محامو المغرب: "لا عودة عن الإضراب حتى تحقيق المطالب"    مؤسسة وسيط المملكة تعلن نجاح مبادرة التسوية بين طلبة الطب والصيدلة والإدارة    الأمانة العامة للحكومة تطلق ورش تحيين ومراجعة النصوص التشريعية والتنظيمية وتُعد دليلا للمساطر    الشرطة الهولندية توقف 62 شخصاً بعد اشتباكات حادة في شوارع أمستردام    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر        كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    نقطة واحدة تشعل الصراع بين اتحاد يعقوب المنصور وشباب بن جرير    بقرار ملكي…الشيشانيان إسماعيل وإسلام نوردييف يحصلان على الجنسية المغربية    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    غياب زياش عن لائحة المنتخب الوطني تثير فضول الجمهور المغربي من جديد    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    بيع أول عمل فني من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    ضمنهم مغاربة.. الشرطة الهولندية توقف 62 شخصا بأمستردام    مجلة إسبانية: 49 عاما من التقدم والتنمية في الصحراء المغربية    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    الجولة ال10 من البطولة الاحترافية تنطلق اليوم الجمعة بإجراء مبارتين    طواف الشمال يجوب أقاليم جهة طنجة بمشاركة نخبة من المتسابقين المغاربة والأجانب    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    طوفان الأقصى ومأزق العمل السياسي..        ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    رضوان الحسيني: المغرب بلد رائد في مجال مكافحة العنف ضد الأطفال    كيوسك الجمعة | تفاصيل مشروع قانون نقل مهام "كنوبس" إلى الضمان الاجتماعي    تحليل اقتصادي: نقص الشفافية وتأخر القرارات وتعقيد الإجراءات البيروقراطية تُضعف التجارة في المغرب        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    المدير العام لوكالة التنمية الفرنسية في زيارة إلى العيون والداخلة لإطلاق استثمارات في الصحراء المغربية    "الخارجية" تعلن استراتيجية 2025 من أجل "دبلوماسية استباقية"... 7 محاور و5 إمكانات متاحة (تقرير)    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    الشبري نائبا لرئيس الجمع العام السنوي لإيكوموس في البرازيل    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    طنجة .. مناظرة تناقش التدبير الحكماتي للممتلكات الجماعية كمدخل للتنمية    الأمازيغية تبصم في مهرجان السينما والهجرة ب"إيقاعات تمازغا" و"بوقساس بوتفوناست"    هذه حقيقة الربط الجوي للداخلة بمدريد    1000 صيدلية تفتح أبوابها للكشف المبكر والمجاني عن مرض السكري    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    بنسعيد يزور مواقع ثقافية بإقليمي العيون وطرفاية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في كتاب -الأمير- ل -نيقولو مكيافيلي-
نشر في الشرق المغربية يوم 02 - 02 - 2014

هشام عابد/تقديم /نيكولا دي برناردو دي ميكيافليي، ولد بفلورنسا في 3 ماي 1469م، وتوفي بها في 21 يونيو 1527م. شارك في 24 بعثة سفارية، بينها 4 لفرنسا وعدة بعثات لروما واحدة منها للإمبراطور ماكسيميليان. انتخب سكرتيرا للمستشارية الثانية لجمهورية فلورنسة التي تشرف على الشؤون الخارجية والعسكرية. قضى 13 سنة في الحكم إلى أن جاء الجيش الفرنسي من جديد إلى فلورنسا. هو واحد من رواد عصر النهضة الأكثر تأثيرا في العالم الجديد الناهض من رحم العصور الوسطى. بل وأصبح فيما بعد الشخصية الرئيسية والمؤسس للتنظير السياسي والواقعي. كانت محاولته في السياسة والحكم أولى الخطوات الحقيقية لتجاوز الفكر الديني في زمن القرون الوسطى الذي كان اللاهوت والكنيسة مسيطرة فيها. أشهر كتبه "الأمير"؛ بعيد موته بسنوات خمس، نشر الكتاب سنة 1532م، وهناك طبعة أخرى سنة 1584م. وعن أسباب وظروف تأليف الكتاب نقرأ (من الصفحة 5 إلى الصفحة 53 من نسخة الكتاب التي اعتمدنا عليها)، ويمكن تصنيفه إن صح القول بما عرف في العصور الوسطى الإسلامية ب" الأدب السلطاني" وأدب "نصائح الملوك" فكتاب مكيافيلي هو الآخر كتاب "نصائح الأمير" بشكل ما، حين أهدي الكتاب إلى "لورنزو الجديد" أحد أفراد آل ميديتشي. كتاب غني بالتمثيلات القديمة والمعاصرة أو الناتجة عن تجارب ميكيافليي المباشرة في عالم الحكم والسياسة (13 سنة من ممارسة السياسة)، وكثافة "التمثيل" تدل على تبحر مكيافيلي في كتابات الأقدمين وهو يخط