هي ليست المرة الأولى التي نتحدث عن عالم المهاجرين المغاربة في أوربا وما يرتبط بموضوعات الهجرة، سواء الإقتصادية والثقافية و السياسية وحتى الإجتماعية، اختلفت مستويات التعاطي معها على تنوع القراءات والتحاليل، بين ضرورة الاحتكام الى الالتزامات والاتفاقات الدولية والاقليمية المبرمة في مجال الهجرة، والسياقات الجيوسياسية المشحونة بالصراعات والتوزنات داخل فضاء المتوسطي. هنا نلج أحد أهم الموضوعات الاجتماعية والحقوقية التي تحمل واقعا من الصعوبة الحديث عنه داخل منظومة محددة، أو مجال معلوماتي يحتكم الى لغة الأرقام التي تصدر من المؤسسات الرسمية، أو التعامل معها وفق موجات المحيط السوسيوثقافي الذي يغلب عليه أحكام قيمة، دون استدراك البعد الهوياتي الحقيقي للمكون المغربي في مدخل لإرساء المواطنة الاوربية، وهي وضعية السجناء المغاربة في السجون الإسبانية.. فكم من تقرير صادر من إدارة السجون الإسبانية أو الجمعيات العاملة في المجال الهجرة وحقوق الانسان، والتي كلها تؤكد وجود نسب عالية من السجناء المغاربة داخل السجون الاسبانية، وتكشف عن دواخل واقعها. وضعية السجناء المغاربة في السجون الإسبانية كأي جالية تقطن الديار الاوربية، فالمهاجرون المغاربة لهم واقعهم الخاص، وخصوصيتهم، وظروف عيش تتسم بمستويات متنوعة؛ من أجل رسم تعبير أفضل للاندماج والتعايش مع الضفة الأخرى، فمنذ تسعينات القرن الماضي، تحولت إسبانيا إلى وجهة لشعوب بلدان الجنوب، فنسجت علاقات إجتماعية ومؤسساتية بين المغاربة بحكم مؤشرات التنمية بإسبانيا، والتي تتطلب اليد العاملة بشكل كبير، دون تحديد رؤية إستراتيجية تؤطر سياسة سوق الشغل، فتكاثرت موجات الهجرة إلى الضفة الاخرى، وانتقل عدد المهاجرين المغاربة القاطنين بصفة قانونية في إسبانيا إلى حدود سنة 2007، من حوالي 450 ألف مهاجر، إلى ما نياهز 700 ألف مهاجر، موزعين على مختلف المدن الإسبانية، أي بارتفاع يبلغ معدل 40 في المائة. ساهمت موجة الهجرة إلى إسبانيا في بروز مشاكل وإكراهات وسط أبناء الجالية المغربية، منها ما يتعلق بمسألة الاندماج، ومنها ما يرتبط بإشكالية الهوية، وما يتصل بقلة فرص الشغل أمام اليد العاملة المهاجرة.. وأمام التعقيدات الاجتماعية والنمطية بإسبانيا تفاقمت الإكراهات لتجد الأجيال الثلاثة بالتصنيف من المهاجرين المغاربة في إسبانيا أنفسهم أمام ظروف من الاستلاب والتيه، واستحالة التأقلم مع نمط اجتماعي مختلف جذرياً عما هو سائد داخل الوطن الأصل؛ مما يقود المهاجرين القاطنين في إسبانيا نحو النزوع إلى سلوكات وممارسات مخالفة قانونياً، تؤدي بهم إلى الاعتقال بتهم مختلفة.. وانطلاقاً من جرائم صغيرة متعلقة بما هو جنحي، مروراً بالجرائم ذات الطابع الجنائي( القتل العمد، تكوين عصابات، الاغتصاب تحت التهديد بالسلاح، وجدت الجالية المغربية المقيمة بإسبانيا نفسها تحتل الرتبة الأولى في قائمة أبناء الجاليات الأجنبية المعتقلين في السجون الإسبانية على ذمة قضايا الانتهاك القانوني. يشكل المغاربة بإسبانيا أكثر من10% من مجموع السجناء في جميع السجون و28% من مجموع السجناء الأجانب في هذا البلد، منهم من اعتقل على خلفية تهم الإرهاب، والمخدرات، وآخرون في قضايا جنحية بسيطة. في هذا الصدد كشف تقرير صادر عن إدارة السجون الإسبانية أن مجموع السجناء الإسبان في 66 مركزا للاعتقال، بلغ إلى غاية يوم 31 يناير2012 الماضي، 68 ألفا و53، من ضمنهم 28 ألفا و350 من الأجانب، أي ما نسبته 27% من مجموع المعتقلين، علما أن نسبة المهاجرين من