نستطيع أن نهمس فيما بيننا أننا قرأنا صديقنا الملك، وقرأنا أيضا الملك المستحوذ، وننتظر بشغف قراءة "الامير المنبوذ" لمولاي هشام، لكننا نتخوف من أن نصدح بالامر، قلة هم أولئك الذين يقتطفون فقرات من هذه الكتب وينشرونها في كتاباتهم أو تعليقاتهم، وحين ننظر إليهم نراهم في الشكل معارضين، لكن في المضمون هم يشبهوننا كثيرا بفرق بسيط هو أنهم يؤمنون بما يبوحون به. لقد إلتهم عشرات الالاف مقتطفات "الامير المنبوذ" في صمت، كما يلتهم الخبز الساخن الذي خرج لتوه من الفرن، ومنذ أن نشرت المقتطفات على المواقع والجرائد أصبحت مادة دسمة، بل إن الكتاب أصبح مادة دسمة للكُتاب من عنوانه فقط، وهذا ما يبرز أن المغاربة يودون معرفة أي شيء يتعلق بملكهم، وكل كلمة تنشر حوله، لكن يبقى السؤال الاهم هو. لماذا نقرأ هذه الكتب ونلتهمها وفي بعض الاحيان نعيد قراءتها؟ وهل نصدق ما تأتي به أم أننا نقرأها فقط على سبيل معرفة ما تأتي به من جديد، في حياة ساكن القصر؟ المتعارف عليه أن كل ممنوع مرغوب، وأن الانسان بطبيعته يثير فضوله كل شيء يلفه الغموض، لذلك نحن دائما نبحث عن أي جديد نقرأه في موضوع الملكية، نود أن نعرف أكثر عن الملك، أن نرى صوره غير الرسمية، أن نرى قصره من الداخل، كيف يعيش الملك وسط أسرته؟ ما الذي يفعله حين يستيقظ من النوم؟ هل يقرأ الصحافة المغربية؟ كيف يتعامل مع مستشاريه؟ كيف يتعامل مع أبناءه؟.... هذا الفضول ليس لدى المغاربة فقط، بل هو شيء طبيعي لدى الانسان، والمثال عليه بسيط، هو أن الالاف من الناس يلجون يوميا قصر "بلاسيو دي أورينتي" بمدريد، ليروا سرير الملك ومطبخه وصالونه والكراسي التي كان يجلس عليها، فهم أيضا يريدون أن يعرفوا على ماذا يجلس الملك الاسباني وأين يقرأ الجريدة، وأين يلعب مع أطفاله، وأين يشرب الشاي في المساء.
البروتوكول والتقاليد العلوية سبب رئيسي في الغموض الذي لا يشبع فضول المغاربة
المساهم الرئيسي في شغف المغاربة بقراءة أي كتاب ينشر حول الملك، هو طوق السرية والغموض الذي يلف حياة محمد السادس داخل المغرب، حيث يمنع على أي مواطن أن يصور الملك في الشارع خلال زياراته للمدن، بينما يقع العكس في زيارات الملك لدول أجنبية، حيث يتم إلتقاط الصور معه من طرف المغاربة أو غير المغاربة في الشارع العام، ويكتشف المغاربة الوجه الآخر لملكهم عبر الفايسبوك وليس عبر وسائل الاعلام سواء العمومية أو الخاصة، حيث يتم نشر الصور الملتقطة عبر الفايسبوك، والمرة الوحيدة التي إلتقى فيها المغاربة بملكهم المواطن، كانت حين زارت مجلة نساء المغرب القصر الملكي وإلتقطت ألبوم صور خاصة لحياة الملك وأسرته الصغيرة. السبب الرئيسي وراء هذا الغموض، يبقى هو البروتوكول والتقاليد المتبعة منذ عشرات السنين أو أكثر، وهي تقاليد توارثها سكان القصر سلطان عن سلطان وملك عن ملك، وهي التقاليد التي رفضها الملك وبدأ في تكسيرها تدريجيا حيث تعاقبت عدة أحداث أظهرت أن الملك محمد السادس بدأ ينهي عهد البروتوكولات والتقاليد التي تبعده أكثر عن الشعب، إذ كان أول ملك في تاريخ المغرب يحتفل بزفافه مع المغاربة، ويتعرف الشعب على زوجته التي أصبحت بعد زواجها تشارك في الملتقيات الدولية والاعمال الخيرية عكس الصورة النمطية لزوجة الملك التي كانت أم لملك المستقبل، لكن تكسير التقاليد يجري ببطئ كبير، في مقابل الزحف الاكبر للكتب المسيئة للملكية. ورغم كل ما قدمه الملك في مجال تعرف المغاربة عليه أكثر وتقربهم منه، وهو أسلوب متبع من قبل الانظمة في العالم خلال بداية المصالحة بين النظام والشعب، حيث يحاول النظام تكسير الهوة وإغلاق الفجوة بينه وبين شعبه، إلا أن المغاربة لازالوا في حاجة إلى معرفة المزيد عن ملكهم وهو ما يجعلهم يقرؤون ما يكتبه الآخر.