كتابه الأمير. ومن جهة أخرى فهو يضرب الأمثلة بالقوى المعاصرة مثل فرنسا إنجلترا وتركيا النموذج الممكن من أجل إيطاليا الممزقة. الأمير إذن كتاب جاء عن اجتهاد في قراءة كتابات الأولين وتمحيصها في أجواء المنفى الرتيبة. كما أن لا أحد يختلف حول دقة أفكاره وبساطة أسلوبه وعمق نظريته وواقعيته ومباشرته وإيجازه أيضا. لكن ومع ذلك فيمكن تصنيف منهجيته مع السهل الممتنع، حيث اتسمت أفكاره بالعمق والدقة. تعرض كتاب الأمير "لسوء فهم كبير"، ولسوء استقبال خصوصا من الأدباء والساسة الإنجليز والفرنسيين وكذلك من الوسط الكنسي، بل تعرض للتوظيف القدحي في نصوص ومسرح الإنجليز. ولم يبزغ نجمه إلا مع فلاسفة الأنوار،(روسو، فيخته، هيغل…) حيث بدأ الإطراء يتواصل. ومن طرف ساسة القرن 20، حتى أن موسوليني اختار الكتاب ليكون موضوعا لأطروحته للدكتوراه، وهتلر كان يتوسده تحت مخدته ويقرأ منه كل ليلة. بل أصبح الكتاب المدرسي الذي لا بد منه أو بمثابة كاطالوغ سياسي للعمل في دواليب السياسة واقتحامها… الأمير؟ من هو الأمير؟ وكيف ينبغي له أن يكون؟ يعدد لنا مكيافيلي جملة من الصفات التي لا بد للأمير أن يتحلى بها وسنجملها في هذه السلسلة المتتالية من الصفات التي حظ على تواجدها في الأمير المثالي: نصائحه للأمير تتمثل في القتل كالأسد والمكر كالثعلب، إذ على الأمير أن يجمع بين صفات الثعلب والأسد.(ص 160) فيكون "ثعلبا يميز الفخاخ وأسدا ليرهب الذئاب".(ص 148) وعلى الأمير أن لا يستهدف شيئا أكثر من التفكير في الحرب ودراسة الحرب إذ عليه أن "لا يفكر أو يدرس سواها". "إذ هي الفن الوحيد الذي يحتاج إليه كل من يتولى القيادة".(ص 131) وأهمية التمرس عليها ودراستها أيام السلم أكثر من أيام الحرب،(ص 132-134)لا يعدلها أي شيء آخر. وينصح بالتدرج في سلك الجندية والتي هي قاسم مشترك للوصول إلى الإمارة، بل والتألق في سلك الجندية للوصول إلى الإمارة.(ص 98) ويؤكد على ضرورة المعرفة،(ص 65) وعلى كسب الأصدقاء،(ص 94) والحفاظ على صداقة الملوك والأمراء.(ص 94) كما يؤكد يؤكد دائما إلى ضرورة خطب ود الشعب لأنهم المخرج الحقيقي في الحروب والمصائب.(ص 90) وخلق نخب جديدة مع كل إمارة جديدة من العسكريين والمدنيين.(ص 100) وإلى هنا تبدو الأمور طبيعية، والنصائح منطقية إلى أن نصل إلى نصائح تحمل من التناقض حد التعارض، في شكل ثنائيات متضادة يطالب مكيافيلي الأمير بتوفرها من أجل التميز والنجاح: – الاتصاف بالشدة والرحمة معا.(ص 94) – والشهامة والتحرر.(ص 94) (ص 94) – فرض الحب أو الخوف على رعاياه.(ص 94) – الاحتلال بالقوة والخدعة.(ص 94) – القضاء على المتطوعين القدامى وخلق قوة جديدة.(ص 94) – إدخال البدع بدل العادات القديمة.(ص 94) – بسط الاحترام والتبعية على جنوده.(ص 94) – من الأفضل أن يخافك الناس على أن يحبوك. إذا توجب عليك الاختيار بينهما.(ص 144) – على الأمير أن يفرض الخوف منه بطريقة، يتجنب بواسطتها الكراهية، إذا لم يضمن الحب، إذ أن الخوف وعدم وجود الكراهية قد يسيران معنا جنبا إلى جنب".(ص 144) ثم لم يقتصر مكيافيلي على الثنائيات فقط، لكنه اختار أقبح وأبشع الصفات للأمير الناجح: – الشح والقسوة. – النكث بالعهود والغاية تبرر الوسيلة. – النذالة. – تخريب المدن العتيقة. – تحطيم طبقة النبلاء. – حتى أنه في نصائحه للأمير الناجح، يحذره من الطيبة المستدامة ويطلب منه استعمالها حسب الظروف والحالات التي يواجهها.(ص 136) – وأن من يتقن الخداع، لأنه سيجد دائما أولئك الذين هم على استعداد لأن تنطلي عليهم خديعته.(ص 149) – بل يذهب بعيدا قائلا أن الوصول إلى الإمارة يمكن أن يتم عن طريق النذالة والقبح،(ص 96) ذاكرا لمزايا النذالة وإعطاءه فيها مثالين قديم ومعاصر في (الفصل 8). إذ النذالة هي السبيل الثالث للوصول إلى الإمارة.(ص 96) بعد الحظ وحب الناس! – وعلى الأمير الذي يرغب في الحفاظ على دولته أن يرتكب الشر أحيانا إذ الكراهية قد تنجم عن الأعمال الطيبة بقدر ما تنجم عن الأعمال الشريرة.(ص 159) – وأمام ضياع الدولة لا ينبغي للأمير أن يكترث بوقوع التشهير.(ص 137) – ومن الممكن إخلاف الوعود، إذا كانت أو أصبحت مضرة بالأمير.(ص ) – وعليه تدمير كل من يلحق به الأذى.(ص 94) – والأمير الذي يريد التحكم في الأمور لابد له من الحيلة والمكر.(ص 90) – ولابد من البدء بالمكر للوصول إلى العدل مع الشعب.(ص 90-91) – وفي تعريفه للسخاء والبخل، له منطق أصيل ومختلف لمعنيي السخاء والبخل.(ص 138-141) فالبخل يكون من أجل تسهيل الحياة على الشعب!