قبل العالم البنك الإسلامي بعد الأزمة الاقتصادية العالمية، ويقبل تجريب الإسلاميين بعد الربيع العربي، وفي الحالتين الإسلام أمام الاقتصاد والسياسة لإدارة تحول ليبرالي راديكالي باسم الدين في دولة نصف ديمقراطية كحالة المغرب ! الرباط تجرب، في نظر متابعين، ومن وجهة نظر آخرين، تعمل كي تستهلك الإسلاميين في ربيع أطلقه الأحرار في الشوارع. لقد سلم الملك محمد السادس السلطة للإسلاميين بعد ربيع ديمقراطي حملهم إلى صناديق الاقتراع، كما فعل أبوه الحسن الثاني مع الاشتراكيين بعد غياب السوفيات، وظهور ربيع ديمقراطي في كل أوروبا الشرقية. مباشرة بعد محو الدولة السوفياتية حكم الاشتراكيون المملكة، وبعد محو دولة طالبان وانتقال الحرب على الإرهاب إلى حرب الأفكار – بتعبير رمسفيلد – يدير الإسلاميون العالم العربي بعد الربيع العربي. هذه الموجات محسوبة عند الشعوب الأصيلة التي تحسب تراجع الآخرين فتقدم لهم فرصة محسوبة تستوعب من خلالها كل حساسية جديدة في وقت معين. الفرصة ليست ساحرة، ولا تمثل " المعجزة "، فمشاكل هذه الشعوب الأصيلة أو التي تعتمد على استثنائيتها في التاريخ والواقع، مشاكل عميقة، لأنها لا تؤمن بالكفاءة والمعجزة، ولا تقرأ نفسها كاملة. إنها دولة مغربية لشعب مغربي، أو شعب يستخدمه نظام مغربي، في كل اتجاه ليحتوي دعوات تغييره، أو إسقاطه. ويبدو أن هذه النظرة تحمل مع ذلك، بعض التفاؤل، لأن بوليفيا اجتازت مختبرها وربحت ديمقراطيتها من خلال نفسها، فهل يمكن للمغرب أن يربح مستقبله عبر مغربيته فقط ؟ سؤال محير، يجيب عنه إيفو موراليس بالإيجاب، إن قرر الشعب ذلك، وفي قراءتنا لوضع بوليفيا يتضح الأمر، عندما ندرك أن اليسار الحكومي نجح في انتقال الدولة، تماما كتجربة الاتحاد الاشتراكي في بلادنا، حيث انتقل النظام في عهده إلى ملك آخر، ولم تنتقل الدولة إلى دولة ثانية أو ملكية ثانية. وفي المسار البوليفي وجدنا أن نفس اليسار يسقط في الانتخابات ويعود إلى الحكم، وفي هذه اللحظة قرأ الجميع ما دعي " المعجزة البوليفية ". أكسب اليسار المتصالح مع النظام ربحا خالصا للتاريخ السياسي الحديث، في إطار عولمة تطغى على المحيط. هذه الخلاصة لأندرياس تسولاكيس (1) تكشف معاني: أ- أن يدافع اليسار عن النظام بقدر دفاع الإسلاميين عن المجتمع، فيقود الأول تحولا ما في داخل منظومة النظام، ويذهب الثاني إلى تحول اجتماعي للديمقراطيين، فالمسيحيون الديمقراطيون دمقرطوا المقدس وعلى هذا الأساس أطروه وحددوا ديناميته، على أن اليساريين أتوا إلى الحكم للحد من الديكتاتورية في النظام السياسي. ب- تناوب الإسلاميين واليسار سيحسم مع اللوبيات المجتمعية ولوبيات النظام من أجل انطلاقة أخيرة للديمقراطية، لا يمكن أن تنتكس. هذا البعد العملي بين اليسار المتصالح مع الدولة والديمقراطيين المتدينين، يكشف عن حالة استقرار داخلي. ت- أن يعمل اليساريون والإسلاميون في الحالة المغربية على حل الأزمة الاقتصادية، وإلا ذهب المغرب إلى درجة يكون فيها وضع كل حزب لعملاءه في جهاز الدولة، وتصبح الحرب بين السابقين واللاحقين. لقد تجنبت بوليفيا هذه الآفة، لأن التمرد ساهم في صنع الديمقراطية رغم أنف النظام، وحل مشكل الصحراء يمثل وصول النظام إلى مرحلة نهائية من الديمقراطية، غير مشكوك فيها المغرب بين خيارين: البوليفي أو الكولومبي الذي انتصرت فيها المافيات على النظام. وقد يقع في نموذجه على أساس واحد : انتصار النظام في داخله على حالة اللانظام. ما يشكله الزبناء والعملاء خطر حقيقي على كل نظام سياسي، فالديمقراطية جزء من الأمن الحيوي والاستراتيجي الذي يعرفه الديكتاتوريون، فيكونون ضحايا محتملين للتاريخ أو للشعوب. الرؤية النظرية لتسولاكيس تذهب في غير ما سقط فيه جيفري ويبر، حيث قال الأخير بمقومات تعطيها اللوبيات للنظام، لكن الانتقال إلى الإصلاح يفرض سياسات لن يديرها سوى النظام الأصيل – ذي الشرعية التاريخية – أو الشعب الأصيل. من المهم أن نقرأ التاريخ بشكل جيد، وأن نثق أن الدولة إن ربحت رهاناتها ربح النظام حياته، وإن فشل النظام لا تموت الدولة، بل تجيب على الفوضى التي تركها سقوط نظام معين. المغرب في تجريبه يعيش حربه الداخلية على الفساد، كما يقرر مصيره في إطار إصلاحات ليبرالية عميقة، وجذرية في بعض الأحيان، يتم تأصيلها عبر الدين، من أجل الحسم مع نصف الديكتاتورية الباقي، والمحافظ طبعا. قد يعرف المغرب ضعفا في حركته الاجتماعية مستقبلا، لكنها قد تذهب نحو تجديد الحركة النقابية التي قتلها حكم اليسار في المرحلة السابقة، وتجديد فكرة النضال السياسي في مقابل النضال المجتمعي مرتكز الحركة الإسلامية. انتصار المحافظة على اليسار في 2017 سيكون تحولا آخر للمغرب نحو تقدميته وإدارة الأوضاع بطريقة مختلفة وحاسمة، لأن حسابات النظام تسبق حسابات الدولة في المملكة الشريفة ! وهذا الاختلاف قد يؤدي إلى صدمة إن لن تتقدم الديمقراطيات بشكل جذري في المغرب، وبطريقة ليبرالية. مراجع المقالة: 1- Andreas tsolakis، the reform of the bolivian state ، lynne publisher، bulder ( colorado ) 2011. 2- Jeffery R.webber. from rebillion to reform in bolivia. Haymarkets chicago، 2011. عبد الحميد العوني