أجوبة للمتسائلين حول ماهية "حالة الاستثناء" بالمغرب الفصل 59 من الدستور هو ترجمة لنظرية تعرف في الفقه الدستوري بنظرية حالة الاسثناء، و العديد ممن طرحوا التساؤلات قد جانبوا الصواب لكونهم يفهمون دستور 2011 بمنطق الدساتير السابقة، والحال أن التعاقد الدستوري الأخير غير في المبنى والمعنى، يقتضي معه التسلح بزاد نظري و معرفي بعيدا عن الفهم الكلاسيكي الذي بات لا يتلائم مع الواقع ، فالفصل أعلاه أوكل لرئيس الدولة إمكانية تفعيله، بالنظر لاعتبار شخص الملك هو ضامن دوام الدولة و السير العادي للمؤسسات، و هو ما يعبر عنه في الفقه الدستوري بمفهوم "السلطات الكاملة"، تخول لرئيس الدولة تعليق بعض الفصول الدستورية، دون أن يشمل ذلك حل البرلمان او التضييق من الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور. فحالة الاستثناء تتخد شكلًا قانونيًا؛ الغاية منه التمكين من إعادة "نقطة اختلال التوازن بين القانون العام والواقع السياسي". 1 حراك الحسيمة هذا الاختلال في التوازن كشف حراك الحسيمة وما رافقه من حركات احتجاجية، تنصل منها الجميع وجعلت السلطات العمومية تجد نفسها وجها لوجه أمام الشارع. وما عرفه المجلس الوطني لحقوق الإنسان من جهة و مؤسسة الحكومة من جهة أخرى بحيث عجزت في القيام بمهامها، و الكل بدأ ينتظر تدخل المؤسسة الملكية لحسم المشكلة. 2 الوفاء بإلتزامات المغرب تجاه أفريقيا. لقد بدل مجهود جبار للعودة لأفريقيا هذه العودة لها مزايا اقتصادية و تأثير على قضية الوحدة الترابية، و يستوجب تنزيل كل الاتفاقيات ،فاعلية مفتقدة في الحكومة الحالية التي تعرف تضاربا بين الأطراف المشكلة لها. في وقت يفترض فيه متابعة تنفيذ هذه الاتفاقيات، لكونها تعكس جدية الدولة المغربية، في تنفيذ الاتفاقيات و المردود الاقتصادي لهذه الاتفاقيات على مستوى الاقتصاد الوطني، من حيث التجارة أو الاستثمار أو النمو الاقتصادي؛ بالنظر لتأثيراتها الإيجابية بشكل مباشر في الشغل والتنمية الاجتماعية. وعلى القضية الأولى للمغرب و المتمثلة في قضية الوحدة الترابية، و هنا يمكن الرجوع لخطاب الملك التاريخي الذي ألقاه في أديس أبابا في أثيوبيا بمناسبة عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، أن المغرب "يملك نحو ألف اتفاق تعاون مع معظم الدول الإفريقية جنوب الصحراء"، مشدداً على "الالتزام بالتعهدات تجاه القارة". 3 تعطيل آليات الرقابة لإثارة المسؤولية السياسية كشف واقع الحال أن الطبقة السياسية عموما طبقة هشة، وهشاشتها تفسر واقع الانشطار، بين الفرقاء السياسيين وداخل القواعد الحزبية، حال دون لعبها دورها الأساسي كواسطة بين الدولة و المجتمع. وكان العنوان البارز للمرحلة ،خاصة في حراك الحسيمة و في العديد من القضايا أنها تتقاذف المسؤولية، و واقعة الحسيمة أظهرت أن الحزبين الكبيرين يتشاركان في المسؤولية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في مشكل الحسيمة، سواء المصطف في الأغلبية او الاخر بالمعارضة التي تشرف على الجهة، وتسييس القضية عطل آلايات الطبيعية لتحريك المسؤولية السياسية فعجز البرلمان بغرفتيه عن تشكيل لجان تقصي، بسبب الصراعات داخل الأغلبية و المعارضة مما يحول دون تحريك المسؤولية سواء منها الفردية بالنسبة لأعضاء الحكومة، أو الجماعية بالنسبة للحكومة ككل. لم تملك فرق الأغلبية و لا المعارضة طرح مسألة حجب الثقة للتصويت، و رئيس الحكومة، بدوره غارق متأثر بالانقسام الذي يعرفه البيت الداخلي للعدالة