(ص 139) ثم إن كثرة السخاء تؤدي بالأمير إلى الفقر ومن تم إلى فرض ضرائب على الشعب.(ص 138) و في طريق الأمير إلى الإمارة لا بأس بالسخاء.(ص 140) لكن حين الوصول إلى الإمارة يكون السخاء مضرا. ويمكن إنفاق أموال الغير أما الأموال الشخصية فلابد من الاحتفاظ بها. وسخاء الأمير على الجيوش ضروري ليتبعه جنوده.(ص 141) وليس هناك أشد ضررا على نفس الأمير من الجود والكرم إذ باستعماله له يفقد القدرة على استخدامه.(ص 141) – والأغرب من ذلك كله أنه إذا لم تكن هذه الصفات متوفرة في الأمير فعليه على الأقل التظاهر بها!… هي جملة طويلة إذن من النصائح التي تظهر غريبة من الوهلة الأولى، لكنها تبين في نفس الآن على مدى واقعية رجل سياسي ينتمي إلى عصور وسطى متقلبة ومليئة بالمتغيرات. والخلاصة من كل هذا هو توقه إلى قائد عظيم تتوحد تحت رايته كل إيطاليا، ولا تهم الوسيلة عنده بل الغاية. و يبدو أن مكيافيلي كان يبحث في كل هذه القسوة العارمة عن منقذ ومخلص لإيطاليا. فنجده لذلك يختار نموذجا للأمير الجيد؛ فيختار "قيصر بورجيا". حتى أنه أفرد له فصلا كاملا يعدد فيه صفاته ومزاياه(الفصل 7)، فما السبب في ذلك؟ لابد من مميزات ومبررات؛ بالطبع هناك صفات جعلته يختاره ويجعله نموذجا للأمير الذي تحتاجه إيطاليا، فقيصر بورجيا؛ اقترف جرائم كثيرة، اختار ليوناردو دافنشي المهندس ذو المواهب الفائقة، اختار الجنود من الأهالي وهي أفكار كان يناضل من أجلها مكيافيلي. لهذا فدوق بروجيا نموذج للأمير الجيد، إذ وجد فيه المواصفات التي يجب أن تكون في كل أمير ناجح؛ خصوصا في عصر اللاإستقرار، القلاقل، الانقلابات، الغدر، الخيانة، القسوة… يطلب من الأمير أن يتميز بالحيطة، الحذر، الحيوانية في القتال، اللاإنسانية في التعامل، البطش، الخيانة، النكث بالعهود والمواثيق… الحرب عند مكيافيللي؟ وقد رأينا في نصائحه للأمير كيف يحثه على تعلم فن الحرب، وأهمية التمرس ودراسة الحرب أيام السلم أكثر من أيام الحرب.(132-134) إذ لا بد من التهيؤ بشكل جيد ساعة السلم وساعة هدوء القدر والتخطيط والاستعداد له وتلك هي الإرادة التي تكبح أخطار القدر. فالحرب إذن عند مكيافيلي هي فن العصر الشريف للأمير، والمسار المضمون من أجل التألق والإمارة والحكم من طرف المواطنين وأبناء الشعب وأبناء الأمراء على السواء. حتى أن ازدراء فن الحرب يكون السبب الرئيس في ضياع الدول وفقدها، والتمرس فيه وإتقانه هو السبيل إلى الحصول على الدول والإمارات. فليس هناك ثقة لدى مكيافيلي من غير سلاح، لا بد من السلاح والافتقار إليه يعرض إلى المهانة والاحتقار.(ص132) وحتى الأصدقاء ودفع عدوان الخارج لا يتوفر إلا بتوفر السلاح والقوة.(ص 153) القوة العسكرية والقانون؟ رسم مكيافيلي علاقة جدلية بين القانون والقوة وكانت نظرته للأمر هي الأخرى أصيلة و جديدة. ففي تفسيره لهذه العلاقة وطبيعتها يقول مكيافيلي أن خير القوانين بالنسبة لجميع الدول هو أن يكون لها: قوانين جيدة وأسلحة قوية. وأن القوانين توجد حيث تتوفر الأسلحة القوية، لذلك يقول مكيافيلي أنه سيركز بحثه في موضوع القانون والأسلحة. فهو يربط إذن وجود القوانين الجيدة بتوفر القوة الكافية.(ص 117) ومن مزايا القوة أنها تتدخل في تطويع الشعب إن توقف عن تقديم الطاعة للأمير (لأن النبي الأعزل فاشل)، وتطبيق القوانين يتطلب القوة، وكذلك يتطلب القوة الذاتية أي الكفاءة الشخصية لضمان استمرار السلطة والسيطرة.(ص 83) والقاسم المشترك في ضياع المدن والدول من الأمراء الإيطاليين يتعلق بقوتهم العسكرية، ثم عداء الشعب ثم لا يستطيعوا الاعتماد على حب النبلاء وولائهم.(ص 188) والدولة الموحدة عموما هي دولة قوية، لذلك ارتباط القوة والبطش بخلق كيان موحد و قوي ف"عندما تفتقر الدولة إلى السلاح الكافي، تنعدم القوانين الجيدة". وهناك طريقتين للقتال يقول مكيافيلي: القانون والقوة. وعلى الإنسان أن يلجأ إلى الطريقة الثانية الطريقة الحيوانية!(ص 147) ولكن يبقى من الأفضل استعمال الطريقتين معا.(ص 148) إن القوة لدى مكيافيلي فوق القانون من أجل الحصول على كيان قوي.(ص 41) لكن الإشكال هل مؤقتا أم دائما حتى بعد الحصول على الدولة القومية القوية؟ القسوة والقوة؟ كيف كان يرى مكيافيلي القسوة في علاقتها بالأخلاق؟ السياسة والأخلاق لدى مكيافيلي علاقة حرب دائمة. ويمكن أن نستنتج أن ليس هناك أخلاق في السياسة لدى مكيافيلي، معناه مباشرة أنه لا رحمة ستكون في المؤسسة العسكرية وأعمال الحرب. لقد وصف مكيافيلي "السم كدواء لإيطاليا"، وهو تعبير في غاية الأهمية يلخص الهدف الحقيقي لمكيافيلي من كل هذه القسوة العارمة التي طالب بها. حتى أنه في إحدى النقط المثيرة في الكتاب لا يناقش الفظاعة التي تحدثها الجيوش في الحرب، بل يناقش الطريقة التي ارتكبت بها الأعمال الفظيعة! وهل كانت الطريقة حسنة التنفيذ أو رديئة!؟(ص 100-101) وكجواب على السؤال الذي طرحناه حول القوة والأخلاق؛ فمكيافيلي كان مع تناقص أعمال العنف وفظاعتها مع مضي الوقت وليس العكس. إذن مكيافيلي لا يحبذ العنف والشر المطلق، هكذا بدون توقف، بل كمرحلة أولى وبعدها يتم التوقف عنها.(ص 101) بل يذهب إلى اقتراح الضربة الواحدة والحاسمة في أعمال القتل والتدمير وعدم العودة إليها، وبعدها إصلاح أمور رعيته بالرحمة والعدل.(ص101) لكن وإذا كان الشر يجرع ضربة واحدة فإن المنافع يجب أن تمنح قطرة فقطرة. حتى يشعر الشعب بمذاقها ويلتذ بها.(ص 101) ويبدو أن الجو المشحون، الحروب اللامتوقفة، التناحر والخيانات والغدر وضغوط الكنيسة، جيوش المرتزقة، النفي والوشايات، عنف المرحلة بشاعة الحروب والسجون والانتقام… كلها أمور أثرت ووسمت كتابة مكيافيلي لتاريخ الفترة وأثرت على مقترحاته و نظرته للأمور. لذلك فالغاية تبرر الوسيلة إذ كان مكيافيلي يسمح باستعمال الحسن للشر.(ص 101) جدلية التشتت والقوة؟ لا أحد ينكر بوادر القومية الأولى في كتاب الأمير حين يقرأه.(ص 142) إذ نتلمس بعضا من هذه البوادر من خلال عديد من الأفكار التي نادى بها. فهو يعطي نموذجا بالقسوة التي جاءت بالنظام والوحدة إلى رومانا وفرضت عليها الاستقرار والولاء.(ص 145) ويعطي لقب
الصارم للأمير لكي يبقى على جيشه موحدا. وفي تحليله لجدلية التشتت والقوة بالنسبة لإيطاليا فإنه يقول؛ أنه في الزمن الماضي، زمن التجزئة والتشتت ربما كان صالحا لإيطاليا ذلك الوضع. أما إيطاليا الحاضر حاضر مكيافيلي فيجب أن تتغير الأمور وتتوقف التجزئة لأن العدو سيتمكن بسهولة من احتلال هذه المدن المجزأة الضعيفة.(ص 169) إنه رأي واضح من أجل تجميع ولم شتات الدولة الإيطالية في كيان جغرافي وإثني وديني وسياسي واحد. ويسترسل مكيافيلي كما عودنا على طول صفحات الكتاب بالتمثيل للأمر بالدول المعاصرة له فيقول؛ إذا تم ضرب العائلة التركية سهل انقياد الشعب.( ص 73) ويعطي مثالا أو مقارنة بين دور السلطة المركزية الغريبة عن الشعب (تركيا) ودور الشتات السياسي (فرنسا). مفسرا ذلك بأنه من الصعوبة احتلال بلاد الترك ومن السهولة الاحتفاظ بها، أما فرنسا فيسهل احتلالها لكن يصعب الاحتفاظ بها. فالحكم بأناس محليين أو أناس من طرف الدولة المستعمرة يكون له دور كبير.(ص 72) فالسلطنة التركية يحكم مناطقها المحتلة أناس أتراك، أما فرنسا فتحكم بنبلاء يعترف بهم أبناء رعيتهم. لذلك يصعب احتلال تركيا ويسهل الاحتفاظ بها، أما فرنسا المشتتة يسهل احتلالها لكنها محكومة من طرف أناس تربطهم علاقة بالشعب فيصعب الاحتفاظ بها… (التفاصيل في ص ص 72- 74). الحسم؟ يوضح مكيافلي وجهة نظره في هذه النقطة فهو مع الفعل وليس مع الحياد، فإعلان العطف على الإنسان، والعداء لإنسان آخر لا ريب أنه دائما أفضل من البقاء على الحياد.(ص 176) وهو مع الحرب إذ الحرب "أمر لا يمكن تجنبه وإنما يمكن تأجيله وغالبا ما يكون التأجيل في صالح الجانب الآخر" (ص 65) وهو ضد التأجيل في الحرب مبدأ الخير والشر في زمن التأجيل.(ص 65-66) فالتأجيل في الحرب مسألة مضرة للدولة مفيدة للعدو.(ص 69) البشر؟ "موسوليني" يسجل تشاؤم مكيافيلي العنيف فيما يخص الطبيعة البشرية. تساءل موسوليني قائلا ما البشر في المذهب السياسي لمكيافيلي؟ ما فكرته عن البشر؟ هل يتفاءل أم يتشاءم؟ ولكي نتعرف على مفهوم مكيافيلي عن البشر والإنسان؟ ونتعرف على علاقة الحكم السلبي على البشر وعلاقته بنظرية الحرب؟ فإننا نجد أن حكم مكيافلي على البشر مسألة جوهرية في كتاب الأمير وليس مسألة عارضة. كما نجد عنده أيضا نزعة شمولية و إنسانية في موقفه من البشر في عموميتهم وليس سكان المدن الإيطالية فقط. يقول ميكيافلي في بعض من أحكامه التي تعبر عن طيبعة هذا الموقف. موقفه من البشر في عموميتهم؛ "إذ من السهل على الإنسان أن ينسى وفاة والده، من أن ينسى ضياع إرثه وممتلكاته".(ص 145) إذن هو يركز على الطبيعة البراغماتية للإنسان في مجملها أكثر من تأشيره على الجانب العاطفي و الإنساني لهؤلاء البشر. لكن لا ينبغي أن ننسى عموما أن مكيافيلي كتب في ظروف النفي والإبعاد القسري عن السلطة وتقلد المناصب، وعانا من المناوشات والصراعات السياسية والخصوم، ومن ضغوط وتعنت الكنيسة… فكان لابد أن تخيم هذه الأجواء على تصوره للإنسان ونظرته له على العموم. الشعب؟ قد تكون النقطة المضيئة البارزة في فكر مكيافيلي، لكن لصالح الأمير وليس لسواد عيون الشعب. وتبقى فكرة أصيلة لدى مكيافيلي تبرز دور الشعب وتلاحمه مع القادة في أمر الحفاظ على تحرر وحماية البلاد. وهذه مسألة طبيعية إذا فهمنا أن مكيافيلي كان يريد "دولة قومية" متماسكة وقوية. والتأكيد على عنصر الشعب له أسبابه العميقة في المعادلة السياسية والعسكرية؛ فالعلاقة بين الأمير وشعبه هي التي تحدد هل يضع القلاع ويهتم بها أم لا؟(ص 172) حتى أن المراهنة على حب الشعب.(ص 106) تصبح مسألة حيوية وضرورية. وفي الحرب فالخطر المحدق والمنتظر يوحد الشعب مع القائد والأمير.(ص 111) حتى ليصبح الشرط الأساسي في منطق الدفاع هو ضمان حب الشعب للأمير.(ص 111) بل ويصل الأمر حالة التعارض بين الجيش والشعب بالنسبة للأمير؛ فإن على الأمير مراعاة أن أسبقية إرضاء الشعب مقدمة على العسكر لأن في وسع الشعب أن يعمل أكثر من الجنود.(ص 164) حتى أنه من الأفضل أن يكون الشعب مؤيدا لك حتى يساندك في احتلال بلد ما،(ص 63) حتى ولو كان هذا الشعب شعبا تحتل أرضه. فلشعب قيمة كبرى في معادلة الحكم، إذ لا بد أن يكون الشعب راضيا محبا ليأمن جانبه.(ص 155) وبالتالي تجنب مسألة الاحتقار والكراهية من طرف الشعب، وهذا له مغزاه لما للشعب من أهمية كبرى في التوازنات.(ص 152-166) أما في ما يتعلق بالشعوب المحتلة فمكيافيلي يقترح خطة لإحكام القبضة عليها؛ إما بتجريدها من كل شيء وأمن جانبها، أو انتقال الأمير للعيش معهم. أو تركهم في قوانينهم وخلق حكومة تابعة.(ص 76) (وتذكر أن هذه المسألة بسياسة ليوطي في المغرب). كما يميز لنا مكيافيلي نوعين من الشعوب؛ إذ هناك الشعب الذي لم يعتد العيش في الحرية وهو بطيء في العصيان، ومن السهل كسبه إلى صف الأمير.(ص 77-78) عكس الجمهوريات التي تتميز بالحيوية والكراهية البالغة والرغبة العنيفة بالثأر، ليس من السهل التحكم فيها، و "أضمن سبيل هو إما تدميرها تماما أو الإقامة فيها".(ص 78) عنصر "الحظ" لقد تراوحت المصطلحات بين "حسن الطالع"، "الصدفة والفرصة"، "الكفاءة والمواهب"، "السعد والنحس"، "الصرامة والبأس"… إنها مفردات العصر الوسيط. لكن أكثرها بروزا وقلقا وتشويشا وصراعا في فكر مكيافيلي هي المتعلقة ب"الحظ وحسن الطالع"؛ هذا العنصر المشاغب لا بد وأنه أتعب ميكيافلي في الحديث عنه وتفسير علاقته بالأحداث وبالسياسة والحرب، وعموما فمفهوم الحظ يبقى مفهوما غريبا، لا ينسجم مع واقعية مكيافيلي،(ص 113) فعلى طول صفحات الكتاب يتقاسم الحظ وقسوة الأمير حصة الأسد في التحليل المكيافيلي؛ ويبدو أن الأمور الغيبية كانت تضايقه وتضغط عليه في التحليل والتنظير. لذلك نجده يفرد لها الفصل ما قبل الأخير ليعطي موقفه منها.(ص 190-195) فصل حول "أثر القدر في الشؤون الإنسانية وطرق مقاومته".(ص 191) ونجده يعطينا تمثيلا رائع جدا للعلاقة بين القدر والإرادة؛ مشبها القدر بالنهر الجارف والإرادة بسدود تقام لكبح جماحه. وفي تصويره الرائع للحظ يقول مكيافيلي "الحظ كالمرأة، إن أردت السيطرة عليها فعليك أن تغتصبها بالقوة. وهي بدورها تسمح بامتلاكها للرجل الشجاع، لا لذلك الذي يسير بتمهل وأناة. والحظ شأنه في ذلك شأن المرأة، يميل دائما إلى الشباب لأنهم أقل حذرا وأكثر ضراوة، ويمتلكونه بقحة وجرأة".(ص 195) بل يظهر مدى حضور عامل الحظ لدى مكيافيلي إلى درجة أن الحظ يدخل في صفات الأمير، فالحظ والقدر يدخل في التأثير على نجاح الأمير أم فشله رغم مجهودات الأمير أحيانا. ومن ثم الإيمان الكبير بسوء الطالع منذ البداية ومنذ الصفحة 53، أولى صفحات كتاب الأمير؛ حتى أنه يتحدث عن سعد طالع لورنزو وسوء طالعه هو! ونلاحظ أن حديثه عن الحظ يحتل أماكن كثيرة من صفحات الكتاب نعطي هنا نماذجا محددة وأماكن كثيرة ذكر فيها الحظ منها: – الزمن عامل مهم في نجاح الإنسان في أعماله وفي محاربته للقدر.(ص 192-193) – لكن مسألة الحظ مسألة غير شريفة وغير محبوبة من طرف مكيافيلي، فنجده يقول"أولائك الذين رفعهم الحظ ورفعتهم سواعد غيرهم إلى مناصب السلطان". (ص 25) – حسن الطالع والكفاءة الشخصية.(ص 55) – سوء الطالع. (ص 57) – سوء الطالع.( ص 61) – القدري.(ص 112- 113) – الحظ. (ص 170) – الطالع. (ص 177) – بأن لا يعتمد على جيوش الآخرين وطوالعهم! (ص 89) – الكفاءة البالغة والطالع الحسن. القدرة والكفاءة مقدمة على حسن الطالع في امتلاك الممالك.(ص 80) – القتال في أوقات السعد وفي فترات النحس.