٭ إلى خديجة قبلي.. يطرح كتاب الأمير للمفكر السياسي الإيطالي نيكولا ماكيافيلي ( 1469- 1527) مشاكل فن ممارسة السياسة في ايطاليا خلال العقود الأولى من القرن السادس عشر، ولكن سرعان ما تحول إلى مؤلف معتمد لدى رجال الدولة خارج ايطاليا، وتمتع طيلة القرون اللاحقة على صدوره بثقل في تاريخ الفكر السياسي. وإن استنتاجات المؤلف و خلاصات هذا الكتاب مافتئت تثير قراءات متجددة باستمرار خلال ما يقرب من أربعة قرون وثمانية عقود تفصل بيننا وبين زمان الكاتب. وقد لاحظ المفكر الفرنسي الراحل ريمون آرون وهو يقدم لإحدى الترجمات الفرنسية لكتاب الأمير 1 أن هذا الكتاب يتمتع بين مجموعة من النصوص الخالدة بمكانة متميزة، او «مكانة فريدة» حسب كاتب التقديم 2 لأنه كتاب ما يزال يحتفظ بالكثير من الصيغ السياسية المجردة التي تفيد في التفكير في السياسة، و في شروط ممارستها . I- ظروف تأليف كتاب الأمير هذا الكتاب الذي تمت صياغته في صيف 1513، ترك عنه مؤلفه ماكيافيلي شهادة حول ظروف تأليفه مضمنة في الرسالة التي بعث بها إلى فرانسيسكو فيتوري، مؤرخة ب 13 دجنبر 1513. يشير في هذه الرسالة إلى محنة السجن بعد استيلاء عائلة الميدتشي على السلطة في مدينة فلورنسا، وحياته بالبادية، ثم تحدث عن كيفية تأليف الكتاب فقال:» في المساء أعود إلى البيت ادخل تصور الأمراء القدامى، يستقبلونني بمودة، لا اخجل من محاورتهم، ومساءلتهم عن دوافع حركاتهم، وهم يجيبونني بحفاوة، وخلال أربع ساعات.. انتقل إليهم بكاملي. وكما قال دانتي لا علم بدون حفظ ما تم فهمه، قمت بتسجيل ما وجدته في مناقشتهم، والفت كتابا بعنوان الإمارة» 3. ويعتبر ماكيافيلي أن الكتاب هو أيضا ثمرة تجربة خمسة عشر سنة من العمل في أسلاك الدولة، إذ كان يأمل في البرهنة أنه قضى هذه الفترة الزمنية في تعلم أسلوب إدارة الدولة من خلال الممارسة اليومية، يقول في نفس الرسالة:» فيما يخص هذا المخطوط ( الأمير)، إذا ما اجهدوا ( الميدتشي) أنفسهم بقراءته، سيرون أن الخمسة عشر سنة التي قضيت في تعلم حكم دولة لم استعملها للراحة او اللهو، وأسيادنا مطالبون باتساع صدرهم للاستفادة من خدمات رجل قدم حصاد تجربته بدون أن يكلفهم فلسا أحمر» 4. لقد كان أمل المؤلف أن ينشر كتابه ويقرأ من طرف أسرة الميدتشي الحاكمة على فلورنسا، فأوقف مشروع تحرير كتابه خطب حول العشرية الأولى لتيت ليف 5 ، ومن خلال ذلك كان يطمح إلى توجيه السياسة بشكل غير مباشر، وذلك عبر إسداء النصائح إلى حاكم فلورنسا6 بعد أن اقتنع بأن دوره السياسي قد انتهى7 . أبدى ماكيافيلي، كما سلف، حرارة في نشر مؤلفه بسبب حاجته العاجلة خلال التأليف إلى الحظوة لدى أسرة الميدتشي، في ظرف استفحلت أوضاع المؤلف. و قد كان الخروج من الأزمة التي وقد عبر عن ذلك في رسالته إلى فرانسيسكو فيتوري المذكورة فيقول: « إن عدم نشره ( الأمير) يخيفني من أن جوليانو لن يقرأه، وأن أردينغيلو كاتب البابا لن يتشرف بآخر ما انتجته ريشتي. إن الرغبة التي تتعقبني تدفعني إلى نشره، لأنني استنفذت كل شيء، ولا أستطيع البقاء على هذا الحال طويلا من دون أن أصبح بسبب الفقر موضوعا للاحتقار. زيادة على هذا، ارغب بحرارة أن يوظفني أسياد الميدتشي في أي عمل ولو اضطروا في البداية أن يجعلوني أدحرج صخرة، لأنني بعد ذلك إذا لم انجح في التقرب منهم، فلن يكون الخاسر في ذلك إلا أنا «8. وفي نفس الرسالة يكتب مقدما