الجنسيات الأخرى، لا تتجاوز 9% من سكان إسبانيا.. ويكشف التقرير أن عدد المهاجرين المغاربة المعتقلين في السجون الإسبانية يبلغ 5870، متصدرين بذلك قائمة المساجين الأجانب.. والهواجس التي تتخوف منها السلطات الإسبانية، هو سقوط عدد من المعتقلين المغاربة ضحية التطرف الديني، جراء التهميش الذي يعانون منه، والفراغ في السجون، لا سيما أن إسبانيا ليست لديها برامج تأهيل وإدماج خاصة بالمهاجرين المسلمين. السجناء المغاربة و تهمة الاشتباه بصلتهم مع الإرهاب تؤكد العديد من التقارير أن أغلبية المغاربة الموجودين في السجون، اعتقلوا بتهم جنحية أو جنائية.. فخلال السنوات الأخيرة، لوحظ أنه اعتقال عدد من المغاربة في قضايا إرهابية، إذ وصل عددهم 52، أغلبهم بعد تفجيرات 11 مارس بمدريد، فتم التعامل مع الجالية التي تلبس عباءة الإسلام بنوع من الاستثناء، لدرجة انعكس ذلك داخل المجتمع الإسباني بسلوكات يطبعها الحذر من المسلمين، لاسيما أن التعاطي الرسمي الحكومي اعتمد على العديد من الوسائل، خاصة الإعلام للترويج بصورة خاطئة عن الربط الميكانيكي للمكون الاسلامي بالإرهاب، فتشكلت لدى عموم الاسبان أفكار غير دقيقة ونسبية، هذا ما كشفته التقارير الصادرة من الأجهزة الأمنية المكلفة بمكافحة الإرهاب في إسبانيا، تبدي قلقها بشأن النسبة العالية من المهاجرين الذين يشتبه في أنهم ضالعون في قضايا إرهاب، وارتباطهم بنتظيم القاعدة.. وحسب المعطيات المتواجدة يستند ذلك إلى وجود العديد من حالات الإفراج المؤقت للمشتبه فيهم، بعدما قررت المحكمة العليا ذلك بسبب غياب أدلة مقنعة تبرر وضعهم في السجن، أو بعدما قضوا العقوبة التي صدرت في حقهم. من جهة أخرى، تعتبر الجمعيات المهاجرة ومن ضمنها الحقوقية أنه لا يجب السقوط في وحل التنظيرات الأمنية والاستخباراتية، وتعميم أحكام قيمة على باقي أفراد الجالية الممارسين للمعتقد الديني.. من الممكن أن توجد جماعة تروج لأفكار تطرفية، لكنها ليست مبررا لإصدار تهم مجانية على الجميع، أو أن تلتصق الشبهة بالمتورطين طيلة حياتهم، فتمارس في حقهم إجراءات تعسفية، منها عدم منح بطاقة إقامة، وحرمانهم من حقوق المواطنة، وكذا التهديد باستخدام ورقة العودة الإجبارية إلى بلدانهم، والزج بهم في الاعتقال مجددا، وخاصة في المغرب. الشؤون الاجتماعية للقنصليات المغربية في إسبانيا وعلاقتها بالسجناء المغاربة بكل إدراك، يعي الكثيرين طبيعة العلاقة القائمة بين الجالية بإدارة القنصلية المغربية، وخاصة مصلحة الشؤون الاجتماعية، هي دائما ما تعتمد في منهجية عملها على المبادرات الفوقية والمناسباتية، بدون رصد الوقائع، ليس لأنها عاجزة، بل لأنها تتهرب من حقيقة قاسية، مفادها أن الجانب الاجتماعي للمغاربة في إسبانيا الحلقة الأصعب في ملف المغربي مغربي، والاسباني إسباني ، والمغربي الإسباني، والنسبة العالية لأبناء الجالية المتواجدين داخل المؤسسة السجنية الإسبانية هي أحد عناوينها، فتدرك جيد أن هذا يتطلب نظرة تكاملية وواضحة المعالم لمعالجة الظاهرة، وبرنامجا عمليا اجتماعيا مضبوطا، يلامس عمق المشاكل، بشراكة مع أطراف عديدة من الإسبان والمغاربة، وخلق فضاءات ومراصد عبر وطنية لمتابعة أوضاع السجناء، لتحديد قنوات مباشرة لإرساء منظومة قانونية واجتماعية تحمي السجناء المغاربة، ونشر البعد الأخلاقي كمحدد لتجاوز الأزمات، والانخراط في المجتمع بكل مسؤولية لإرساء المواطنة الحقيقية، وهذا لايتحقق أمام غياب الارادة والجرأة الكبيرة في العمل، ورفض النظرة التشاركية في التدبير المعالجاتي