(ص 145) – احتلال الممالك بمساعدة الآخرين أو بمساعدة الحظ.(ص 85) – الوصول إلى الإمارة بالكفاءة وبحسن الطالع.(ص 86) – سوء الطالع هو السبب في ضياع ملك أبيه. رغم اجتهاده وأساسه المتين في العمل والبناء للدولة.(ص 87) – يرجع فشل قيصر بورجيا في الاحتفاظ بملكه لسوء الحظ.(ص 81) – الحظ في إعلاء أمير على آخر.(ص 170) – الناس الذين أضاعوا دولهم لا يجب أن يلوموا الحظ، بل تواكلهم أيام الرفاه والسلام بأن الأمور قد تتغير.(ص 188) التاريخ الروماني والروح الكنسية؟ إن القارئ لكتاب الأمير لا بد وأن يكتشف أن مكيافيللي في الأعم الغالب بقي وفيا للفكر الروماني لعصره لم يتجاوزه بل دقق في بعض من حلول الدولة التي يريدها أن تكون. مثله في ذلك مثل ما فعله ابن خلدون قبله خلال التعاطي لقضايا عصره. فالفكر الروماني هو المسيطر، ففي تفسيره للنذالة يتحدث عن صعود "أماتوكليس الصقلي" العرش، وهو من أحط الطبقات وأدناها في بلاده.(ص 96-97) ومن الأمور أيضا التي تثبت وفاءه وخضوعه ولو النسبي للفكر الديني؛ نجده يتحدث عن أسباب وصول الأمراء الدينيين ويقول عنها أنها "أسباب رفيعة لا يستطيع العقل البشري الوصول إليها، فسأتجنب الحديث عنها، إذ أن كون الله هو الذي يمجدها ويحافظ عليها، يجعل من السخف والحماقة، البحث فيها".(ص 113) ثم نجده يحسم الأمر في أن الإمارات الكنسية يتم احتلالها إما: بالكفاءة أو الحظ.( 113-114) إن جانبا كبيرا من الفكر الديني اللاهوتي، كما ونفس الأمر لهامش كبير من الفكر اللاعقلاني في تفسير الأمور كان مسيطرا على مكيافيلي، كما أن وضعية إيطاليا المبلقنة والمشتتة جراء الإرث الروماني الثقيل والتي لم تعرف اختلافا كبيرا حتى عن إيطاليا أو ألمانيا القرن 19م، كانت تحرك مكيافيلي وتتحكم في توجيه كثير من آراءه من دون شك. لم يكن لمكيافيلي القدرة على تغيير ما فشلت فيه إيطاليا لأربعة قرون أخرى بعده إلى أن جاء موسوليني ليطبق ما قاله مكيافيلي نظريا على مستوى أرض الواقع… لن نبخس الرجل حقه، فحتى إن لم يستطع تغيير واقع إيطاليا الكنسي والقومي، إذ يكفي على الأقل أنه كان من أوائل من نظر إلى الدولة بعين التجربة والواقع وليس بعين الدين واللاهوت المسيطر في تلك الآونة. ولا ننسى أيضا أن الجيش في عهد مكيافيلي كان نقطة تنافس بين الكنيسة والأمير.(ص 87-88) فكان من الصعب على الرجل تحرير الدولة والجيش من قبضة الكنيسة وبالتالي إنقاذ إيطاليا من مصير التشرذم والتشتت… لقد أشار الرجل مبكرا في تاريخ إيطاليا وأوربا وبكل جسارة أن الكنيسة عائق من عوائق الوحدة الإيطالية وهي في نظرنا علمانية مبكرة. بل نجده يوبخ الإيطاليين ويلومهم على أنهم لا يفهمون في السياسة، إذ لو كانوا يفهمون شيئا في شؤون السياسة، لما سمحوا قط للكنيسة بأن تصل إلى هذه الدرجة من العظمة.(ص 70) لم يكن من السهل على مكيافيلي أن يكون معارضا أو ضد الكنيسة أكثر مما فعل، يكفي أنه رفض كنسيا وتعرض للمنع سنة 1959م، وقررت محاكم التفتيش إحراق جميع كتبه. جيش المرتزقة والجيش الوطني؟ فكرته حول "الجيش المحلي" فكرة أصيلة أخرى في الكتاب، حتى أننا يمكن أن نعتبرها أهم فكرة في الكتاب كله. لقد خصص فصلا كاملا لجنود المرتزقة.(من ص 117 إلى ص 124) فأول شيء ينبغي أن يكون بعد توطيد الحكم هو إعداد قوة عسكرية خاصة.(ص 91) حتى أن القاعدة العامة التي ينذر أن تخطئ وهي أن من يسعى الأمير إلى تقوية غيره فيحكم على نفسه بالخراب والدمار، إذ أن هذه القوة إنما تجيء عن أحد طريقين إما الحيلة أو القوة العسكرية وكلتاهما يكونان موضع الشك، عند ذلك الإنسان الذي ارتفع إلى مرتبة القوة والسلطان.(ص 70) لكن علينا التعرف على أسباب رفضه لجيوش المرتزقة وللجيوش الإضافية؟ لقد تعرض كثيرا لمشكلة الجيش غير المحلي،(ص 88) ونجده يضرب لنا أمثلة لمخاطر جيوش المرتزقة.(ص 120) ففي حديثه عن المرتزقة والرديف يقول هي "قوات غير مجدية بل ينطوي وجودها على الخطورة، وإذا اعتمد عليها أحد الأمراء في دعم دولته، فلن يشعر قط بالاستقرار أو الطمأنينة."(ص 118) والأمير الذي يعتمد عليهم يتعرض أيام السلم للنهب من المرتزقة، و في أيام الحروب للنهب من العدو"، ولعل السبب الرئيس هنا هو "افتقار المرتزقة إلى الولاء."(ص 117) نفس الأمر بالنسبة للقوات الإضافية فهي لا تختلف عن المرتزقة في لا جدواها.(ص 125) بل هي "أكثر من المرتزقة، لأن الدمار معها غالبا ما يكون كاملا".(ص 126) حتى أن النصر الذي يتم بفضل القوات الأجنبية لا يمكن أن يعتبر نصرا.(ص 127) ويخلص مكيافيلي إلى أن الأمير الذي لا يعتمد على قواته الخاصة، هو أمير يعتمد كلية على حسن الطالع.(ص 130) إذ "ليس هناك أضعف من الإنسان الذي
