إصابة عنصر من القوات المساعدة بحروق خطيرة في حريق سوق بني مكادة بطنجة    المغرب يعود إلى الساعة القانونية    المغرب ينجح في توقيف فرنسي من أصل جزائري مبحوث عنه دولياً في قضايا خطيرة    التحولات الهيكلية في المغرب.. تأملات في نماذج التنمية والقضايا الاجتماعية الترابية" محور أشغال الندوة الدولية الثانية    الأسير الإسرائيلي الذي قَبّل رأس مقاتلين من "القسام" من أٌصول مغربية (فيديو)    افتتاح أخنوش رفقة ماكرون للمعرض الدولي للفلاحة بباريس يشعل غضب الجزائر    تذكير للمغاربة: العودة إلى الساعة القانونية    نهضة بركان يحسم لقب البطولة بنسبة كبيرة بعد 10 سنوات من العمل الجاد    فيروس غامض شبيه ب"كورونا" ينتشر في المغرب ويثير مخاوف المواطنين    مقتل شخص وإصابة عناصر شرطة في "عمل إرهابي إسلامي" في فرنسا    الجيش والرجاء يستعدان ل"الكلاسيكو"    تمارة.. حريق بسبب انفجار شاحن هاتف يودي بحياة خمسة أطفال    التعادل يحسم مباراة آسفي والفتح    اختتام رالي "باندا تروفي الصحراء" بعد مغامرة استثنائية في المغرب    منتخب أقل من 17 سنة يهزم زامبيا    انطلاق مبادرة "الحوت بثمن معقول" لتخفيض أسعار السمك في رمضان    توقيف عميد شرطة متلبس بتسلم رشوة بعد ابتزازه لأحد أطراف قضية زجرية    في أول ظهور لها بعد سنة من الغياب.. دنيا بطمة تعانق نجلتيها    الملك محمد السادس يهنئ العاهل السعودي    أخنوش يتباحث بباريس مع الوزير الأول الفرنسي    توقعات أحوال الطقس ليوم الاحد    "مهندسو طنجة" ينظمون ندوة علمية حول قوانين البناء الجديدة وأثرها على المشاريع العقارية    المغرب بين تحد التحالفات المعادية و التوازنات الاستراتيجية في إفريقيا    تجار سوق بني مكادة يواجهون خسائر كبيرة بعد حريق مدمر    السينما المغربية تتألق في مهرجان دبلن السينمائي الدولي 2025    الصويرة تحتضن النسخة الأولى من "يوم إدماج طلبة جنوب الصحراء"    البطلة المغربية نورلين الطيبي تفوز بمباراتها للكايوان بالعاصمة بروكسيل …    مسؤول أمني بلجيكي: المغرب طور خبرة فريدة ومميزة في مكافحة الإرهاب    الرئيس الفرنسي يعرب عن "بالغ سعادته وفخره" باستضافة المغرب كضيف شرف في معرض الفلاحة بباريس    عجز الميزانية قارب 7 ملايير درهم خلال يناير 2025    "البيجيدي" مستاء من قرار الباشا بمنع لقاء تواصلي للحزب بالرشيدية    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    مساءلة رئيس الحكومة أمام البرلمان حول الارتفاع الكبير للأسعار وتدهور الوضع المعيشي    "الصاكات" تقرر وقف بيع منتجات الشركة المغربية للتبغ لمدة 15 يوما    مشروع قرار أمريكي من 65 كلمة فقط في الأمم المتحدة يدعو لإنهاء الحرب في أوكرانيا دون الإشارة لوحدة أراضيها    رئيسة المؤسسة البرازيلية للبحث الزراعي: تعاون المغرب والبرازيل "واعد" لتعزيز الأمن الغذائي    في حضور أخنوش والرئيس الفرنسي.. المغرب ضيف شرف في المعرض الدولي للفلاحة بباريس    رفض استئناف ريال مدريد ضد عقوبة بيلينغهام    بين العربية والأمازيغية: سعيدة شرف تقدم 'الواد الواد' بحلة جديدة    إحباط محاولة تهريب مفرقعات وشهب نارية بميناء طنجة المتوسط    الكوكب المراكشي يبحث عن تعزيز موقعه في الصدارة عبر بوابة خريبكة ورجاء بني ملال يتربص به    متابعة الرابور "حليوة" في حالة سراح    استثمار "بوينغ" يتسع في المغرب    السحب تحبط تعامد أشعة الشمس على وجه رمسيس الثاني    تحقيق في رومانيا بعد اعتداء عنيف على طالب مغربي وصديقته    الصين تطلق أول نموذج كبير للذكاء الاصطناعي مخصص للأمراض النادرة    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    دراسة: هذه أفضل 4 أطعمة لأمعائك ودماغك    رفع الستار عن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان روح الثقافات بالصويرة    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    حوار مع "شات جيبيتي".. هل الأندلس الحقيقية موجودة في أمريكا؟    "ميزانية المواطن".. مبادرة تروم تقريب وتبسيط مالية جهة طنجة للساكنة    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحميل كتاب "الأمير" لماكيافيلي
نشر في تليكسبريس يوم 28 - 11 - 2012

