تحّول العالم إلى قرية صغيرة بفضل ما تعرفه الساحة الإعلامية من تطور علمي و تكنولوجي كبير في شتى وسائل الاتصال, خاصة بعد انتشار تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية و شبكة المعلومات الدولية الانترنيت, و هو ما ساعد على تجاوز حواجز الزمان و المكان و بث ثقافات مختلفة عبر القنوات الفضائية بكل ما تحمله من أفكار و قيم و صور جاهزة. و قد تكثّف اهتمام وسائل الإعلام بقضايا المهاجرين و خاصة من أصول مسلمة في أوربا بعد أحدات 11 شتنبر 2001, و كذلك على خلفية قضايا أخرى مثيرة مثل الرسوم الدنماركية المسيئة للرسول, تم تورط أبناء الجاليات المسلمة المختلفة في أوربا في أعمال عنف و إرهاب داخل أوربا, و قد ساهمت وسائل الإعلام في أوربا بصفة عامة في انتشار نوع من الوعي السلبي لدى الأوربيين ضد المهاجرين, فهي التي جعلت منهم مصدرا للجريمة و الإرهاب و سبب كافة المشاكل التي يشكون منها, فلا تخلو جريدة و لا نشرة و لا موعد إخباري تلفزي أو إذاعي من نشر صورة مسيئة للمهاجرين و التشهير بهم, فمنهم من جعلهم سبب فشل نظام الحماية الاجتماعية , و منهم من اعتبرهم وراء انهيار السلم الاجتماعي داخل المجتمع, و رغم التفاوت النسبي في الصور الإعلامية التي روجتها وسائل الإعلام الغربية عن المهاجرين, إلا أن هناك قواسم مشتركة تجمع عليها وسائل الإعلام الغربية تتمثل في شيوع الأحكام المسبقة و الرؤى النمطية السلبية المتحيزة ضد المهاجرين. الصورة السلبية للمهاجرين بأوروبا لها رافد اجتماعي ارتبط أساسا بالانكماش الاقتصادي بأوروبا و اتجاه الساسة اليمينيين للترويج إلى أن العمالة المهاجرة المقيمة في المجتمعات الأوربية قد أصبحت عبأ ثقيلا, مستغلين ذلك في إطار التنافس السياسي على أصوات الناخبين, و كان المثال على ذلك دعوة اليميني الفرنسي جان لوبان, أوائل التسعينات من القرن الماضي, لترحيل ما يقرب من 3 ملايين مهاجر إلى بلادهم في شمال إفريقيا, و كذلك من الأمثلة الدالة على ذلك إلقاء ساسة يمينيين في بلجيكا في الفترة نفسها باللائمة على المهاجرين المغاربة الذين ينجبون إعدادا كبيرة من الأطفال, و الذين يتسببون بذلك في عبئ كبير على الخدمات الاجتماعية حسب زعمهم مما أدى إلى ظهور عجز في الموازنة. من هنا نرى أن سلبية صورة المهاجر لدى وسائل الإعلام الغربية لم تختلف باختلاف المراحل التاريخية, مهما تغيرت الظروف و السياقات فهي نتاج تراكم معرفي خاطئ عن عمد أو حسن نية بدأ منذ الاستشراق في الجامعات الغربية و تفاقم في الوقت الراهن بسبب ما تنتجه بعض معاهد الدراسات الاستراتيجية الغربية من نظريات و أفكار مقلقة, بحيث يتم التركيز من طرف وسائل الإعلام على ظواهر مثل الإرهاب المنسوب إلى الإسلام و الهجرة و ما تطرحها من إشكالية الاندماج و الصدام الثقافي و ذلك عبر إعمال مبدأ انتقائية الأخبار من طرف قنوات التلفزيون, حيث التغييب المتعمد و الممنهج لأخبار معينة و استحضار أخرى و معالجتها خارج سياقها التاريخي