ملخصا لمحاور الكتاب داعيا إلى تفهم مؤلفه:»لقد عمقت فيه قدر الامكان مختلف أوجه هذه المادة، فاحصا ماهية الإمارة، وعدد أصنافها الموجودة، وكيف يتم الحصول عليها والاحتفاظ بها وضياعها، وإذا لم يسبق لكم تذوق محاولاتي، فإن هذه المحاولة لن تؤدي إلى نفوركم، وإن أميرا ولا سيما أمير حديث العهد بإمارته ينبغي له أن يتقبلها، لذلك أنا اهديها لجوليانو العظيم « 9 هذا الكتاب الذي نال به ماكيافيلي شهرة واسعة هو أصغر كتبه حجما، وحسب المؤلف نفسه فهو مجرد كراس 10، تم تأليفه بسرعة خلال صيف 1513 للأهداف التي أفصح عنها في رسالته المؤرخة ب 10 دجنبر 1513 المشار إليها أعلاه 11 ، يرى جورج مونان في كتاب، خصصه لسيرة ماكيافيلي وإنتاجه، أن المفكر الفلورنسي قطع مشروع كتابة خطب حول عشرية تيت ليف الأولى ليؤلف بسرعة « مقالة الأمير» 12 ويذهب المؤرخ الفرنسي هنري لابير بأن الكتاب في طباعة سريعة لم يتجاوز مائة صفحة « تم تحريره خلال أسابيع بنية نيل عطف أسرة الميدتشي الذين اصبحوا سادة فلورنسا» 13 ويضيف لابير :» يمكن إذن خفض كتاب الأمير، المليء بالصيغ المدهشة، إلى كتاب ظرفي «14. 2 - محتوى كتاب الأمير: قسم ماكيافيلي كتاب الأمير إلى ستة وعشرين فصلا، خصص منها فصولا لأصناف الإمارات، وهي الإمارات الوراثية، والإمارات المختلطة، والإماراتالجديدة، و الاميريات المدنية و الاميريات الكنيسية، وكيفية حكم الإمارات والاحتفاظ بها او ضياعها وسلوك الأمراء في علاقتهم بالرعايا، وتدبيرهم لشؤون الدولة، والحياة العسكرية للإمارات، والثروة وأحوال ايطاليا، وختمه بفصل حول ايطاليا متسائلا في بدايته» إذا ما كانت ظروف ايطاليا الراهنة ملائمة لإقامة أمير جديد» 15(XXVI) لتتجاوز حالة التجزئة التي تجعلها فريسة للقوى المجاورة سواء كانت فرنسا او أسبانيا أو سويسرا. يرى ماكيافيلي أن الإمارات المتوارثة أسهل انقيادا من الإماراتالجديدة، فالأولى تكون عادة قد الفت حكم أسرة، أما الثانية فهي تكون بدورها قد الفت الخضوع لسيد آخر، أو الفت الحرية، وكل تغيير يولد الانتظار لتغيير الأمير القائم بأمير آخر:» الدول الوراثية، يقول ماكيافيلي، المتعودة على أسرة أميرها يسهل الاحتفاظ بها اكثر من الدول الجديدة» (اا )، والشعب الذي ألف تغيير الأسياد، يتطلع دائما إلى سيد أحسن، فيلجأ إلى حمل السلاح ضد السيد القائم عليه. يحصل هذا في الأقاليم الجديدة المضمومة إلى إمارة مختلطة، ويحصل على صعيد الإمارة الجديدة « والفوضى الحاصلة، يكتب ماكيافيلي، تأتي بالدرجة الأولى من عقلية مشتركة بين كل الإماراتالجديدة»، ولا يكفي الجيش وحده في إحكام القبضة على الوضع، بل لابد من رضى السكان للدخول إلى ذلك الإقليم أو تلك البلاد ( ااا)، ولا يمكن للأمير أن يأتي على فعل سلبي ضد السكان دون أن يترك ذلك أثرا. فرغم القيام بعمل خير إزاء الناس بعد ذلك فإنهم لا ينسون جروح الماضي (VII) والأمير الذي يستولي على إقليم من الأقاليم ملزم بأن يأخذ بعين الاعتبار اللجوء إلى العنف (VIII) لان عنصر القوة ضروري في تدبير الدولة التي تقوم على شيئين أساسيين هما الجيوش المنظمة والمدربة والتشريع الجيد (XII)، والجمهورية التي يدافع عنها مواطنوها يصعب على الطغيان أن يقتحمها بدون اللجوء إلى القوى الأجنبية ( XII)، والأمير الذي ينبغي له أن يحافظ على عرشه عليه أن يعرف كيف يكون شرسا أحيانا، وعليه أن يتعلم إذا ما