نيكولا دي برناردو دي ماكيافيلّي بالإيطالية: Niccolò di Bernardo dei Machiavelli ، ولد في فلورنسا 3 مايو 1469، وتوفي في فلورنسا في 21 يونيو 1527، كان مفكرا وفيلسوفا سياسيا إيطالياإبان عصر النهضة. أصبح مكيافيلي الشخصية الرئيسية والمؤسس للتنظير السياسي الواقعي، والذي أصبحت فيما بعد عصب دراسات العلم السياسي. أشهر كتبه على الإطلاق، كتاب الأمير، والذي كان عملاً هدف مكيافيلي منه أن يكتب تعليمات لحكام، نُشرَ الكتاب بعد موته، وأيد فيه فكرة أن ماهو مفيد فهو ضروري، والتي كان عبارة عن صورة مبكرة للنفعية والواقعية السياسية. ولقد فُصلت نظريات مكيافيلي في القرن العشرين.

حياته
ولد مكيافيلي في فلورنسا لمحامٍ هو برناردو دي نيكولا مكيافيلي وبارتولومي دي استفانو نيلي، والذين كانا منحدرين من أسرة توسكانية عريقة. وكان والده من النبلاء ولم يتلقى ميكافيللى تعليماً واسعاً لكنه أظهر ذكاء حاد. اتبع ميكافيللى في بداية الامر المصلح سافونا رولا الذي كان يخاطب داعيا الشباب الإيطالى للتمسك بالفضيلة لكنه لم يلبث ان ابتعد عن سافولا

من عام 1494م إلى 1512م، تقلد مكيافيلي الشاب منصباً إدارياً في الحكومة، زار خلالها البلاط الملكي في فرنسا، وألمانيا، وعدة مقاطعات إيطالية في بعثات دبلوماسية. بعدها بقليل حُبسَ مكيافيلي في فلورنسا عام 1512، نُفي بعدها لسان كاساينو، وتوفي في فلورنسا عام 1527م ودفن في سانتا كراوس.

ويمكن تقسيم فترة حياته إلى ثلاثة أجزاء كلها تمثل حقبة مهمة من تاريخ فلورنسا، حيث عاصر في شبابه وطور نموه ازدهار فلورنسا وعظمتها كقوة إيطالية تحت حكم لورينزو دي ميديشي، وسقوط عائلة ميديشي في عام 1494، حيث دخل مكيافيلي في الخدمة العامة، حيث تحررت فلورنسا خلالها وأصبحت تحت حكم جمهورية، والتي استمرت لعام 1512م، حيث استرجعت آل ميديشي مقاليد السلطة ولكنها حينما عادت للحكم اتهم ميكافيللى بالتآمر ضدها وسجن لكن الباباليو العاشر افرج عنه فاختار حياة العزلة في الريف حيث الف العديد من الكتب أهمها كتاب (الامير) وحكمت آل ميديشي حتى عام 1527م، حيث تم إجلاءهم عن المدينة في 22 يونيو مرة أخرى، وحينها كانت الفترة التي تمخضت عن نشاطات مكيافيلي ومؤلفاته، ولكنه توفي، عن عمرٍ يناهز الثامنة والخمسين تقريبا قبل أن يسترجع منصبه في السلطة.