يعتمد في قوته على قوة الآخرين".(ص 130) بل إن الدمار الذي أصاب إيطاليا نجم عن شيء واحد، هو اعتمادها لسنوات طويلة على جيوش المرتزقة. (ص 118) لأنهم استغلوا الفرصة ودخلوا إيطاليا أيام الحروب الأهلية بين المدن المتفرقة وخلال صراع الكنيسة مع أمراء المدن.(ص 123) بل ويذهب مكيافيلي إلى أبعد حد قائلا "وإذا درسنا السبب الأول، من زوال الإمبراطورية الرومانية تبين لنا أنه ناجم عن استئجار رومة لمتطوعة القوط إذ بدأ الضعف منذ ذلك التاريخ، ينسل إلى قوة روما وعظمتها، لأن القوط أخذوا يستأثرون بجميع المنافع التي تغدقها الإمبراطورية على العاصمة".(ص 103) ولعل آخر جملة في الفصل تدل على الموقف الحاقد لمكيافيلي من المرتزقة حيث نجده يقول "وهكذا حطوا من شأن إيطاليا، وألحقوا بها العبودية والانحطاط".(ص 124) ويعطينا مكيافيلي لمحة كما عودنا في كثير من مواضع الكتاب نماذج من المحاولات الأولى في التاريخ للتخلي عن جيوش المرتزقة: فمن أسباب إعجابه ب "قيصر بورجيا" هو أنه قضى على المرتزقة واعتمد على القوات التي ألفها بنفسه.(ص 127) كما يشير إلى أن "هيير السيراقوزي" أيضا مزق المرتزقة شر تمزيق.(ص 128) بل نجده يستعين حتى ب"التوراة" لإقناعنا بضرورة اعتماد المرء على أسلحة المرء الشخصية وليس على أسلحة وقوات الآخرين.(ص 128) لأن "أسلحة الآخرين إما أن تخيب ظنك أو تفشل، أو تحملك ما لا طاقة لك به، أو تشل حركتك في القتال".(ص 128) ويحكي لنا كيف تمكن الملك "شارل السابع" والد الملك لويس الحادي عشر بفضل حسن طالعه وشجاعته من تحرير فرنسا من الإنكليز.(ص 128) لأنه أدرك الحاجة إلى التسلح بقواته العسكرية الخاصة. أمثلة كثيرة يستقيها لنا من التاريخ ليقنعنا بلا جدوى جيوش المرتزقة وبضرورة إنشاء جيوش شعبية خاصة. ويضرب لذلك أمثلة عديدة لتفاهة الاعتماد على غيرها من جيوش المرتزقة أو جيوش الدول المجاورة. فنستفيد أمرين؛ نظريا كان أكبر من حث على ضرورة الاعتماد على جيوش شعبية محلية والاستغناء عن الجيوش الأجنبية والدخيلة. وثانيا نماذج مبكرة لدول وأمراء استغنوا على جيوش الاسترزاق والأجانب والاعتماد على جيوش محلية من الشعب. أو كما يسميها مكيافيلي "القوات الوطنية الأصلية".(ص 129) نقطة أصيلة في الميكيافلية حديثها عن ضرورة توفر "جيش وطني". وانتقاده لجيوش المرتزقة والقوات الإضافية والمختلطة.(ص ص 117-130) وهو يوظف هذه الصفحات الطوال لتوضيح تفاهة الاعتماد على غير الجيوش الأصلية الشعبية والوطنية. وكما أفرد فصلا خاصا عن نموذج الأمير فهو يفرد فصلا خاصا أيضا للتعريف بجيش المرتزقة وإظهار عيوب ذلك على الدولة وعلى البلاد. القلاع وحرب الدفاع؟ هل كان يريد أن تبقى إيطاليا بشتاتها السياسي يحكمها أمير واحد حتى يصعب على المحتل الاحتفاظ بها في حالة الحرب؟ الجواب هو بالطبع؛ لا… لأنه كان يبحث عن القوة والوحدة لإيطاليا. يتحدث عن حالة الدفاع والوضعية الإيجابية للمدافع قائلا؛ فالأمير الذي لا يستطيع خوض المعارك ضد الأعداء فيضطرون إلى اللجوء إلى داخل أسوارهم، واتخاذ موقف الدفاع، وعليه تزويد مدينته بالمؤن، وتقوية وسائلها الدفاعية، إذ لا ريب أن الأعداء سيترددون في مهاجمة الأمير الذي يجيد تحصين مدينته ويحسن إدارة حكومة رعاياه، فقط عليه إجادة الدفاع عن مدينته، ومقابله رعاياه بالحب.(ص 109-110) وهو في حديثه عن مزايا الدفاع نجده يستشهد بنموذج ألمانيا، ومدنها المنيعة التحصين وصعوبة القضاء عليها واحتلالها هي فكرة أصيلة لمكيافيلي قبل "كلاوزفيتز"، الأمر الذي يجعل من مكيافلي رائد فكرة أفضلية الدفاع عن الهجوم.(ص 110) إذ يستحيل يقول مكيافيلي على مهاجم أن يستمر مهاجما مدينة مدة سنة كاملة.(ص 111) وفكرة أو نظرية صلاحية الدفاع لإيطاليا في ضل ظروف التشتت السياسي الذي تعيشه، فكرة متميزة أخرى يؤكد عليها مكيافيلي بطريقته، بحيث يتحدث عن قوى العدو المنهارة لطول الحصار مقابل ارتفاع معنويات المدافع (إذ المهاجم سيضطر للتراجع وقد لحق به العار).(ص 111) أما مسألة "القلاع" لدى مكيافيلي قد تكون نافعة أو غير نافعة وفقا للأوضاع والأزمنة. ويفسر الأمر كالتالي: "إن على الأمير الذي يخشى شعبه أكثر من خشيته للأجانب أن يقيم القلاع أما الأمير الذي يخشى الأجانب أكثر من شعبه ففي إمكانه أن يستغني عنها. ولذا فإن خير قلعة يقيمها الأمير تكون في أفئدة شعبه، إذ على الرغم من إقامتك للقلاع فليس في وسعها حمايتك إذ كان شعبك يكرهك".