سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تنامي ظاهرة «الباتيرات» رفعت منسوب العنصرية تجاه المهاجرين في إسبانيا بعد الانتقال الديمقراطي في السبعينيات بدأت الأوساط التقدمية في إسبانيا تبدي تعاطفا مع المهاجرين
ظلت صورة المغربي أو المسلم في الذاكرة الإسبانية مرتبطة بكل ما هو سلبي ودموي، منذ خروج العرب من الأندلس عام 1492، وقد خضعت تلك الصورة لعدة تحولات حسب الظروف السياسية والمناخ الثقافي، لكنها ظلت في عمقها غير إيجابية. في الحلقات التالية نعرض لأهم الصور التي ظهر فيها المغربي في المتخيل الإسباني من عام 1492، تاريخ إنهاء الوجود العربي والإسلامي بغرناطة آخر معاقل الحضارة الإسلامية بالأندلس، إلى عام 2002، تاريخ اندلاع أزمة جزيرة ليلى. هناك اليوم موضوعان اثنان في العلاقات المغربية الإسبانية يلفتان أنظار الطبقات السياسية ووسائل الإعلام والرأي العام في إسبانيا، هما تنامي عدد المهاجرين الوافدين على البلاد، وتطور الحياة السياسية داخل المغرب، أما في قضية الصحراء فإن الاستفتاء الذي طالبت به الأممالمتحدة عام 1960 لم ينجز بعد، مما يتسبب في إثارة أزمات صغيرة بين الحين والآخر في علاقات البلدين. مع بداية السبعينيات، وخاصة بعد انتهاء مرحلة الديكتاتورية، برز نوع من التعاطف مع المهاجرين المغاربة وسط اليسار والأوساط المسيحية. فبعد أن كانت إسبانيا بلدا يصدر الهجرة أصبحت منذ ذلك الوقت البلد الذي يستقبل المهاجرين، وقد أخذ الإسبان يلاحظون في تلك الفترة تزايد أعداد المغاربة المقيمين في مدينتي سبتة ومليلية، وعكست العديد من الصحف في مدريد وبرشلونة، في بداية السبعينيات من القرن الماضي، هذه الظاهرة. وفي عام 1972 نشرت تقارير تقول إن حوالي 25 ألفا من المغاربة يشتغلون في قطاع البناء في إقليم برشلونة، وفي عام 1973 قدرت الكنيسة في كاطالونيا عدد المغاربة في حوالي 40 ألفا مقيمين في المنطقة، بينما رفعت تقديرات أخرى أعدادهم إلى 50 أو 60 ألفا. بعد الانتقال الديمقراطي في منتصف السبعينيات بدأت الأوساط التقدمية في إسبانيا تبدي نوعا من التعاطف مع أفواج المهاجرين الأجانب، وقد عبرت مختلف وسائل الإعلام والمؤسسات الرسمية والأحزاب والدوائر الكنسية عن ترحيبها بالمهاجرين، لكن لم يحصل أي نقاش مع الأوساط المحافظة التي كانت متخوفة من هؤلاء المهاجرين، دون أن تستطيع الإعراب عن ذلك بشكل علني. ولأن المغاربة لم يكونوا بأعداد كبيرة في ذلك الوقت فقد ارتفعت بعض الأصوات تنادي بإدماجهم في المجتمع الإسباني، خصوصا أنهم لم يكونوا يطالبون بأي حقوق ثقافية أو مدنية أو دينية مثل تسوية أوضاعهم أو اتخاذ مقابر خاصة بهم أو بناء مساجد لهم. وفي عام 1985، أثناء الحكومة الاشتراكية، حفزت المجموعة الأوروبية إسبانيا على وضع تشريع خاص بالمهاجرين، وهكذا ظهر أول قانون تنظيمي لحقوق وحريات الأجانب المقيمين في البلاد، أثار جدلا سياسيا بين اليسار واليمين المحافظ، حيث اعتبره الأول متشددا تجاه المهاجرين، بينما اعتبره الثاني متساهلا معهم. وفي عام 2000 تم تعديل القانون مع الحكومة اليمينية، ليصبح أكثر تشددا من السابق. تركزت الأنظار منذ تلك الفترة على ظاهرة قوارب الموت التي بدأت تنقل المهاجرين غير الشرعيين عبر جبل طارق، ثم حالات الوفاة الأولى في صفوف هؤلاء المهاجرين السريين، وهو الأمر الذي رفع أصوات منتقدي قانون الهجرة الجديد الذي يتضمن قيودا مشددة. وأخذت تظهر رسومات كاريكاتورية وصورا عن المهاجرين الذين يلقون حتفهم غرقا في جبل طارق، الذي أصبح يسمى «معبر الغرقى» و«مقبرة جبل طارق»، وفي يوليوز عام 2001 قدرت جمعية المهاجرين المغاربة في إسبانيا(أتيمي) عدد الأموات من المهاجرين السريين بنحو 3924. أما في المجال الأدبي فقد ظهرت عدة أعمال تتمحور حول ظاهرة الهجرة السرية وقوارب الموت، سواء في الرواية أو القصة أو الشعر. وبرزت أصوات تستنكر الظروف المزرية التي يشتغل فيها هؤلاء المهاجرون، خاصة في الأعمال الصعبة، وظاهرة عدم الاعتراف بهم والخروقات التي يتعرضون لها في الجانب القانوني. وعكست بعض الرسومات الكاريكاتورية في الصحف الظروف المعيشية الصعبة للمهاجرين، مثل الرسومات التي قدمت المهاجر كبائع متجول في الشواطئ الإسبانية، بينما الناس يسألونه «هل جئت إلى الشاطئ لتبيع البُسط أم لتقول إن الحرارة لا تؤثر عليها؟». وقد أصبحت صورة المهاجر المغربي ترمز إلى الثقافة المهمشة، خصوصا في الأعمال الساخرة، كما أصبح المهاجرون المغاربة رمزا لخرق مواضعات المجتمع الإسباني، حيث عاد الحديث مجددا عن ماضي إسبانيا الإسلامي والطابع الإسلامي لبعض المدن الإسبانية، وبات البعض يقول إنه ينبغي منع المهاجرين من المجيء إلى إسبانيا بشكل خاص وأوروبا بشكل عام لأنهم سيهددون التركيبة الثقافية لهذه المجتمعات، ولأنهم غير متوافقين مع ثقافاتها. خلاصة هذا الموضوع أن ظاهرة الهجرة المغربية في إسبانيا أثرت بشكل سلبي نسبيا على صورة المغاربة في المتخيل الإسباني، فقد ظهرت رموز جديدة أصبحت تغزو وسائل الإعلام وتترجم صورة هؤلاء في الذهنية الإسبانية مثل اللحية والحجاب والجلابة المغربية وطريقة اللباس والطقوس الدينية الإسلامية، الأمر الذي يستدعي تصحيح تلك الصور السلبية والكليشيهات للانتقال إلى مجتمع التسامح الذي ينظر إلى الآخر نظرة الاحترام، منطلقا من تقدير خصوصياته ووضعها في مكانها الصحيح.