ويذهب الكثير من المفكرين السياسيين بان لميكيافيلي دور هام في تطور الفكر السياسي، حيث انه اسس منهجا جديدا في السياسة، بافكار تبشر بمحاولات لتجاوز الفكر الديني. نقطة التحول هذه لتجاوز السلطة الدينية التي كانت سائدة في الفكر السياسي الأوروبي في الفرون الوسطى اعقبت بتحولات أخرى أكثر جدية من طرف فولتير ومنتسكيو وجون لوك وجان جاك روسوِ وغيرهم من المفكرين التنوريين الليبراليين. وهكذا كان ميكافيلي نقطة تحول هامة في تاريخ الفكر السياسي...

ظروف نشأته
لم يكن نيكولا مكيافيللي مجرد كاتب أو فيلسوف أو صاحب نظرية، بل إنه كان مشتركًا بقوة في الحياة السياسية المضطربة وغير المستقرة التي مرت بها مدينة "فلورنسا" في الفترة التي عاش فيها. ولد نيكولا مكيافيللي عام 1469 م في أسرة عريقة، وكان "المديشيون" قد أقاموا حكمًا استبداديًا، لكنه حافظ على الأنظمة الجمهورية القديمة، في حين سطروا بشدة على زمام الحكم الحقيقي. ولم تكن أسرة مكيافيللي موالية لأسرة "ميديشي" وكان والد نيقولا مكيافيللي محاميًا مشهورًا، وهو من كبار الداعين إلى الجمهورية أما عن حياة مكيافيللي كشاب، فإن المتوفر عنها من معلومات قليل جدًا. على أنه من المفترض أنه قد تثقف ثقافة أبناء الطبقة المتوسطة المعتادة في عصره فقرأ في تاريخ الرومان والترجمات اللاتينية لمختلف أمهات الكتب الإغريقية القديمة. شب مكيافيللي في عهد أمير مديشي أطلق عليه أهل "فلورنسا" اسم "لورنزو العظيم". وقد اعتبر عهده عصرًا ذهبيًا للنهضة الإيطالية. كان "لورنزو" أديبًا وشاعرًا مفطورًا، فاهتم بالأدباء والفنانين وأهل العلم. لكنه مات عام 1492 م، واضطر خلفه "بييرو" إلى الخروج إلى المنفى بعد عامين بعدما تعرضت المدينة لغزو جديد على يدي "شارل الثامن" ملك فرنسا. وقد ظهر راهب دومنيكاني اسمه "سافونارولا"، وتمكن من إصلاح الجمهورية، ونجح في إقامة حكومة دينية ما لبثت أن انهارت، وأعدم الراهب وُأحرقت جثته في عام 1498 م. وبعد بضعة أشهر انتخب مكيافيللي سكرتيرًا للمستشارية الثانية لجمهورية "فلورنسا" وهي تشرف على الشئون الخارجية والعسكرية. وقد استمر "مكيافيللي في الحكم ثلاثة عشر عامًا. ثم حدث ما لم يكن متوقعًا. حيث جاء الجيش الفرنسي مرة أخرى إلى "فلورنسا"، فاضطر أهلها إلى استدعاء أسرة مديشي، وبالتالي خرج "مكيافيللي" منفيًا من مدينته.

شبابه ونشأته
مع أن القليل دون عن فترة شباب مكيافيلي، إلا أن فلورنسا تلك الحقبة معروفة بشكل يسهل التنبأ معه بحياة أحد مواطنيها.
لقد وُصفت فلورنسا على أنها مدينة ذات نمطي حياة مختلفين، واحدٌ مُسير من قبل المتشدد الراهب سافونارولا، والآخر من قبل لورينزو دي ميديشي. لابد وأن يكون تأثير سافونارولا على مكيافيلي الشاب دون أي تأثيرٍ يُذكر، إلا أنه مع تحكم سافونارولا بأموال فلورنسا، فقد أوجد لمكيافيلي مادة في كتابه الأمير عن النهاية المأسوية للنبي الغير مسلح. أما عن روعة حكم الميديشيين إبان عهد لورنزو العظيم فقد كان ذا أثرٍ ملموس على الشاب، حيث أشار عدة مرات إليهم، ويجدر الإشارة إلى أن كتابه الأمير قد أُهدي إلى حفيد لورينزو (وهذه من الطرائف عند الحديث عن هذا الشاب حيث كان والده وجده من المعارضين لحكم الميديشيين).

