"مرحبا في الجبهة الوطنية"، عنوان عمل صحفي في كتاب لصاحبته اكلير شوكايليني، كذب جميع القراءات التي تتردد اليوم أن الجبهة الوطنية ممثلة اليمين المتطرف في الساحة السياسية الفرنسية لم يعد كما كان، وهو ما ظلت تحاول تسويقه زعيمته الحالية مارلين لوبان. وتوصلت الصحافية الفرنسية إلى خلاصة وهي أن هذا الحزب عقيدته الوحيدة هو كره كل من هو أجنبي. نجحت صحفية فرنسية في اختراق صفوف حزب الجبهة الوطنية بمنطقة "ليهو دو سان" بضواحي باريس لمدة ثمانية أشهر، بهدف كشف حقيقة أفكار هذا الحزب، المحسوب على اليمين المتطرف من الداخل، خصوصا بعد أن تفوقت ابنة زعيمه التاريخي و المرشحة اليوم لانتخابات الرئاسة، مارين لوبان، في تلميع صورته. و يحسب لمارين لوبان أنها سوقت صورة جديدة حول منظمة أبيها السياسية التي ورثت عنه زعامتها، نازعة عنها ما عرف في السابق، من خلال صورة أبيها، من تهجم و عبوس و "تكشير عن الأنياب"، عندما كان جان ماري لوبان على رأسه، حتى أن وسائل الإعلام استأنست مع ابتسامتها، التي يجهل الكثيرون ما تخفيه خلفها، ولم يعد هناك مشكلة في الجلوس معها. لقد تمكنت هذه المحامية من أن تجعل من منظمتها السياسية، إعلاميا بالتحديد، حزبا كباقي الأحزاب، والاختلافات التي تحكمه مع التنظيمات الأخرى، هي اختلافات في البرامج، إلا أن الكثير من المراقبين ظلوا يؤكدون أن ازدواجية خطاب اليمين المتطرف في الفترة الحالية أكبر بكثير من الفترة السابقة التي عرف بها والدها، جان ماري لوبان، بصراحته في التعبير عن الأفكار المتشددة والمتطرفة. صاحبة كتاب "مرحبا في الجبهة"، الصحافية كلير شوكايليني، التي حاولت إيلاف الاتصال بها دون أن تتمكن من ذلك، تمكنت بالاعتماد على أدواتها الصحفية من التأكيد على أن هذا الحزب لم يتغير، والأيدلوجية الوحيدة التي يعتنقها أتباعه هي العداء للآخر و رفضه، لاسيما المهاجرين و المسلمين. ثمانية أشهر في كواليس الجبهة الوطنية تفرغت كلير شوكايليني مدة ثمانية أشهر لهذا الحزب في إطار مهمة صحفية محددة، ستحملها ليس للوصول إلى نتيجة بعينها، و إنما لتأكيد أن الأفكار التي تجمع مناضلي الجبهة الوطنية لم تتغير، و كل ما حدث أن الحزب انتقل من ملكية الوالد إلى نجلته، وتغيرت إلى حد ما الصيغة لكن جوهر الأشياء لازال كما هو. اختارت شوكايليني إقليم "ليهو دو سان" بضاحية باريس للانضمام إلى هذا الحزب بهوية مزورة، حيث أدت واجب الانخراط فيه عبر الانترنت لتلتحق بصفوفه، و ادعت أن مهنتها كاتبة عمومية، كما غيرت لون شعرها و خلقت لنفسها حسابا كناشطة في الجبهة على الفايسبوك. و الغريب في الأمر أنها تسلقت مراتب المسؤوليات الحزبية خلال الفترة الوجيزة التي قضتها فيه كناشطة مزورة، بل أن التنظيم عرض عليها التقدم للانتخابات التشريعية المقبلة باسمه، نظرا لافتقاره لأطر بالمنطقة يمكن له تقديمها في هذه الانتخابات. كل ذلك تبينه في كتابها الذي أحدث ضجة كبيرة في الأوساط الإعلامية و السياسية الفرنسية "مرحبا في الجبهة...