لواقع السجناء مع الفاعلين الجمعويين والخبراء في المجال، إضافة إلى أن منحى الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، يؤشر إلى كوارث إنسانية تدفع بالعديد إلى ممارسة سلوكات مغامرة من أجل ضمان العيش، الأمر الذي يؤكد مدى التهميش الذي يعاني منه المعتقلون المغاربة، ولا يلقون أي اهتمام من قسم الشؤون الاجتماعية، إذ، نادرا، وبشكل محتشم ما تقوم بجولات للاطلاع على أحوالهم، وتقديم بعض المساعدات الاجتماعية، فهناك حالات على سبيل المثال لا الحصر تؤكد أن معتقلين مغاربة لم يتمكنوا من الحديث مع أهلهم لمدة سنوات بالهاتف، والسبب هو افتقارهم للمال. حقوق المهاجرين السجناء في دول الإقامة قبل الكلام عن حقوق السجناء، لا بد من الوقوف على النظام الأوربي لحماية حقوق - العمال - المهاجرين الذي تم اعتماده في رحاب منظمة مجلس أوروبا، والذي يعد من أقدم الأنظمة الإقليمية التي تهدف إلى حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ولم يتم النص على حقوق المهاجرين في منظومة مجلس أوروبا إلا ضمن أحكام الميثاق الاجتماعي الأوروبي، يحدد الجزء الأول من الميثاق الاجتماعي الأوروبي بنقطه التسع عشرة، الحقوق والمبادئ التي تسعى الدول المتعاقدة فيه إلى تحقيقها، والتي هي عبارة عن سياسة مشتركة لهذه الدول في الحقل الاجتماعي، فيهتم الميثاق الاجتماعي الأوروبي بتقرير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وحمايتها، مما جعل منه وثيقة مكملة أو متممة للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، ورغم ذاك يفتقد الميثاق الاجتماعي الأوروبي نظاما خاصا يسمح بتقديم الشكاوى، مما دفع بخبراء مجلس أوروبا إلى تحضير بروتوكول يضاف إلى هذا الميثاق، وخاص بنظام الشكاوى الجماعية.. فعليه اعتمدت لجنة الوزراء، البروتوكول المضاف إلى الميثاق الاجتماعي الأوروبي الذي ينص على نظام الشكاوى الجماعية في 22/5/1995، وفُتح للتوقيع بتاريخ 9/11/1995، وقد دخل هذا البروتوكول حيز التنفيذ اعتبارا من 1/7/1998.. ووضحت ديباجة هذا البروتوكول غاية الدول الموقعة عليه، والمتمثلة في اتخاذ" إجراءات جديدة لتحسين التطبيق الفعلي للحقوق الاجتماعية التي يتضمنها الميثاق"، ولتحقيق ذلك تم اعتماد" إجراءات الشكاوى الجماعية، وبناء على ذات القانون يطرح موضوع الحماية والدفاع عن السجناء المهاجرين بقوة لما يعرفه من تجاوزات كبيرة، فتم اعتماد رزمة من القوانين لضمان حقوق السجناء المهاجرين، استنادا على روح التشريعات الانسانية وكينونة الحقوق؛ بتكييف مع القانون الجنائي والمدني لبلدان الإقامة، وأهم عناصرها: يتمتع العمال المهاجرون، خلال الاحتجاز أو السجن، بنفس حقوق المواطنين إذا حرم عامل مهاجر من حرياته، تبدي السلطات المختصة في الدولة المعنية اهتماماً بالمشاكل التي قد تنشأ لأفراد أسرته، خصوصاً لزوجه وأطفاله القاصرين. لا يعرض العمال المهاجرون وأفراد أسرهم، فرديا أو جماعياً، للقبض عليهم أو احتجازهم تعسفاً، ولا يحرمون من حريتهم إلا لأسباب، ووفقاً لإجراءات يحددها القانون. يكون الهدف من معاملة العامل المهاجر، أو أحد أفراد أسرته، خلال أي فترة يسجن فيها، تنفيداً لحكم صادر عن محكمة قضائية، هو إصلاحه وتأهيله اجتماعياً. إذا احتجز عامل مهاجر، بقصد التحقق من أي مخالفة للأحكام المتعلقة بالهجرة، لا يتحمل أي نفقات تترتب على ذلك. يبلغ العمال المهاجرون، أو أفراد أسرهم، بأسباب إلقاء القبض عليهم، بلغة يفهمونها، كما يبلغون على وجه السرعة بالتهم الموجهة إليهم.