هل المعلومات الواردة في الكتب التي قرأناها عن الملك صحيحة؟
الاجابة عن السؤال ستكون بالنفي، لأننا سنطرح سؤال آخر والاجابة عليه ستقودنا إلى معرفة ما إذا كانت المعلومات الواردة في هذه الكتب صحيحة كلها أم لا، وهو لماذا كتب هؤلاء عن الملك؟ في كتاب الملك المستحوذ نجد كلام لأشخاص إما يعارضون النظام أو أنهم يريدون شيئا آخر، لكننا لا نجد أي أدلة ملموسة تؤكد الكلام الذي صرح به الاشخاص للصحافيان إيريك لوران و كاترين غراسييه، ويكفي معرفة أن إيريك لوران هو من كتب ذاكرة ملك، لنعرف أن الكاتب الصحفي إنتقل من صديق للقصر إلى عدو للقصر، حيث أشارت بعض المصادر إلى أن إيريك لوران حاول أن يكتب كتاب عن الملك محمد السادس شبيه بذاكرة ملك، وذلك بعدما كانت إيرادات هذا الكتاب كبيرة، ورفعت كثيرا من شعبية الكاتب الصحفي ليحاول إنتاج نسخة ثانية بإسم ملك آخر، وهو ما رفضه الملك، ليقوم الكاتب بشراكة مع كاترين غراسييه بعد مدة بإصدار كتاب تحت إسم الملك المستحوذ، ومن خلال قراءة الكتاب يبدوا أن هناك تحامل كبير وقع فيه الكاتبان، لأنهم حاولوا منذ بدايته إلى نهايته أن يظهروا أن محمد السادس من ملوك القرون الوسطى أو ما قبل التاريخ، والذي يزيح من طريقه أي منافس في أي مجال كان، ولو أن الكاتبان حاولوا التعامل بنوع من الحيادية مع ما كتبوه، وأظهروا مختلف الاراء التي تتحدث عن ملك المغرب، كان الامر ليختلف كثيرا في تصديق أو عدم تصديق ما جاء به الكتاب من معلومات، لكنهم تعمدوا أن يستندوا لآراء طرف واحد خلفياته في التصريحات قد تكون واضحة أو مبهمة لكنها كلها تصب في إتجاه ما يريده الكاتبان، وهو جعل محمد السادس ملك لا ينتمي إلى جيل الاصلاح الذي دعى إليه. إذا كانت خلفيات إيريك لوران واضحة، فلماذا يكتب مولاي هشام عن إبن عمه بالطريقة التي تم تسريبها قبل صدور الكتاب؟
يختلف الامر كثيرا بين إيريك لوران ومولاي هشام، فالاول كاتب يبحث عن الشهرة والمال، والثاني أمير لديه الشهرة والمال، فعن ماذا يبحث مولاي هشام؟ قد تكون الاحداث التي سيتحدث عليها الامير في كتابه حقيقية، وقد تكون الاحداث أضيفت إليها الكثير من البهارات، لكن الامير أذكى بكثير من إيريك لوران، لأنه لم يصور نفسه ملاكا في مواجهة الملوك، بل صور نفسه كمتورط في البداية فيما كان يفعله الحسن الثاني، ليبدوا فيما بعد أنه تاب من هذه الامور، فهو لم يعد الامير المغربي، بل أصبح الأمير المنبوذ كما يصور نفسه، وهو منبوذ لأنه كما يحاول أن يظهر يدافع عن الشعب في وجه الاستبداد. مولاي هشام يقول أيضا في كتابه أن هشام المنذري الذي كان يستغل شخصيته، حاول فيما بعد أن يمنحه صور يبتز بها الملك، لكنه رفض ذلك، في إشارة إلى أنه غير مبتز. وهنا يوضح الامير عن نفسه أنه قام بقطيعة نهائية مع الماضي، وأنه شخص لا يحاول إبتزاز الملك، فهو التائب من كل الالاعيب التي تعلمها على يدي الحسن الثاني، لذلك يكتب. هل من أجل هذا فقط يكتب الامير مولاي هشام سيرة حياته التي يعتبر نفسه فيها منبوذا؟ بالتأكيد لا، لأن ما يفعله الامير الاحمر هو الحديث عن أسرته وعائلته بأكملها، يتحدث عن والده عن شقيقه وعمه وإبن عمه، كلهم سيئون في كتابه حسب التسريبات، وهو كان ضحيتهم الكبرى. هذا ما يحاول الكتاب أن يقوله، وهو بالطبع ليس للاستهلاك المغربي، الكتاب غير موجه للمغاربة، بل هو موجه للفرنسيين والاوروبيين والعالم أجمع إلا المغاربة، فهو كتب بالفرنسية وطبع في دار نشر فرنسية وسيوزع في فرنسا، وقد يقول قائل أن الكتاب لا يمكن نشره في المغرب، والاجابة هي أن الامير لو كانت لديه رغبة في أن يقرأه المغاربة لكتبه بالعربية ونشره عبر الانترنت مادام الربح المادي لا يشكل لديه هاجسا، وبذلك سيقرؤه العالم العربي، لكن الاساس من الكتاب هو أن يقرأه الغرب، ونعود للسؤال، لماذا الكتاب عن ملك المغرب وموجه للغرب كسابقيه؟ الامير يعرف أن كتابه إذا ما نشر بالعربية فإنه لن يحدث أي مشكل للملكية بالمغرب، أما إذا كان باللغة الفرنسية وبعدها الانجليزية، فإن سيحاول ترسيخ الصورة التي جاء بها كتاب "الملك المستحوذ" لدى الفرنسيين والعالم الغربي، وبالطبع سيجعل الملكية تخسر نقاطا لدى الغرب فازت بها كملكية نموذجية في العالم العربي، بالاضافة إلى تلميع صورة الامير لدى الغرب، بكونه أمير خلع نفسه من دائرة الحكم لينزل إلى الشارع ويدافع عن المواطنين. فالغرب ينظر إلى مملكة محمد السادس كنقيض لمملكة الحسن الثاني، وهذا أمر تبنته كبريات المنابر الاعلامية العالمية، ونشر الكتاب في هذا التوقيت الذي يأتي بعد جولة الملك في إفريقيا، وفي وسط أزمة مغربية فرنسية، قد لا يكون بريئا.
الملكية وتجاهل الاساءة الامير الاحمر يعي جيدا أن الملكية وإن إحتوى كتابه على الكثير من المغالطات لن تتحرك، ولن ترد عليه، لأنه أدرى من الجميع بأسلوب وطريقة تعامل النظام مع ما ينشر في الصحف أو الكتب خارج البلاد، حيث تمنع من التداول داخليا، ويتم تجاهل ردود الفعل الخارجية، ولنفرض جدلا أن النظام سيرد بطريقة مباشرة، هذا بالفعل سيخدم الامير هشام أكثر من غيره، لأنه سيكون أول من إستطاع تحريك النظام الجديد للرد عليه، وهو أمر شبه مستحيل، لذلك فالامير يعرف مسبقا ما سيحدث بعد نشر الكتاب وتداوله في الاكشاك والانترنت. وبما أن كتاب إيريك لوران ليس الاخير، وكتاب الامير مولاي هشام لن يكون الاخير بطبيعة الحال بما أن الملكية المغربية دون غيرها من باقي الملكيات تشكل مادة دسمة يتهافت عليها الجميع، فإن النظام إتبع أسلوب "خليهوم يغنيو" مادامت الكتب التي نشرت لم تلحق أي مشاكل بالملكية المغربية، وتنتهي جعجعتها بمجرد الانتهاء من قراءة الكتاب. إلا أن القارئ المغربي الذي تصله هذه الكتب يقع في حيرة كبيرة من أمره، هل يصدق ما تقوله الكتب، أم يصدق ما تراه عيناه عن الملك، هذه الحيرة دائما لا تتبدد وتبقى عالقة في الذهن، ما دام الاشخاص المكلفون بالتواصل داخل القصر يكتفون بالبلاغات ولم يحاولوا يوما إيجاد طريقة مثلى لتواصل الملك مع شعبه بالطريقة المناسبة، لأن هناك مبدأ في علم التسويق يؤكد على أن النظرة الاولى تدوم، إضافة إلى أن تكرار المقولة أو الاشهار أو الادعاء يرسخ لدى ذهنية المتلقي على أنها الحقيقة الفعلية التي لا تقبل الجدال.