و الاجتماعي و السياسي, فالإعلام الغربي يعتبر أحادي التوجه بحيث يقتصر في معالجته لأي مادة إعلامية تهم المهاجرين على رصد مواقع القصور و السلبيات المنسوبة للمهاجرين و توجيه النقد إلى صناع القرار في البلدان الأصلية للمهاجرين لعدم التزامهم بالتصديق على الاتفاقيات الثنائية الخاصة بتنظيم شؤون الهجرة و المهاجرين و بالمقابل أعفت حكوماتها و مجتمعاتها من أية مسؤولية. إسبانيا و صورة المهاجرين المغاربة ظلت صورة المغربي أو المسلم بصفة عامة في الذاكرة الإسبانية مرتبطة بكل ما هو سلبي ودموي، منذ خروج العرب من الأندلس عام 1492،. تاريخ إنهاء الوجود العربي والإسلامي بغرناطة آخر معاقل الحضارة الإسلامية بالأندلس وقد خضعت تلك الصورة لعدة تحولات حسب الظروف السياسية, التاريخية والمناخ الثقافي، لكنها ظلت في عمقها غير إيجابية. و بإلقاء إطلالة تاريخية على بدايات تواجد المهاجرين المغاربة بإسبانيا و كيف تم التعامل مع هذه الظاهرة الجديدة على المجتمع الإسباني من طرف كافة الفاعلين سواء كانوا سياسيين أو وسائل إعلام, نلاحظ أنه مع بداية السبعينيات، وخاصة بعد انتهاء مرحلة الديكتاتورية، برز نوع من التعاطف مع المهاجرين المغاربة وسط وسائل الإعلام المحسوبة على اليسار والأوساط المسيحية. فبعد أن كانت إسبانيا بلدا يصدر الهجرة أصبحت منذ ذلك الوقت البلد الذي يستقبل المهاجرين، وقد أخذ الإسبان يلاحظون في تلك الفترة تزايد أعداد المغاربة المقيمين في إسبانيا. بعد الانتقال الديمقراطي في منتصف السبعينيات بدأت الأوساط التقدمية في إسبانيا تبدي نوعا من التعاطف مع أفواج المهاجرين الأجانب، وقد عبرت مختلف وسائل الإعلام والمؤسسات الرسمية والأحزاب والدوائر الكنسية عن ترحيبها بالمهاجرين، لكن لم يحصل أي نقاش مع الأوساط المحافظة التي كانت متخوفة من هؤلاء المهاجرين، دون أن تستطيع الإعراب عن ذلك بشكل علني. ولأن المغاربة لم يكونوا بأعداد كبيرة في ذلك الوقت فقد ارتفعت بعض الأصوات تنادي بإدماجهم في المجتمع الإسباني، خصوصا أنهم لم يكونوا يطالبون بأي حقوق ثقافية أو مدنية أو دينية مثل تسوية أوضاعهم أو اتخاذ مقابر خاصة بهم أو بناء مساجد لهم. إلا أن الحدث الذي ستركز عليه وسائل الإعلام الإسبانية الأنظار منذ تلك الفترة هو ظاهرة قوارب الموت التي بدأت تنقل المهاجرين غير الشرعيين عبر جبل طارق، ثم حالات الوفاة الأولى في صفوف هؤلاء المهاجرين السريين، وأخذت تظهر رسومات كاريكاتورية وصورا عن المهاجرين الذين يلقون حتفهم غرقا في جبل طارق، الذي أصبح يسمى «معبر الغرقى» و«مقبرة جبل طارق». و قد كرّست العديد من استطلاعات الرأي في إسبانيا واقع الصورة السلبية للمهاجرين بصفة عامة و المغاربة بصفة خاصة, حينما أكدت أن نصف الإسبان يعتبرون الجالية المغربية متشددة دينيا و غير مندمجة في مجتمع الاستقبال, و تعتقد الغالبية أن المهاجرين المغاربة لا يحترمون حقوق المرأة, حيث أن %90 من الإسبان لديهم انطباع سيئ للغاية