كان ضروريا أم لا اللجوء إلى الصلابة والتشدد(XV)، فالقوة عامل أساسي، وقد قدم ماكيافيلي أمثلة من تاريخ الأنبياء وخلص إلى أن النبي المسلح كان دائما في صف المنتصرين والنبي غير المسلح كان مصيره الاندحار(VI). ففي الفصل الخامس عشر، الذي يعتبره جرارميري، الفصل الأساسي في كتاب الأمير 16 يعرض ماكيافيلي لمنهجيته فيكتب:» ما دمت أرغب في خدمة الذين سيستمعون إلي، بدا لي من الأساسي الارتباط بالحقيقة الفعلية للأشياء، أكثر من الفكرة التي نكونها عنها. فالكثير تصوروا بالفعل جمهوريات و إمارات لم يشهدها أحد و لا عرفها أحد. لكن هناك فرق كبير بين الكيفية التي تتم بها الحياة، و الكيفية التي ينبغي أن تتم بها»(XV). ويرى ماكيافيلي أن الأمير لا ينبغي له التردد في اللجوء إلى بعض الإجراءات بالرغم من العيوب التي تتخللها، لان في اللجوء إليها «حتى و لو بدت مخجلة» حفاظا على الدولة، لأن أي محاولة للحفاظ على صورة إنسان خير وسط حشود من الأشرار تجهز على صاحبها وتنسف كيانه (XV). و الكرم، أو الجود أو السخاء، يؤدي إلى استنزاف الثروة، و التالي إفقار الأمير الذي يصبح تبعا لذلك موضوع احتقار بين رعاياه فيفقد هيبته و سط الآخرين. ويؤدي الشح والجشع من أجل تجميع الثروة وتفادي الإفقار بالأمير إلى أن يصبح مثار كراهية رعاياه. و الأمير لا مصلحة له في أن يكون محتقرا أو مكروها(XVI). وعلى الأمير أن يقوم بزجر الرعايا الأشرار، و إنزال العقوبات بهم، لان هذا يؤدي إلى فائدة عامة، فالشرير يقوم بجريمة ضارة بالجميع بينما العقاب الذي ينزل به الأمير لا يكون ضارا إلا بالمذنب وحده (XVII)، و على الأمير أن يجعل من نفسه مهاب الجانب و أن لا يزاحم رعاياه في ممتلكاتهم أو يقوم بمصادرتها، فالناس لا يغفرون أي إجراء يضر بأملاكهم أو ينتزعها منهم (XVII). و مقبول من الأمير أن يحترم وعوده و يفي بها، لكن التجارب تكشف أن الأمراء الذين اخلوا بوعودهم هم الذين أنجزوا أشياء عظيمة(XVIII). ويتحدث ماكيافيلي في الفصل الثامن عشر من كتابه «الأمير»عن وجود طريقتين في الصراع مقدما النصائح بان يكون الأمير جريئا في اختيار الخطة التي ينبغي أن يتبع بصرف النظر عن الأخلاق، مادام ذلك هو الحل الممكن، معتبرا أن الأمير ملزم أن يتمتع بدهاء الثعلب و سراشة الأسد، فيقول: « اعلم انه توجد طريقتان للصراع: واحدة بالقوانين، و أخرى بالقوة. الأولى خاصة بالبشر، و الأخرى تنتمي للوحوش، و مادامت الأولى لا تكفي دائما، ينبغي اللجوء إلى الثانية...عليك أن تكون ثعلبا لمعرفة المكائد و أسدا لترعب الذئاب «(XVIII). كما أن الأمير مطلوب منه عدم الاكتراث بالمؤامرات، لان المهم هو تمتعه بحماس الشعب له، و إلا أصبح مهددا من طرف الجميع، و أصبح عليه اتخاذ الحيطة من الجميع»(XIX)، كما أن على الأمير الاحتياط في تعامله مع الشعب و العناية به لأنه هو اكبر واقي ضد أي خطر خارجي:»إن اكبر قلعة في العالم هي تعلق الشعب. إذا توفرت لك الأحجار وليس القلوب ، فان الأحجار لن تكفي في حمايتك، لان الشعب إذا ما حمل السلاح فلن ينقصه الدعم الخارجي»(XX). ولا يرى ماكيافيلي أي حرج في أن يكون الأمير في أي معسكر ضد معسكر آخر، لأن هذا الموقف سيكون بالنسبة للأمير» أكثر فائدة من الحياد» (XIX)، و في حالة ايطاليا التي ينبغي تحريرها من المتبربرين، يحلل ماكيافيلي أوضاعها في مختلف الفصول إما على سبيل الاستشهاد، و إما