" أيام عبد الناصر، وأثناء الاجتماعات الهامة، عندما يحتد النقاش كان أحد الموجودين المشهورين بالورع والتقوى يلتفت خلفه فجأة ويقول بصوت مرتفع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. فيسأله عبد الناصر: بتكلم مين..؟ فيرد: أبدا.. ده سيدنا الخضر كان معدي.. ثم يكرر الشيء ذاته بعدها بدقائق زاعما أنه يرد السلام على سيدنا أبو بكر ثم عدد آخر من الصحابة، وفي نهاية الأمر قال له عبد الناصر: ما تبقى تقابلهم في حتة تانية يا حسين.. مش عارفين نشتغل." اتذكر أنني قرأت هذه الواقعة في مقال ما على شبكة الانترنيت، وأنا أطالع تصريح السيد الموظف العمومي الكبير، عبدالإله بنكيران، وهو يصف القيادي في حزب الأصالة والمعاصرة، السيد إلياس العمري بإبليس.... ليس مهما التذكير، أنه في المخيلة الشعبية إبليس أو الشيطان، يعني الشر في كينونته الكبرى، فاعله، والموعز به، والمزين لطريقه، وهو أيضاً وهذا هو المقصود في خطاب السيد بنكيران، المعرقل لكل مشاريع الخير والصلاح، حين تتعثر ويصعب تنفيذها وتستحيل الترجمة على أرض الواقع، فذلك كله من فعل إبليس، الشيطان الرجيم.... ليس المقام هو الدفاع عن إلياس العمري، فهو لا يحتاج إلى ذلك، لأنه أولا إبليس على حد توصيف السيد عبدالإله بنكيران، ولا أحد له الشجاعة، في ظل نظام حكم ثيوقراطي اسلامي أن يدافع عن الشيطان، وهو ثانيا في موقع يستطيع فيه الدفاع عن نفسه ولا تعوزه لا الوسائل ولا الأفكار لذلك... ما يهم هنا، وهو الرابط بين واقعة جمال عبدالناصر وتوصيف عبدالإله بنكيران، هو استعمال الخطاب الديني السلبي في ممارسة تدبير الشأن العام.... على بعد أقل من سنتين من انتهاء ولاية النعيم بالنسبة للسيد بنكيران، ولضرورة المحاسبة شبه الشعبية التي سيقام كرنفالها فيما سيسمى انتخابات، كان من الضروري أن يجد لنفسه ولحزبه مشجبا تعلق عليه نواقص عمله وسلبية حصيلته، ولأنه غارق حتى النخاع في تصوره الديني للدولة والحكم والتدبير، كان يجب أن يبحث عن "ابليس" ليرجمه بجمرات التبرير.... ناسيا أنه مهما أوغل في تبني مرجعيته الدينية، يبقى تدبير الشأن العمومي هو تدبير علماني بامتياز، فالمواطن حين يمرض يلتجئ إلى المستشفى حيث الطبيب والصيدلية حيث الدواء وحين لا يجدهما يغضب ضد بنكيران وضد الدولة برمتها ولا يبحث عن الشيطان ليرجمه، سواء كان اسمه الياس العمري أو فلان وعلان.... حين لا يجد المواطن عملا ليضمن مورد رزقه، ولا مدارس لتعليم أبناءه، ولا يملك القدرة الشرائية التي تمكنه من تلبية احتياجاته، ولا الديمقراطية التي تضمن له حرية التعبير عن أفكاره وتعطيه فرصة تنمية ابداعاته وابتكاراته، حين لا يجد كل هذا، لا يبحث عن إبليس ليرجمه، ولكنه يبحث عن من يدبر شؤون البلد الذي يحيا فيه ليحاسبه وربما ليعاقبه.... هذا الخطاب الديني، مؤشر على نوازع استبدادية خطيرة، تضرب في الصميم كل المجهودات الحثيثة التي انخرط فيها المجتمع من أجل تحديث بنياته ومفاصله، فالواضح أن رجم إبليس سيتم بنوع من القمع، حين يتخد ابليس هذا صفة المواطن، سواء كان إلياس أو شباط أو ادريس لشكر وفيالق من الشياطين الصغر الذين يتبعونهم أو الذين يكن لهم بنكيران العداء... لعله حان الوقت من أجل تجريم استعمال الخطاب الديني في المقاربات السياسية بشكل عام، سواء في الحملات الانتخابية، أو في المهرجانات الخطابية والحوارات الإعلامية، لما في ذلك من خطورة يشكلها هذا الخطاب على مشروع الدولة برمتها.... لا يفوتنا التذكير أن ذات الخطاب مستعمل من طرف نواة الدولة، أي الملكية، ويشكل الأرضية الكبيرة لمشروعيتها، وهو ما يجعل من مطالب تجريم استعماله مستعصية على التفعيل، مما يستلزم ضرورة ايجاد نوع من التوازن بينها(أي مطالب التجريم) وضرورتها في بناء مشروعية الدولة.... في انتظار ذلك، وفي تملك جماعي لهذا الخطاب، نبقى جميعنا أبالسة... إلياس العمري، بنكيران وكاتب هذا المقال وآخرون....