حول رؤية المغاربة للمرأة و يعتبرون أن المهاجرين المغاربة "ذكوريو النزعة", و تصور وسائل الإعلام الإسبانية و خاصة التي تتبنى إيديولوجية اليمين, المهاجرين المغاربة كمصدر تهديد للإسبان على فرص العمل و على الاستفادة من مرافق الدولة خصوصا في مجال الصحة و التربية. و أصبحت صورة المهاجر المغربي ترمز إلى الثقافة المهمشة، خصوصا في الأعمال الساخرة، كما أصبح المهاجرون المغاربة رمزا لخرق مواضعات المجتمع الإسباني، حيث عاد الحديث مجددا عن ماضي إسبانيا الإسلامي والطابع الإسلامي لبعض المدن الإسبانية، وبات البعض يقول إنه ينبغي منع المهاجرين من المجيء إلى إسبانيا بشكل خاص وأوروبا بشكل عام لأنهم سيهددون التركيبة الثقافية لهذه المجتمعات، ولأنهم غير متوافقين مع ثقافاته, كما اعتادت وسائل الإعلام على ربط المهاجرين المغاربة بقضايا سلبية مثل الجريمة, تجارة المخدرات, الإرهاب و غيرها, مما يزيد من اتساع الهوة و الشرخ بين المهاجرين و بلد الاستقبال, في غياب أي دور للجمعيات المغربية العاملة بإسبانيا و عدم قدرتها على بلورة تصور ناضج يعمل باتجاه تحسين صورة المهاجرين المغاربة الذين و إن كانوا من أكبر الجاليات الأجنبية المقيمة بإسبانيا إلا أنها تفتقر لوسائل إعلام خاصة بها من صحف أو محطات إذاعية أو تلفزية قادرة على التأثير في الرأي العام الإسباني و الدفع في اتجاه إعادة النظر في الخطاب الإعلامي ليكون أكثر واقعية و يبتعد عن الأحكام المسبقة و الصور النمطية الجاهزة. المنظمة العالمية للهجرة و تحسين صورة المهاجرين في ذكرى تأسيسها الستين، تحث المنظمة العالمية للهجرة وسائل الإعلام والعاملين فيها على تحسين الصورة المتداولة عن المهاجرين وظاهرة الهجرة عموما في الوقت نفسه، حرصت المنظمة على تسليط الأضواء على أوجه استغلال مسألة الهجرة من قبل رجال السياسة والإعلاميين كعنصر تخويف مبالغ فيه، كما دعت إلى إشراك المهاجرين في تحديد معالم السياسة المطبقة في هذا المجال. وفي مناسبة انعقاد الدورة المائة لمجلس إدارتها، أصدرت المنظمة التي تتخذ من جنيف مقرا لها تقريرا بعنوان "أوضاع الهجرة في العالم لعام 2011: تحسين طريقة الإعلام فيما يتعلق بالهجرة"، تناول بالتحليل طريقة التعاطي مع ظاهرة الهجرة، خصوصا في البلدان المستقبلة للمهاجرين, وفي هذا السياق، ترى المنظمة العالمية أن الحكم على موضوع الهجرة مرهون بمدى ما يُروّج لدى الرأي العام عن الموضوع سواء من قبل السياسيين أو من طرف وسائل الإعلام. وحسب التقرير فإن ما يُروّج عن الهجرة عبر وسائل الإعلام وفي النقاش السياسي يؤثر في تشكيل الرأي العام، وهو يتميز بأن "تقديرات الهجرة، وبالأخص الهجرة غير الشرعية، مبالغ فيها". وقد توصل المحققون إلى أن التقديرات المتداولة إعلاميا تفوق في بعض الحالات بثلاثة أضعاف (300%) الأرقام الحقيقية. على الضفة الأخرى، يسود الإعتقاد في البلدان المصدرة للهجرة أن الظاهرة تمثل "استنزافا للقوى البشرية والإطارات"، فيما يتم