بالوقوف على حالته الشخصية كمسالة أساسية. و قد خلص ماكيافيلي إلى أن غياب جيش قوي كان له دور في بقاء ايطاليا مجزأة، و عزا غياب جيش قوي إلى سكون الإمارات و اعتمادها على المرتزقة، و يقول « خلال سنوات، اتكلت بلادنا على المرتزقة» (XII). بالإضافة إلى ذلك زادت الكنيسة من مشاكل ايطاليا، لان هذه المؤسسة الدينية هدفها هو أن تتوفر على سلطة زمنية بعد أن تخلصت ايطاليا من سلطة الإمبراطور: « لما رفضت ايطاليا سلطة الإمبراطور خلال القرن الماضي، لصالح السلطة الزمنية للبابوية، تقسمت شبه الجزيرة الإيطالية إلى دويلات. و حملت كثير من المدن السلاح ضد نبلائها الذين كانوا يحكمون القبضة الحديدية عليها سابقا بتفويض من الإمبراطور. وقد شجعت الكنيسة على التمردات لتقوي من سلطتها الزمنية، و في الكثير من المدن الأخرى أصبح بعض العوام أمراء»(XII). ودعا ماكيافيلي في الفصل الأخير من كتابه إلى عدم تضييع الفرصة، عاقدا الأمل على أسرة الميدتشي في توحيد بلاده. III- درس ماكيافيلي: إن الدرس الأساسي الذي يؤخذ من كتاب الأمير هو واقعية العمل السياسي، الذي ينبغي أن يتحرر من الطوبى، ذلك أن السياسة ليست الدين17 و لا الأخلاق، فهي ليست مجال المقدس بل هي ممارسة تتوخى أساسا الفعالية. فهي ليست مجالا للخير أو الشر، بل هي فن التحكم في الناس18 و انه ليس ثمة سياسي خير و آخر شرير.بل ان ثمة سياسة ناجحة أو سياسة غير ناجحة. فالسياسة الناجحة حسب ماكيافيلي، تعتبر وحدها السياسة الصحيحة والمفيدة، التي ينبغي أن تدخل في اعتبار الأمير. و ليس هناك نموذجا مقدسا في السياسة يمكن الإقتداء به، فالشيء الأساسي الذي يمكن اللجوء إليه هو قراءة تجارب التاريخ، ومن تم كانت إحالات ماكيافيلي على وقائع التاريخ والاستشهاد بها في كتابه، و الشئ الآخر هو معاينة الواقع لمعرفة كيفية التعامل معه. ولا يمكن الوصول إلى سياسة فعالة بالتردد، بل بالحسم، و لا يمكن نجاح السياسة في غياب أداة لممارستها، فالنجاح رهين بالأخذ بأسباب القوة.فالسياسة لدى الأمير تتوخى الحفاظ على استقرار الدولة و امن الرعايا و إلزام هؤلاء الرعايا باحترام الأمير الذي يعتبر الشأن العمومي شأنه. فهو الذي يختص بالتشريع و بالقيادة وبالتدبير لشؤون الحكم. لقد ظل الفكر السياسي حتى عهده يتراوح بين النظر الفلسفي والنظر الديني، ولذلك جاء كتاب الأمير مفتوحا على التاريخ الماضي والراهن معا، يأخذ الأمثلة من تجارب الفرس وإسرائيل القديمة واليونان وروما، ومن راهن ايطاليا ومعها أوربا، واضعا بذلك حدا لهيمنة الفلاسفة ورجا الدين على النظر السياسي. يقول جيرار ميري:» إعادة الفكر إلى الأشياء السياسية نفسها، وبعبارة أخرى إلى بنية العالم التاريخي، هذا إذن هو الاكتشاف الماكيافيلي، اكتشاف هيأ التربة التي ستقوم فيها الحداثة ببناء الدولة التاريخية على أساسيها البشريين: القوة والقانون»19. لقد هيمن الفلاسفة على الفكر السياسي من خلال النموذجين، أفلاطون في كتاب الجمهورية وأرسطو في كتاب السياسة. وهيمن رجال الدين بدورهم من خلال الكنيسة، فكان القاسم المشترك هو الدفاع عن المثال، أي قيام سياسة وفق غاية محددة، وهي ما ينبغي ان يكون عليه العالم. بينما السياسة مع ماكيافيلي هي نظام ما هو كائن وموجود وليس ما ينبغي أن يوجد . والسياسة لا تبنى بالأفكار ولا يمكن للفلسفة أن تصبح مرشدا ودليلا في العمل السياسي « إن عالم السياسة التاريخية هو عالم القوة «20 .