اليوم يوم حداد وألم في أوساط الأدب الإسباني عقب الإعلان عن وفاة الأديب الإسباني المرموق ميغيل دليبس في مسقط رأسه فلادوليد أو بلد الوليد كما كان يسميها أجدادنا. وأنا شخصيا لا أميل إلى المجاملة أو حتى التأدب في مجال الأدب والفن، غير أنني أؤشر على الكلمة، الأديب المرموق. فهو عندنا من أحسن الأدباء وأكثرهم عمقا ونفاذا إلى الروح الإنسانية. وقد طبعتني شخصيا روايته "الطريق" التي يحكي فيها عن صبي إسمه دانييل بين مراتع الصبا وهواجس المراهقة، بأسلوب رائع. وقد كانت هذه الرواية مقررة في السنة الأولى من الجامعة، غير أنني قرأتها في المرحلة الثانوية، وكان بعض زملائي يحفظون فصولا كاملة منها لأننا رأينا فيها أنفسنا كأننا نخاطب مرآة تجمل كل ما عشناه في طفولتنا. وبعد ذلك، لما جئت إلى إسبانيا للدراسة العليا، اقتنيت باقي مؤلفاته مثل "ابني المعبود سيسي" و"يوميات صياد" و"الفئران" ورائعته "خمس ساعات مع ماريو". كما شاهدت أفلاما مقتبسة عن رواياته مثل "القديسون الأبرياء" من بطولة الراحل فرناندو رابال. والمثير في الأمر هو أنه لم يتصادم مع نظام فرانكو بشكل كبير على الرغم من كون رواياته تتحدث بقسوة في بعض الأحيان عن أحلك مظاهر البؤس من واقع الأرياف في كاستيا وليون في روايات مثل "الفئران" و"القديسون الأبرياء". إضافة إلى ذلك، فهو كاتب "مندمج" وكتبه جذابة وخفيفة الظل. الدليل على ذلك أنه يستحيل إيجاد مؤلفاته في متاجر الكتب المستعملة، وإذا توجه المرء إلى المكتبات، فسيجد أن الطلب على كتبه يشبه الكراسات الدراسية، حتى أن بعض أصدقائي قال لي أن الكثير من الأسر الإسبانية تورث رواياته جيلا بعد آخر. وفي الأخير، هو كاتب يظهر بالملموس أن جائزة نوبل للآداب تدين أصحابها أكثر مما تنصف إبداعهم، نظرا لكثرة المعطيات غير الفنية المعتمدة لمنحها. ولم أفهمه قط سر عدم منح هذه الجائزة لدليبس. على أية حال، وكما يقول المصرين "اللي خلف ما ماتش"، وأنا أضيف "اللي كتب ما متش"، ولربما سيساهم موت هذا الكاتب العظيم في إعادة اكتشاف مؤلفاته.