ويعطينا كتابه، تاريخ فلورنسا، صورة عن الشباب الذين قضى معهم فترة شبابه، حيث يقول: "لقد كانوا أحراراً أكثر من آبائهم في ملبسهم وحياتهم، وصرفوا الكثير على مظاهر البذخ، مبذرين بذلك أموالهم ووقتهم طمعاً بالكمال، واللعب، والنساء. لقد كان هدفهم الرئيس هو أن يبدو الشخص فيهم بمظهرٍ حسن وأن يتحدث بلباقة وذكاء، وقد أُعتبر من يجرح الناس بذكاء أحكمهم كما ذكر".

وفي رسالة لابنه غويدو، يظهر مكيافيلي ضرورة أن تُستغل فترة الشباب بالانكباب على الدراسة، وهذا مايقودونا إلى الاعتقاد بأنه قد انشغل كثيراً إبان شبابه. ويقول مكيافيلي: "لقد تلقيتُ رسالتك، والتي منحتني شعوراً عظيماً بالسعادة، خصوصاً وأنك استعدت عافيتك، ولن يكون هناك خبرٌ أجمل من هذا، فقد وهبك الرب ووهبني الحياة، وآمل أن أصنع منك رجلاً كفؤً إذا ماكنت مستعداً لتقوم دورك". ومن ثم يُكمل: "سوف يكون هذا جيداً لك، ولكنه واجبٌ عليك أن تدرس، حيث لن يكون لك العذر في أن تتباطأ بحجة المرض، واستغل ألمك لدراسة الرسائل والموسيقى، حيث سيبدو لك الشرف الذي يكون لي بامتيازي بمثل هذه المهارة. إذن، بُني، إذا ما أردت إسعادي، وأن تجلب لنفسك الشرف والنجاح، قم بالمطلوب وادرس، لأن الجميع سيساعدونك إذا ماساعدت نفسك".

جانب من حياته بالمنفى
اعتمد "مكيافيللي" أثناء حياته في منفاه الريفي على دخل بسيط من ممتلكاته التي توجد في بعض الضواحي. وكان يستيقظ مبكرًا ويخرج إلى الغابة يتحدث للحطابين ويتبادل معهم الأقاويل والشائعات ثم يذهب إلى أحد التلال وحيدًا، وهناك يقرأ "لدنتي أو شيراك أو تبيولوس أو أفيد". وبعد أن يتناول غداءً خفيفًا، يمضي إلى الحانة فيتحدث مع الطحان والقصاب وبعض البناءين، ويقضي معهم طيلة فترة الظهيرة يلعبون الورق والنرد ويتشاجرون على دراهم معدودة. وعندما يأتي المساء يعود للمترل ويغير ثيابه الريفية التي عادة ما تكون قد أصابتها الأوساخ والقاذورات أثناء جولته. ويرتدي ملابس البلاط والتشريفات لكي يكون في صحبة من أحبهم ويدخل إلى مكتبته الخاصة. كان يعتبر ذلك هو حياته الفعلية وكان خلال ذلك الوقت يدون ملاحظات في كتاب صغير أسماه "الأمير".

المجتمع عند ماكيافيلي
المجتمع عند ماكيافيلي يتطور بأسباب طبيعية، فالقوى المحركة للتاريخ هي "المصلحة المادية" و"السلطة". وقد لاحظ صراع المصالح بين جماهير الشعب والطبقات الحاكمة، وطالب ماكيافيلي بخلق دولة وطنية حرة من الصراعات الإقطاعية القاتلة، وقادرة على قمع الاضطرابات الشعبية. وكان يعتبر من المسموح به استخدام كل الوسائل في الصراع السياسي، فمكيافيلي القائل "الغاية تبرر الوسيلة" برر القسوة والوحشية في صراع الحكام على السلطة. وكانت أهمية ماكيافيلي التاريخية أنه كان واحدا من أوائل من رؤوا الدولة بعين إنسانية واستنبطوا قوانينها من العقل والخبرة وليس من اللاهوت.