يقول جيرار ميري:» إن مشروع ماكيافيلي هو تحرير السياسة من الوصاية الفلسفية الدينية التي توجد عليها منذ أفلاطون و تكرست بعصر وسط مسيحي الذي تعتبر السياسة بالنسبة له شأنا إلهيا «21. نال ماكيافيلي من خلال هذا الكتاب سمعة أكثر غموضا والتباسا. و لا يخلو عصر من اثارة النقاش حول ماكيافيلي والماكيافيلية، اللذان حققا كونيتهما و دوامهما، من خلال كتاب الأمير.والكثير من الأحكام تراوحت بين التنويه والتشهير. فخلال عصر الأنوار يأخذ روسو الكثير على ماكيافيلي الشخص، لكنه يشيد بكتاب الأمير»بفشله في تلقين دروس للملوك، أعطى دروسا عظيمة للشعوب، إن كتاب الأمير لماكيافيلي هو كتاب الجمهوريين»22». ونورد في الختام أحكاما من عصرنا ومن تربتين ثقافيتين وسياسيتين مختلفتين، الأولى من فرنسا والثانية من المغرب: «إن ما هو مستحيل اليوم، يكتب المفكر الفرنسي ريمون آرون، كما كان الحال في بدايته هو التخلي عنه قبل إتمام قراءته، أو تفاديه بلا مبالاة. وكتاب الأمير لم يحافظ على عنفوانه وحسب ? ذلك أن مؤلفات كثيرة تستحق هاته الإشادة العادية ? إن كتاب الأمير حافظ على قوة جاذبيته «23. ويذهب المفكر المغربي عبد الله العروي إلى اعتبار الماكيافيلية نمط تفكير أصبح ملازما للسياسة، و أن كتاب الأمير و باقي مؤلفات ماكيافيلي لفتت الانتباه لجوانب في السياسة لم يسبق أن تمت ملاحظتها من قبل. فلا يمكن «التخلص من الماكيافيلية، يقول عبد الله العروي، إلا إذا تحررنا من المجتمع الذي يولد السياسة، أي حب التحكم في الناس»24. > هوامش: 1 Machiavel, Le Prince,Traduction française , commentaires et notes de Jean Anglade,Préface de Raymond Aron,Librairie générale française, Paris, 1983.و هي النسخة التي اعتمدناها 2 Ibid, p I. 3 رسالة ضمن مراسلات ماكيافيلي، مترجمة إلى اللغة الفرنسية وملحقة بالترجمة لكتابه الأمير المذكور في الإحالة رقم 1 أعلاه. ص 189. 4 نفس الرسالة، ص 193. 5 George Mounin, Machiavel, Seuil, Coll Politique, Réédition, Paris 1966, p 117. 6 عبد الله العروي، ثقافتنا في ضوء التاريخ، الطبعة السادسة، المركز الثقافي العربي، الدارالبيضاء-بيروت، 2002، ص58. 7 نفس المرجع. 8 نفس الرسالة المشار إليها في الاحالتين 4 و 5. 9 نفس الرسالة. 10 نفس الرسالة. 11 نفس الرسالة. 12 Georges Mounin, Op Cit,P117. 13 Henri Lapeyre, Les monarchies européennes aux XVIe siécle ,Puf, Paris , 1967, p 262. 14 Ibid. 15 يشير الرقم الروماني الى رقم الفصل في كتاب الامير. 16 Gérard Mairet, Le Principe de souveraineté : Histoires et fondements du pouvoir moderne, Gallimard, Paris, 1997, p 23 17 يصف جان بودان ماكيافيلي بأنه صاحب حظوة لدى الطغاة، و ينعته بالملحد، و يقول بان المفكر الفلورنسي و ضع أساسين للحكم هما الكفر و الجور، و انه يأخذ على الدين تعارضه مع الدولة.Jean Bodin, Les six Livres de la république, Librairie générale française, Paris, 1983.P 48. و الكتاب يعود إلى سنة 1576. 18 عبد الله العروي، نفس المرجع ص77. 19 Gérard Mairet, Op cit, p 30 20 Ibid, p 25. 21 Ibid, p 24. 22 Du contrat Social, Booking International, Paris, 1996, p86. 23Raymond Aron, Préface au Prince Ibid,P I. 24 عبد الله العروي، نفس المرجع، ص 77.