التغاضي عما يجلبه المهاجرون لأوطانهم من موارد مالية هائلة قدرها البنك العالمي في عام 2011 بحوالي 406 مليار دولار أمريكي، حصلت منها الدول النامية على حوالي 350 مليار. ومن خلال الممارسات الحالية في ظل ما يعرف بالأزمة الاقتصادية والمالية في بلدان الشمال خصوصا يستخلص التقرير أن "تسييس النقاش حول الهجرة، وتوظيف موضوع الهجرة للتغطية على مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية، سوف لن يعمل إلا على زيادة تعميق الفجوة, وبحكم أن المجتمعات الغنية ستواجه في الفترة المقبلة التداعيات السلبية للنقص المطرد في النمو الديموغرافي، يرى معدو التقرير بأن هناك حاجة ماسة ستدفع الساسة إلى مواجهة التحدي، وإشراك المهاجرين في تحديد سياسة الهجرة لكي تتحول الهجرة إلى ظاهرة تعيشها كافة مكونات المجتمع بارتياح. بالرغم من عدم الجزم بوجود "علاقة مباشرة" بين ما تروّجه وسائل الإعلام عن الهجرة وما يتشكل لدى الرأي العام من أفكار وتصورات وبين ما تنتهجه الدول من سياسات في هذا المجال، يخلص معدو التقرير إلى أن "وسائل الإعلام التي تم تناولها بالتحليل أظهرت بأنها كانت المصدر الرئيسي في مجال الهجرة والمهاجرين من حيث الإحصائيات والتحاليل والتوجهات". من جهة أخرى، يعتبر معدو التقرير أن "وسائل الإعلام قد تحرف النقاش حول الهجرة بالتركيز على جانب من الجوانب مثل الهجرة غير الشرعية، أو بالتطرق للهجرة من حين لآخر وفي فترات متقطعة، أو بالمبالغة في التقديرات". كما يذهبون إلى أن "الخلل في التغطية قد يكون راجعا أيضا إلى طغيان الجانب الاقتصادي على وسائل الإعلام خصوصا خلال العشرين عاما الأخيرة. من أجل تحسين طريقة معالجة موضوع الهجرة، يُوصي التقرير بضرورة البحث عن "خطاب متطور عن الهجرة يتميز بالإنفتاح والتنوع والشمولية". و في سياق التهيئة لهذا الخطاب، يتطلب الأمر الإجابة عن سؤالين: ما الذي يجب القيام به تجاه فئات المهاجرين المتواجدين في البلد؟ وما الذي يجب القيام به تجاه المهاجرين المستقبليين؟ وفي هذا الصدد، يقترح التقرير أن تتم الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها في إطار نقاش واسع يتعدى الحدود الوطنية ويشمل المنظمة العالمية للهجرة والمنتدى العالمي حول الهجرة والتنمية. ومن التوصيات أيضا، الدعوة إلى "تجنب تسييس ملف الهجرة والقيام بتحليل موضوعي للظاهرة" تُراعى فيه مصالح المجتمع ككل وليس فقط مصالح فئة معينة. وفي سبيل تحسين الصورة التي يتم الترويج لها عن المهاجرين والهجرة من خلال وسائل الإعلام، يقترح التقرير "تعزيز الحوار والاتصال بوسائل الإعلام، وإدراج مسألة التعددية الثقافية في المجتمعات المستقبلة ضمن اهتمامات وسائل الإعلام الكبرى في البلد". ونظرا لأن "أفضل من بإمكانه تقديم صورة إيجابية عن الهجرة هو المهاجر نفسه"، يقترح معدو التقرير "تسهيل وصول المهاجرين الى وسائل الإعلام، وإشراكهم في النقاش الدائر حول سياسات الهجرة في الدول المستقبلة لهم".