ولقد ألف مكيافيلي العديد من "المطارحات" حول الحياة السياسية في الجمهورية الرومانية، فلورنسا، وعدة ولايات، والتي من خلالها برع في شرح وجهات نظر أخرى. على كُلٍ فصفة "مكيافيلي" والتي ينظر إليها الباحثون على أنها تصف بشكل خاطئ مكيافيلي وأفكاره، أصبحت تصف التصرف الأناني والذي تهدف له الجماعات الربحية. مع ليوناردو دا فينشي، أصبح نيكولا مكيافيلي الشخصية المثالية لرجل عصر النهضة، ومن اللائق أن يقال أن مكيافيلي يستحوذ على صفات "الذكاء المكيافيلي"، عوضاً عن وصفه بالمكيافيلية.

كتاب الأمير ووفاة مكيافيلي
عند عودة آل ميديشي أمل مكيافيلي عودته لمنصبه في الخدمة العامة تحت سلطة الأسياد الجدد لفلورنسا، أُقصي في الثاني عشر من نوفمبر لعام 1512، واتُهم لاحقاً بالتورط في مؤامرة ضد المديتشيين وسُجن، وتم استجوابه تحت التعذيب. وقام البابا الميديشي الجديد، ليو العاشر، بالعفو عنه وإطلاق سراحه. وذهب مكيافيلي لسان كازينو ليقضي فترة تقاعده، بالقرب من فلورنسا، حيث قضى وقته بالكتابة. وفي رسالة لفرانسيسكو فيتوري، مؤرخة بثالث عشر من سبتمبر من عام 1513، يذكر مكيافيلي وصفٍ مثيراً للحياة التي قضاها في تلك الفترة، والتي بين فيها الدوافع لكتابة الأمير. فبعد أن وصف حياته اليومية مع عائلته والجيران، يكتب مكيافيلي:

«عندما يحل المساء أعود إلى البيت، وأدخل إلى المكتبة، بعد أن أنزع عني ملابسي الريفية التي غطتها الوحول والأوساخ، ثم أرتدي ملابس البلاط والتشريعات، وأبدو في صورة أنيقة، أدخل إلى المكتبة لأكون في صحبة هؤلاء الرجال الذين يملأون كتبها، فيقابلونني بالترحاب وأتغذى بذلك الطعام الذي هو لي وحدي، حيث لاأتردد بمخاطبتهم وتوجيه الأسئلة لهم عن دوافع أعمالهم، فيتلطفون علي بالإجابة، ولأربع ساعات لاأشعر بالقلق، وأنسى همومي، فالعوز لايخيفني والموت لايرهبني، لقد تملكني الإعجاب بأولئك العظام، ولأن دانتي قال: «يُحفظ العلم الذي يأتي بالتعلم». ولقد دونتُ ملحوظاتٍ من محاوراتهم، وألفت كتاباً عن الإمارات، حيث أنكبُ جاهدا في التأمل والتفكر بما يتعلق بهذا الموضوع، مناقشة ماهية الإمارات، وأنواعها، وكيفية امتلاكها، ولماذا تٌفقد، وعليه فهذا على الأرجح سيعجبك، إلا أنه لأميرٍ جديد سيكون محل ترحابه، ولذا فقد أهديتُ الكتاب لجلالته جوليانو. وقام فيليبو كازافتشيو بإرساله، وسيخبرك عن محتواها وعن حواري معه، ومع ذلك فما زالت تحت التنقيح.»
ولقد تعرض الكتيب للعديد من التغيرات قبل أن يستقر على الشكل الذي هو عليه الآن. ولسببٍ ما تم إهداء الكتاب للورينزو الثاني دي ميديشي، مع أن مكيافيلي ناقش كازافتشيو إذا ما كان من الأفضل إرساله أو عرضه شخصياً، إلا أنه لم يثبت أن لورنزو قد استلم الكتاب أو حتى قرأه، وبطبيعة الحال لم يقم بتوظيف مكيافيلي. ولم يقم مكيافيلي بنشر الكتاب بنفسه، وقد اختلف فيما إذا كان النص الأصلي للكتاب لم يتعرض للتحريف، إلا أنه قطعاً تعرض للسرقة الأدبية.

