لا أقصد كتاب مكيافيللي الذي أضحى دستور الطغاة في كل العصور والأزمان، بل أقصد كتاب الأمير هشام ابن عم ملك المغرب محمد السادس. فجأة أزيح الحجاب عن "حياة" القصر المطبوعة في ذهن المغاربة بالكتمان وبخور الإشاعات وسطوة أساطير الأولين والآخرين، وتعرت لتصبح حياة عادية تتشابه وحياة "الشارع" أو "الزنقة" بتعبيرنا الوطني. حياة يحياها أناس عاديون، يتآمرون، يتناكحون، يتناسلون، يدمنون، "يقولبون" الآخرين، يتحاسدون، ويتباغضون . خلاصة القول .. لا يختلفون عن أولاد "الزنقة" الآخرين. "يوميات أمير منبوذ" هو عنوان الكتاب الذي تولت دار "غراسيه" نشره وطرحه في الأسواق في التاسع من أبريل الجاري. يصف الناشر الكتاب بأنه "تراجيديا شيكسبيرية" تجمع كل توابل التراجيديا. فماذا تحمل هذه 'التراجيديا‘ للمتفرج المغربي؟ الأمير هشام هو ابن شقيق الملك الراحل الحسن الثاني. هشام هو أيضا من "الوارثين" لعرش المملكة لو حدث "طارئ ما" في نسل الملك الحالي، أو في نسل شقيقه الأمير رشيد الذي لم يتزوج "رسميا" حتى الآن. لكن لا خوف على المغاربة من جهة النسل، لأن الملك خلف وليا للعهد، وأودعه أيدي آمنة، لإعداده لتولي منصب الملك في حال شغوره. وهذا يعني في ما يعنيه أيضا أن الأمير هشام "المنبوذ"، تبخر حظه في عرش "أسلافه الميامين". هل هذا هو سبب صعود حدة انتقاد هشام لابن أخيه الملك؟ حسب ما نشر حتى الآن من "غسيل" الملكية على صفحات المواقع المغربية، لا يظهر سبب واضح لهذه "الغضبة" الأميرية، وإن كان العنوان الفرعي ليوميات الأمير يعد المغاربة: "غدا، المغرب". فهل يريد الأمير هشام مغربا آخر غير المغرب الراهن؟ وهل يريد نظاما غير النظام الراهن، كالنظام الجمهوري مثلا؟ أي التخلص من "المخزن" نهائيا، كما أوردته بعض المواقع منسوبا للكتاب؟ أم الغرض إجراء عملية "تجميل" للمخزن العتيق؟ قديما تحدث الفقهاء والعلماء عن غريزة "التنازع"، والتنازع قد يكون إما "شخصيا" مبنيا على جبلة الحسد والتحاقد أو "عاما"، كالتنازع الديمقراطي في الأنظمة المفتوحة. ما رشح، حتى الآن، من مذكرات الأمير "المنبوذ" يوحي بأن نشر "الغسيل" الملكي يجمع التنازعيْن معا. ولا يخفى أن الأمير هشام الذي يلقب بالأمير "الأحمر" دأب على انتقاد ملكية أجداده في المغرب، حتى قبل وفاة عمه الحسن الثاني أواخر التسعينات. كانت كتاباته وتصريحاته تصب كلها في اتجاه "إصلاح" الملكية من فوق، تفاديا لجرفها من تحت. وبعد اندلاع حركات "الربيع العربي" في المنطقة، لم يخف الأمير تأييده للحركة الشبابية في المغرب؛ حركة 20 فبراير. المشككون يعتقدون أن الأمير والملك متفاهمان، "يمثلان" على "الرعية". الظرفاء يتغامزون في ما بينهم ولسان حالهم يقول: "العب غيرها"! أما الواهمون فيصرون على أن الأمير ستظهر صورته يوما ما في القمر ليعبر بالرعية إلى بر الأمان. "غدا، المغرب". أي مغرب؟