي تصرف بإسمها. و إذا تطرقنا، من جهة أخرى، للجانب الحقوقي والقانوني لمغاربة العالم، نجد ان دستور 2011 و من خلال فصوله، 163 ،16 ، 17 ، 18 و 30، قد رسم للجالية أفقا لا متناهي من الآمال والتطلعات المستقبلية، وإعتبر مغاربة العالم أنهم حصلوا على مكاسب أساسية و حققوا تقدما مهما على هذا الصعيد ، سيجعلهم يستعيدون كرامتهم من مؤسسات الدولة التي تعمل بالوصاية عليهم دون إشراكهم في القرارات المتعلقة بأمورهم ! و ا ستبشر جميعهم بأنه ليس هناك تشريع يتعالى على الدستور. في شهر نوفمبر من نفس السنة، أطلت علينا الحكومة الجديدة برآسة حزب العدالة والتنمية، فقدمت برنامجها الحكومي المخصص للجالية، ومنحت انطباعا بكونها تجعل المواطنين المغاربة بالخارج في صلب أولوياتها السياسة وذلك بالدفاع عن حقوقهم وحماية مصالحهم وتوطيد علاقاتهم بوطنهم الأصلي، و الإشتغال على تنويع وتطوير برامج التربية والتأطير الديني وتعليم اللغتين العربية و الأمازيغية ، و إحداث برامج ثقافية، وكذلك تحديث وتطوير الخدمات الإدارية، وتعميم الاستشاراة القانونية ، و مع ذلك تبقى هذه الحكومة وسابقاتها التي تعاقبت على الحكم في المغرب تتعامل مع مغاربة العالم وقضاياهم بمثابة مختبر للتجارب، بحيث كل المشاريع والبرامج التي أنجزت لصالحهم ، بإستثناء الخدمات الإدارية التي تأديها القنصليات، لم تتوفر أبدا على المحفزات التي تتماشى مع تطلعات وآمال الجالية، و لا مع طموحات وأفاق أبنائها وبناتها من الأجيال الجديدة ، ولم توجه، لكي تلامس عمق مشاكلهم الحقيقية. والدليل هو ان الواقع الحالي يدعو الى كثير من القلق : ففي بلجيكاهولندا و فرنسا، شباب من أصول مغربية التحقوا بمناطق القتال في سوريا والعراق بإسم الجهاد .ولعل ذلك يوحي بنتيجة صادمة، تجعلنا نرى الخلل واضحا غير اننا نجهل من هم المسؤولين عنه . وفي سياق متصل قدمت الباحثة من أصل مغربي "أسماء لهله" في السنة الماضية 2013 بحثا لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة تيلبوخ. تحت عنوان: "ضحايا غير مرئيين" عمقت البحث في أسباب ظاهرة العنف والإجرام لدى الشباب الهولندي المنتمي للجيل الثالث والرابع من أصول مغربية، وخلصت في أبرز النتائج إلى أن الظاهرة لها علاقة بالاختلافات الإثنية والخلفيات الثقافية، كما ان العلاقات الأسرية الفاترة والإنتماء لأوساط هشة مادية كانت او معنوية، تقذف الشباب للإنحراف ويتحول بنفسه الى ضحية. وفي إسبانيا ومنذ ما يقرب من أربع سنوات صدرت دراسة سوسيولوجية قامت بها مؤسسة (إللوي) الهدف منها إستخلاص رؤيا عن مستقبل الجيل الثاني من أبناء المهاجرين/ات، المنحدرين من أمريكا الجنوبية ومن أوروبا الشرقية، و من المغرب، فكانت الخلاصة بخصوص الجيل الثاني من أصول مغربية، جاءت مبرزة تشكل "جيل تائه"، وحذرت من العواقب الوخمية للظاهرة إن لم تؤخد التدابير اللازمة لتقويضه. لا نرى أن هناك فرقا كبيرا، بين شباب إسباني من أصل مغربي، ونظرائهم الهولندييين و البلجيكيين و الفرنسيين، فهم تجمعهم الأصول المغربية، ورابطة الدين و لغة الأباء والأجداد - بعضهم عايش نفس المراحل الحياتية وهم في الصغر من أبرزها تحديات الإندماج ،مثل عقدة الهوية على سبيل المثال لا الحصر. الفرق الوحيد الذي لا يجب ان يفوتنا ذكره ، هو ان الشباب االهولندي و البلجيكي، و الفرنسي من اصول مغربية ، قد بلغوا الجيل الثالث والرابع، بينما في إسبانيا مازال هؤلاء الشباب من اوصول مغربية مهاجرة منحصرين في الجيل الاول بسبب حداثة الهجرة المغربية إلى الإسبانية - وهذا يعنى، أنه لو توفررت الظروف لصالحه ، ونال حظه من الإهتمام والرعاية، ربما كان سيكون له شأن آخر. والسؤال الذي نطرحه هو : كيف لنا أن نحفظ هذا الجيل باعتباره ثروة إنسانية نفيسة ؟ في الوقت الذي تطالعنا في إسبانيا صورة قاتمة عن عينات من هذه الجيل - فالأزمة الإقتصادية التي يمر منها البلد، جعلته فريسة للبطالة ، وضحية الفوارق الاجتماعية والطبقية. و يبقى المغاربة عموما على راس قائمة المتضررين ، فعدد ليس بقليل شملتهم هذه البطالة وجعلتهم عرضة لكوارث إنسانية صادمة، إذ فقدوا السكن جراء عدم القدرة على تسديد الكراء، او للمبلغ الشهري لصالح البنك الذي مول إقتناءهم للمنزل، يوم كان الرخاء سائدا في هذه البلاد. عائلات بحالها فقدت الإستقرار والسكينة، ومن مآل هذه الأوضاع، انها إنعكست ومازات بشكل سلبي على أبناء و بنات هذه الفئة المغربية ، بالخصوص من هم في سن المراهقة. عدد منهم تعرض للهدر المدرسي، وآخرون كان حظهم الفشل والإخفاق الدراسي، في مرحلة مرفوقة بتقليص الحكومة الإسبانية للانفاق العمومي بسبب الأزمة الإقتصادية-. فقلت العناية والمساعدات التي كانت توليهما المصالح الإجتماعية لمكافحة الظاهرة، بينما ولنفس الأسباب، أغلقت أبواب جمعيات عديدة كانت تقوم بدور الدعم المدرسي لأبناء وبنات العائلات المهاجرة ومن ضمنهم المغربية. و وسط هذا الزخم من الظروف القاهرة بدأت أصوات تتعالى في وسائط الإعلام التابعة لأحزاب اليمين ، تنذر بمؤشرات توحي بأن الجيل الثاني من المسلمين الإسبان هو عرضة لإستقطاب التيارات الدينية المتطرفة و حقل خصب لتنافس هؤولاء. في نفس السيياق، بدأت فئة أخرى من الجالية المغربية ، تثير تخوفات السلطات الاسبانية. يتعلق الأمر بالمسجونين أو المعتقلين ، بحيث صدر تقرير عن إدارة السجون منذ عام ونصف تقريبا كشف أن عدد المغاربة المسجونين في إسبانيا يبلغ 5870 متصدرين بذلك قائمة المساجين الاجانب القابعين في المؤسسات السجنية بكل أنحاء المملكة الإسبانية - ويكمن خوف السلطات في ان يسقط هؤولاء ضحية التشدد والتطرف الديني، نظرا للفراغ المعنوي الذي يعيشونه . في حين تجدر الإشارة بأن الحكومة الإ سبانية لديها برامج متنوعة لتاهيل المعتقلين في السجون باختلاف جنسياتهم ، لكن ليس لها برامج خاصة بالديانات، حيث أن مشاريع الإندماج والتأهيل، لا تتطرق للشؤون الدينية مما يعرض المغاربة لتهميش أكبر. وقوفنا عند هذ النواقص، يجعلنا نعيد القول أنه أصبح لزاما على مؤسسات الدولة، بل الأفراد المسؤولين على اخد القرارات فيها ، وهم يشرعون في تخطيط مشاريع وبرامج تخص مغاربة العالم ونخص بالذكر إسبانيا التي بلغ عدد المغاربة فيها لحد الآن 797.000 . ان يأخذوا بعين الإعتبار ما يلي: أولا ، و بالدرجة الأولى; التخلى عن ثقافة الإقصاء، أحادية الأفكار، المزاجية و الإنحياز والإرتجالية في العمل. وان تعطى للمهنيين و الخبراء في مجال الهجرة من الجالية، وأبنائها ( وهم كثيرون) ، فرصة المشاركة وإختيار الديناميات والبرامج وفقا للإحتياجات الأولية وحسب التركيبة الديمغرافية والسوسيو- ثقافية والمستوى التعليمي والمهني للفئات المتلقية. ثانيا; وبما أن ما يصرف على البرامج والمشاريع والمبادات هذه، هو من المال العام و ملك لكل المغاربة، فمن المفروض أن يستفيد منهه كل المهاجرين/ات وأبناءهم وبناتهم من الجيل الصاعد بغض النظر عن الإنتمآت الحزبية او حتى العرقية - فقد بدأ يتجلى وبوضوح لافت للنظر، كيف تستحوذ الأحزاب المغربية على التظاهرات التي تلقي في الخارج لخدمة أجندتها السياسية لا غير والأمثلة كثيرة . ثالثا و أخيرا: الوعي بان الإستمرار في التهاون والتجاهل وعدم الجدية في تدبير شؤون الجالية المغربية في إسبانيا، قد يقابل بمزيد من الغضب والإستياء عند أفرادها ، ويضاعف عندهم الإحساس بالإزدراء و بالتباعد، لا لوطنهم الأم المغرب، بل لهذه المؤسسات الوسيطة وللقائمين عليها - لكن إذا لم يتقلص هذا التعامل الإقصائي، وطال ليشمل الجيل الثاني من الشباب الإسباني ذوي الأصول المغربية فالنتيجة حتما ستكون اكثر ضررا - وهي المساهمة في تنشئة جيل عاجز على رسم مستقبل يربطه مع جدوره الثقافية و الدينية- جيل يجهل تاريخ وطنه الأصلي، وعازف عن الترافع او الدفاع عنه، وعن قضاياه المهمة، وذلك فقط ،لان فاقد الشيئ لا يعطيه.