صحفية مخترقة"، زيادة على هدفها الأساسي من هذا العمل كله، أي تقديم الدليل على أن الجبهة الوطنية تبقى عقيدتها سواء مع جان ماري لوبان أو نجلته مارين لوبان العداء لكل ما هو أجنبي أو من أصول أجنبية. "مرحبا في الجبهة" تكتشف كلير شوكايليني، بحسب ما تستعرضه في كتابها، حزب تنخره "الإسلاموفوبيا، العنصرية و معاداة السامية"، و تعتبر ذلك "الأصل التجاري لهذا الحزب"، "حزب لا يُحب السود، الأجانب أو المسلمين..."، و هذا بالنسبة لمنخرطيه "رأي كما باقي الآراء"، تكتب هذه الصحافية. استراتيجية إضفاء صورة جديدة على الجبهة الوطنية، التي اعتمدتها مارلين لوبان منذ خلافة أبيها، هي فقط للتسويق الإعلامي، إذ تلمس ذلك هذه الصحافية في الاجتماعات الداخلية لهذا الحزب حيث "تغص بجميع أشكال الإسلاموفوبيا و العنصرية". تقول شوكايليني في استجواب لها مع صحفية لوفيغارو إنها أرادت أن تتجاوز الحاجز الموجود بينها كصحافية و عناصر الجبهة الوطنية لمعرفة الطريقة التي يفكرون بها بعيدا عن الخطاب المصطنع الذي يتحدثون به إليك كلما علموا مسبقا بهويتك الصحفية. كما أنها سعت لأن تفهم "لماذا اختاروا هؤلاء هذا الطريق؟.كيف وصلوا اليوم إلى أنهم يريدون التخلص من المسلمين، إنعاش الأفضلية الوطنية، الاعتقاد أن اليهود يتآمرون لأجل السيطرة على العالم"، تقول صاحبة الكتاب. و أخطر ما تطرقت إليه في كتابها أن مسؤولا عن الحزب المذكور، وهو خليفة لرئيس المجلس الإقليمي لمنطقة "لي هو دو سان"، أسر إليها أنه يكون جد حذر في توزيع السكن الاجتماعي عندما يتعلق الأمر بطلب أصحابه عرب، و هو ما دعا الاشتراكيون في المنطقة نفسها للمطالبة بجره إلى العدالة بتهمة التميز العنصري في توزيع السكن. فورست: الاختراق يعد الوسيلة الوحيدة . الباحثة و الصحافية كارولين فورست تقول عن هذا العمل:إنه "يضيء الرؤية وممتع في قراءته"، مذكرة في الوقت نفسه بوجود عمل مماثل يعود إلى سنوات الثمانينات من توقيع آن ثريسثان. و تعلق فورست، مصرحة لإيلاف، على الكتاب "كان واضحا أنه من الضروري العودة إلى كواليس هذا الحزب، نسخة مارين لوبان، لنلاحظ إن كان تغير أم لا.أعرف أن بعض الصحافيين لا يجرؤون على ذلك، عموما لأنه لم يسبق لهم أن عملوا على حركات متطرفة حول اليمين المتطرف أو الإسلاميين" و تتابع صاحبة كتاب "في كواليس مارين لوبان" ، الذي وقعته إلى جانب الباحثة افياميطا فيلير، أن "الاختراق يعد في بعض الأحيان الوسيلة الوحيدة لإفشال عمليات التسويق الإعلامي التي تحاول من خلاله هذه الحركات أن تخدع العالم الخارجي، و بالتالي الإخبار حول طبيعتها الحقيقية". و حول محتوى "مرحبا في الجبهة"، تضيف الناشطة في محاربة الحركات المتطرفة، أنه"يظهر، رغم تجديدات واجهة الحزب بقصد التمويه، النقطة، التي توقد حماس قواعد الجبهة الوطنية لصاحبتها مارين لوبان، هو الحاجة إلى المرح من خلال تصريحات عنصرية و كره الآخر...". و أوضحت فورست أن تمسك نشطاء هذا التنظيم بهذه الواجهات "قد يصل إلى مستوى أن يكون هزليا، إذا لم يحمل الحركة إلى مستويات عليا في سلم استطلاعات الرأي، بفضل موهبة رئيستهم في التمويه عليهم". و تؤكد على "أهمية عدم الاكتفاء بمد الميكروفون للجبهة الوطنية، و إنما القيام بعمل تحليلي و تحقيقي للكشف عن مجموع كواليسه و في النهاية مشروعه"، في إيحاء منها للعمل التسطيحي الذي يقوم به الصحافيين عند معالجتهم لأيديولوجية هذا الحزب.