(ص 172) ويختم بشكل رائع حين يقول "ولهذه الأسباب كلها، فإنني أطري كل من يقيم القلاع، وكل من لا يقيمها، وأوجه اللوم إلى كل من يضع فيها جماع ثقته، فلا يكترث بكراهية شعبه أو حبه".(ص 173) إذ أقوى القلاع وأنفعها لدى مكيافيلي تتجلي في الحب الذي يكنه الشعب للأمير والحاكم. موقع مكيافيللي في الفكر السياسي العالمي؟ وإذا كنا نريد قراءة منطقية وعادلة لمكيافيلي، فإنه لا يصح كما لاحظ "غوتنبرغ"، النظر في أفكاره السياسية والاجتماعية من علياء القرن 20م، بل من خلال أسوار قلاع القرن 16م الإقطاعية. ولا ينبغي من جهة أخرى التغاضي عن تأكيداته الاستثنائية المهمة للغاية لأنها تحد من التعميم ومن فهمنا الخاطئ لمكيافيلي؛ فهو ينهي الفصل عن الحب والكراهية للأمير مثلا بقوله ناصحا "وعليه أن يتجنب الكراهية لشخصه كما سبق لي أن أوضحت". وعموما كان لابد للرجل من هامش من الأخطاء وخصوصا وأنه كان سباقا لتناول عدد من أشد المواضيع تعقيدا؛ (الكنيسة واللاهوت، الجيوش الدخيلة والمرتزقة، مسألة الحظ والقدر، السياسة والأخلاق، أخلاق الأمير…). كما نجده هو نفسه يصرح بأنه يخشى أن تبدو كتابته على الطريقة التي قدمها، أن تبدو غرورا لدى الآخرين خصوصا وأنه يختلف في كثير من المواضيع عن رأي الآخرين. غير أننا نلاحظ أن كثرة التمثيل والاستقاء من تجارب التاريخ أثرت في مسار كتابته وفي آراءه. فآراءه انعكاس لحوادث التاريخ ولتجربته الشخصية، فافتقدت بذلك لطابعها الشمولي الممكن. ولا غرو أن فكر مكيافيلي يعتبر قطيعة مع فلسفة المثل والحق الإغريقية وخطوة عظمى باتجاه الواقعية. كما وتبدو واقعيته في تفريقه بين الواقع والخيال في تصور الدولة فنجده قائلا"إن الذي يتنكر لما يقع سعيا منه وراء ما يجب أن يقع. إنما يتعلم ما يؤدي إلى دماره بدلا من الحفاظ عليه".(ص 135-136) ويكفيه شرفا أنه وجد لإيطاليا "الشجاعة ليصف لها السم كعلاج" وهو كلام يلخص الغرض من كتابة "الأمير" ويلخص مبررات وضعه… إنه كان يتوق لإيطاليا موحدة وقوية ومستقلة… ولمدة 3 قرون ضل فكره مغايرا لما هو سائد. بل إن تأخر تأثيره في نظرنا، إنما يدل على أصالته وسبقه لعصره. والدليل في ذلك أن إيطاليا وألمانيا انتظرت حتى عهد "هتلر" و"موسوليني" لتفهم آراءه بل وتطبقها، ويطبقها بعدها الكثير من الدول والحكام على السواء. لقد كان مكيافيلي نافعا للدول المفككة، مقابل ذلك نفهم السبب من كونه لم يلق ترحيبا في إنجلترا وفرنسا وأمريكا، وهذا له مغزاه الواضح لأنها لم تكن محتاجة إلى فكرة القومية كما كانت تحتاجها دول وقوميات مثل؛ إيطاليا وألمانيا وتركيا… إن من يريد البحث اليوم في الجذور الفكرية والشعبية والتاريخية للدولة القومية الموحدة ولفكرة الجيوش الوطنية، فلابد له من العودة إلى تسليط الضوء وإعادة تقييم المجهود النظري والفلسفي لمكيافيلي ولكتاب الأمير. فكلاهما ألمانيا وإيطاليا احتاجا إلى مكيافيلي لوحدتهما القومية.(ص 33) وقد أبانت التجربتين الإيطالية والألمانية صحة نبوءات مكيافيلي ودواءه الناجع لداء التشتت القومي والسياسي لهما ولما شابههما من الدول. ويمكن القول عموما أن "المكيافيلية" كانت طريقا نحو "القومية"؛ ونجد النماذج لذلك في إيطاليا، ألمانيا، مصر، إسبانيا وتركيا… ثم إن الميكيافليون وأبرزهم الفاشيون الإيطاليون والنازيون الألمان والجمهوريون الإسبان، انتزعوا أفكار مكيافيلي من سياقها الزمني وإطارها المكاني واستعملوها في سياقها المطلق ومن ثم نشأة الدولة الدكتاتورية التوليتارية. ولابد من التفريق في النهاية بين الميكيافلية الحقيقية الصافية والميكيافلية الناتجة عن الفهم والتحليل والتطبيق؛ والتي استعملها البعض لتوافق أهدافهم ومبادئهم وأغراضهم. واستعملتها الدول التي كانت محتاجة لمثل هذا النوع من التأويل لمكيافيلي، وكذلك بعض رؤساء وملوك الدول الذين رأوا في مكيافيللي حلا سحريا وسهلا ومباشرا للسيطرة وضبط النظام وضرب الخارجين عن الحكم… لا يخفى أن كتاب "الأمير" كان صورة مبكرة للنفعية والواقعية السياسية التي فصلت كنظرية في القرن 20م. كما أنه ولا شك أيضا، أن مكيافيلي من خلال كتاب الأمير يعتبر نقطة تحول حقيقية في تاريخ الفكر السياسي العالمي. * الأمير. نيقولو مكيافللي، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، طبعة ليبيا دار الآفاق الجديدة ودار النجاح الجديدة، المغرب، الطبعة 19. هشام عابد – باحث في الفكر الإصلاحي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.