والتنمية، مما جعله يلوح بامكانية تقديم استقالته . هذا الوضع جعل الملك يتدخل بوصفه رئيسا للمجلس الوزاري و يأمر وزير المالية و الداخلية داخل المجلس الوزاري بتشكيل هيئتين للتفتيش ، و التي من المنتظر أن تكشفا على التحقيق، نتائج التحقيق من دون شك سيكون لها تأثير على الحكومة و المعارضة. إن استمرار هذه الوضع يحد من فاعلية الحكومة، أحزاب فاقدة للوعي و المسؤولية، و استثمار الوضع يؤدي إلى خطر مؤسساتي، و حالة الاستثناء يمكن أن تعطي الفاعلية و تهيئة أفضل الظروف لإنجاح هذا الورش وإتمامه في آجال معقولة، لتعزيز الطابع المؤسساتي، و تحقيق التضامن بين الجهات يقلص من التفاوتات الاجتماعية والمجالية. يبقى الاختصاص الدستوري للملك في إعلان حالة الاستثناء، باحترام للشروط الشكلية التي نص عليها الدستور. السؤال الثاني لماذا سيبقى البرلمان؟ إن المشرع الدستوري عمل على إلزام بإبقاء البرلمان و عدم حله "أثناء ممارسة السلطات الاستثنائية"، وفق ما تتضمنه الفقرة الثانية من الفصل 59، وطرح السؤال حول سبب بقاءه ناجم عن الخلط الذي يتعرض للبعض بين حالة الاستثناء في دساتير السابقة و دستور 2011، فالمشرع الدستوري، منع الربط بين حالة الاستثناء وحل البرلمان و شددد على الحريات الأساسية لتكون مرحلة الاستثناء لا تناقض مع سمو و سيادة القانون ، كما أن الفصل نفسه يوضح ذلك بشكل لا لبس فيه. والغاية من منع حل البرلمان جعل حالة الاسثناء تتم في إطار سيادة القانون كشرط أساس لعمل مختلف مؤسسات الدولة . و لا يعدو إعمال هذه الحالة أن يكون في تعليق بعض الفصول الدستورية كالفصل 47 على سبيل المثال لا الحصر. الغاية من تعليق بعض الفصول تمكين رئيس الدولة من مواجهة ظروف تعيق السير العادي للمؤسسات، التي كان من المفترض أن يؤدي إلى بلوغ الحقوق الدستورية الجديدة المنصوص عليها في التعاقد الدستوري، و العمل على وقف الاختلالات التي تحول دون توطيد المؤسسات الدستورية وفق الأصول الديمقراطية، وأولها المؤسسات و مؤسسة الحكومة المسؤولة و المتضامنة، و الفاعلة بشكل يتلاءم مع نظرية في القانون والتقاليد الديمقراطية. السؤال الثالث : تحديد توقيت حالة الاسثناء لقد كان المشرع الدستوري ذكيا عند تنصيصه على أن " ترفع حالة الاستثناء بمجرد انتفاء الأسباب التي دعت إليها، وباتخاذ الإجراءات الشكلية المقررة لإعلانها." يعود سبب ذلك أن من تحديد توقيت معين هو ضرب في المستحيل على اعتبار أن المشرع لا يمكن أن يتنبأ بكل الاجل، فهو يمنح السلطات التقديرية لرئيس الدولة لإعادة الأمور إلى سيرها العادي. و فور بروز معالم رجوع الأمور إلى أحوالها العادية و انتفاء الأسباب التي دعت إلى أعمال حالة الاسثناء. السؤال الرابع، الحريات الأساسية نص الفصل ذاته على ما يلي "تبقى الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور مضمونة." للذين يروجون بكون حالة الاستثناء هي حالة الحكم المطلق عليهم تدبر في هذه الفقرة من الفصل 59 الذي يضمن الإبقاء على الحريات الأساسية، بحيث تتم حالة الاستثناء في ظل الحريات العامة، و التي تمثل ضمانا قويا للحريات، كترجمة الخيار الديمقراطي، لهذا فحالة الاستثناء تكفل فيها الحريات العامة وحقوق الإنسان ، و ضمانات للحريات الشخصية والحياة الخاص لكل مواطن، بالإضافة إلى الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية التي تكفل للمواطنين ممارسة الحقوق السياسية. *باحثة في القانون الدستوري وعضو مكتب الوطني للشبيبة الاتحادية