أتذكر في أحد أيام شهر أكتوبر من سنة 2009 عندما كنت رئيسا لجمعية المراسلين الأجانب المعتمدين في إسبانيا، أنني تلقيت العديد من المكالمات الهاتفية من زملاء يعملون في منابر إعلامية دولية التجأوا إلي لطلب معلومات عن "الحزب الإسلامي الجديد في إسبانيا" وعن رئيسه، مصطفى البقاش العمراني، رحمه الله، لأن خبر تأسيس "حزب إسلامي" في بلد أوروبي أثار اهتمامهم بشكل كبير. كان جوابي لهم أن المرحوم البقاش كان مهتما بالشأن الديني وكان يشتغل في عدد من الهيئات الدينية ولم يكن يعرف له اهتمام كبير بالشأن السياسي، لكن مبادرته كانت جديرة بالتقدير كونها خطوة جريئة أتت كرد فعل على واقع غير سليم يعيشه مئات الألاف من المواطنين الجدد الذين يقطنون بصفة قانونية فوق التراب الإسباني ويدفعون ضرائبهم كباقي المواطنين، لكنهم مهمشون على المستوى السياسي وليس لهم حق الترشح والمشاركة في الانتخابات العامة لعدم توفرهم على الجنسية الإسبانية أو لأن بلدانهم الأصلية لم توقع اتفاقيات للتعامل بالمثل تسمح لهم بالمشاركة في الانتخابات البلدية كما هو شأن الجالية العربية الأكثر عددا أي الجالية المغربية. أياما بعد شيوع خبر إنشاء الحزب الجديد والذي يحمل اسم "حزب النهضة والتكتل الإسباني" عقد مؤسسه، مصطفى البقاش العمراني، ندوة صحفية للتعريف بالمولود الجديد. لم يكن اختيار مكان الندوة الصحفية اعتباطيا بل أبى الرجل إلا أن تكون الانطلاقة و"النهضة" من حيث كان السقوط، أي مدينة غرناطة حيث سقط آخر معقل للمسلمين في بلاد الأندلس. ولتبديد المخاوف التي أثارها تأسيس "حزب النهضة والتكتل الإسباني"، شدد المرحوم البقاش على أن حزبه يؤمن بالتعددية والحوار، ويرفض الانغلاق والتعصب، حزب منفتح متسامح يقبل بالأخر رغم الاختلاف في وجهات النظر وفي المرجعية التي يستند إليها، المرجعية الإسلامية التي هي قاعدته وقيادته ومنهجه في الحياة، وهذا في حد ذاته تفرد وتميز، تفرد جلب له تأييد البعض، ونفور البعض الآخر، وفتح له المنافسة، وأعداء و خصوما يرفضون قبوله والاعتراف به كحزب سياسي، ويطالبون بحله رغم احترامه للدستور، وتوفره على الشروط الحزبية المنصوص عليها في القوانين المنظمة للأحزاب. أربع سنوات بعد تأسيس الحزب ما زال الوضع على ما هو عليه... أزيد من مليوني مواطن من أصول عربية ولكن بدون أي حضور يذكر داخل الأحزاب السياسية الإسبانية وفعلهم السياسي يقتصر على بعض السماسرة الذين فقدوا عذريتهم السياسية عندما ضيعوا الفرصة التي أتاحتها لهم بعض الأحزاب القومية الكتلانية فتحولوا إلى عرابين لبعض الأحزاب المغربية. نغتنم الفرصة لدعوة الشباب المهاجر، خاصة من الجيل الثاني، للانخراط بقوة في العمل السياسي و"اقتحام" الأحزاب بكل ألوانها، كل حسب قناعاته السياسية والإيديولوجية، والابتعاد ما أمكن عن تلك المخلوقات السياسية الغريبة التي تدور في فلك بعض القنصليات، حتى نتمكن من نزع الكمامات الانتخابية الموضوعة على أفواهنا.