وختم مكيافيلي رسالته إلى فتوري قائلاً:
«وبالنسبة لهذا الكتاب الصغير، عندما يُقرأ، فسيترائ لقارئه أني لم أنم أو أتكاسل في دراسة فن السياسة وإدارة الدولة طوال الخمسة عشر عاماً التي قضيتها متنقلاً بين الملوك، وعليه الرغبة في أن ينهل من خبرة هؤلاء.»
وقبل أن يُنهي مكيافيلي كتاب الأمير بدأ مطارحاته بالكتابة عن العقد الأول لتايتوس ليفيوس، والذي يجب أن يُقرأ تزامناً مع الأمير. هذه الأعمال وأخرى أصغر أبقته منشغلاً حتى 1518، حتى وُكل بمهمة المراقبة على أعمال بعض التجار في في جينوا. وفي عام 1519 منح حكام فلورنسا المديتشيون صلاحيات سياسية للمواطنين، وأصبح مكيافيلي وآخرون مستشارين حسبما ينص الدستور الجديد حالما يتم إرجاع المجلس العظيم.

وأصبح عام 1520م مُذهلاً لكي يعاود مكيافيلي الانخراط في مجتمع فلورنسا الأدبي، كما كان هذا العام هو بداية إنتاج كتاب فن الحرب. طلب الكاردينال دي ميديشي من مكيافيلي تأليف كتاب تاريخ فلورنسا، وهي مهمةٌ أشغلت مكيافيلي حتى عام 1525م.

وعندما انتهى من كتاب تاريخ فلورنسا، ذهب به لروما ليعرضه على البابا جوليو دي ميديشي، المعروف بالبابا كليمنت السابع، ولقد أهدى هذا الكتاب إلى رأس أسرة ميديشي. ومن ذلك العام قامت معركة بافيا ودمرت أملاك فرنسا في إيطاليا تاركةً فرانسيس الأول أسيراً تحت رحمة تشارلز الخامس وطُرد المديتشيون من فلورنسا مجدداً.

وكان مكيافيلي حينئذ غائباً عن فلورنسا، ولكنه أسرع في العودة لكي يؤمن مركزه كمستشار. ولكنه مرض فور وصوله حيث تُوفي في الثاني والعشرين من يونيو من عام 1527م.

ردود الفعل تجاه الأمير ومكيافيلي
لم يتم نشر الأمير إلا بعد وفاة مكيافيلي بخمس سنين، ولذا لم يفهمه البعض وهاجموه حتى أصبح اسمه ملازماً للشر دائماً حتى في الفنون الشعبية. وأول من هاجم مكيافيلي هو الكاردينال بولس مما أدى لتحريم الإطلاع على كتاب الأمير ونشر أفكاره، وكذلك أنتقد غانتيه في مؤلفٍ ضخم أفكار مكيافيلي، ووضعت روما كتابه عام 1559 ضمن الكتب الممنوعة وأحرقت كل نسخة منه.

ولكن وعندما بزغ نور عصر النهضة في أرجاء أوروبا ظهر هناك من يدافع عن مكيافيلي ويترجم كتبه. ولم يصل مكيافيلي وفكره لما وصل إليه الآن إلا في القرن الثامن عشر عندما مدحه جان جاك روسو، وفيخته، وشهد له هيغل بالعبقرية. ويُعتبر مكيافيلي أحد الأركان التي قام عليها عصر التنوير في أوروبا.

ولقد أختار موسوليني كتاب الأمير موضوعاً لأطروحته التي قدمها للدكتوراه، وكان هتلر يقرأ هذا الكتاب قبل أن ينام كل ليلة. وناهيك عن من سبقهم من الملوك والأباطرة كفريدريك وبسمارك وكريستينا وكل من ينشد.

مقولات لمكيافيلي

حبي لنفسي دون حبي لبلادي.
من الأفضل أن يخشاك الناس على أن يحبوك.
الغاية تُبرر الوسيلة.
أثبتت الأيام أن الأنبياء المسلحين أحتلوا وأنتصروا، بينما فشل الأنبياء غير المسلحين عن ذلك.
ان الدين ضروري للحكومة لا لخدمة الفضيلة ولكن لتمكين الحكومة من السيطرة على الناس.
من واجب الأمير أحياناً ان يساند ديناً ما ولو كان يعتقد بفساده.
ليس أفيد للمرء من ظهوره بمظهر الفضيلة.
لايجدي ان يكون المرء شريفاً دائماُ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.