خاص- أنا المغرب أضحى حضور المرأة اليوم بارزا في كثير من المجالات الحيوية للمجتمع المغربي كمجال السياسة و التعليم و الاقتصاد و الطب و القضاء و التجارة و كذالك بعض المجالات التي كانت في الماضي حكرا على الرجل كالمهن التي تتطلب أحيانا مجهودا جسديا مثل الميكانيكا و كثير من التخصصات الصناعية. و اليوم كذالك، فالمرأة المغربية هي طرف أساسي و ايجابي في الحركة الاحتجاجية التي تقوم بها مجموعات الأطر العليا المعطلة بالرباط بصفة عامة و المجموعة الوطنية بصفة خاصة. فالنساء المعطلات، مثلهن مثل أشقائهن الرجال، قد التحقن بالمجموعات للدفاع عن حقوقهن المشروعة و المتمثلة في الإدماج المباشر في الوظيفة العمومية. و قد جئن للنضال أمام البرلمان و المؤسسات الحكومية بعد أن أقنعن عائلاتهن أو أزواجهن، كما أنهن تجشمن الصعاب المتمثلة في البعد عن الرباط بحيث أن الكثير منهن يأتين من قرى نائية و مدن بعيدة مثل وجدة و طنجة و أكادير و ورززات و فاس...الخ، و كذالك في المصاريف الثقيلة التي يتطلبها السفر و الكراء بالرباط، ناهيك عن الأتعاب و المشاق التي يتكبدنها خلال أيام النضال و الاعتصام. لقد قضت المعطلات سنوات من التحصيل العلمي، و أنهين تحصيلهن بالنجاح الذي يؤهلهن لدخول عالم العمل و المساهمة بإيجاب في تطوير البلاد بما اكتسبن من مهارات علمية و تجارب مهنية، و ها هن اليوم وجدن أنفسهن في الشارع يناضلن من أجل حقهن في الشغل. لقد ظنن أن بعد حصولهن على الشهادات العليا سيجدن الوظيفة الموافقة لهذه الشهادات بسهولة، لكن للأسف اصطدمت أحلامهن و متنياتهن أمام واقع صعب و مرير، فلم يجدن بدا من المجيء إلى الرباط حيث رابط و يرابط حتى اليوم مئات من المعطلين مقتنعين اقتناعا راسخا بأنه الطريق الوحيد الذي بقي لديهن، و كذالك لباقي المعطلين، لحل مشكل عطالتهن. و يمكن الإشارة هنا أن المعطلات و المعطلين قد اجتازوا عدة مباريات دون جدوى كما أنهم بحثوا عن الشغل في القطاع الحر لكنهم لم يطمئنوا له بشكل كامل لأسباب عديدة منها عدم وجود فرص للشغل أو عدم وجود ضمانات تشجعهم على المواصلة أو ضعف الراتب المقدم لهم كمقابل لعملهم. فليس وجود المعطلات و المعطلين بشوارع الرباط دليلا على الكسل أو عدم كفاءتهم كما يحلو لكثير من الميسورين و أصحاب المناصب التشدق به، بل هو بالعكس دليل على ذكائهم و حسن تفكيرهم في قراءة الواقع المغربي بصفة عامة و واقع الشغل بصفة عامة. فمن المعروف أن معظم الشركات الحرة بالمغرب هي في يد أسر ثرية مهيمنة توظف أقاربها و من يخدم مصالحها و كل من تشم فيه رائحة القرابة على مستويات عدة يعرفها جميع المغاربة. و الواقع أن موقع المعطلات الإناث في النضال إلى جانب المعطلين الذكور ليعبر بوضوح عن التعاون و التلاحم بين الرجل و المرأة، كما أنه يعبر عن المشاركة الحقيقية للمعطلات في الحركة الاحتجاجية المشروعة بصفة خاصة و في الحياة العامة بصفة عامة. و لا يخفى أن المعطلات قد قدمن عدة تضحيات في ساحة النضال، فالكثير منهن أصبن بجروح بالغة، و تعرضن للتعنيف و الضرب و الركل و الشتم من طرف الجهاز الأمني، و سقط الكثير منهن أرضا بسبب التدافع و الجري العشوائي الناتج عن الهجوم الشرس لرجال الأمن. كما سبب التعنيف البوليسي نتائج خطيرة مثل الإجهاض و الإغماء و كسر الأعضاء. فتضحيات المعطلات في ميدان النضال يجعلنا نفتخر افتخارا بالنساء المغربيات و ننوه بشجاعتهن و إقدامهن في مواجهة الصعاب كما عاشتها أمهاتهن في العهود السابقة كعهد الاستعمار و عهد بداية المغرب الجديد. كما ننوه بقناعتهن بالنضال القائم على الفكر الصائب و الرصين لواقع الشغل و الوظيفة العمومية بالمغرب. ولكن على الرغم من تنويهنا بشجاعتهن و عقولهن الرصينة فنحن الرجال مقتنعون أنه ليس لهن نفس القدرة الجسدية و ليس لهن نفس الصبر الذي لدى أشقائهن الرجال...و بالتالي فالمعطلون الرجال يتعاطفن معهن تعاطفا كبيرا في حمايتهن مما يمكن أن يشكل خطرا عليهن. و يمكن الإشارة هنا على سبيل المثال إلى أن نسبة المعطلات في مجموعة المستقبل للأطرالعليا المعطلة منذ بداية شهر شتنبر 2009، تاريخ تأسيس محضر هذه المجموعة، كانت قد وصل إلى 60%، لكنها الآن انخفضت إلى 45%، فالسؤال المطروح هو: ما هو سبب انخفاض هذه النسبة و كيف يمكن تفسيرها؟ الحقيقة أن هناك عدة أسباب منها ما يرجع بالدرجة الأولى إلى نفاذ صبرهن بسبب الدولة و سياستها التي تنهج كل أساليب المغالطة و التماطل و التسويف من أجل تأخير الحل، و بالتالي يجدن صعوبة في استمرارهن في النضال و المجيء إلى الرباط. و كنتيجة لذالك يضطررن للانسحاب. علاوة على مسؤولية الدولة هناك أسباب تعود إلى الظروف المادية بحيث أن الكثير منهن ليست لهن الإمكانيات التي يمكن أن تسمح لهن بالتنقل إلى مدينة الرباط، و توفير مصاريف الأكل و السكن ذالك أن أغلب المعطلات و المعطلين يفضلون الإقامة بالرباط تفاديا لمشاق السفر خاصة أولئك الذين يأتون من المناطق النائية للمغرب. كما أن بعض العائلات، خوفا من الأخطار، يقنعن بناتهن على الانسحاب. ناهيك عن كثير من المعطلات و المعطلين الذين لم يستطيعوا الالتحاق بالمجموعات لهذه الأسباب و لأسباب أخرى أكثر صعوبة. إن ظروف المعطلات في ساحة النضال هو جانب من جوانب حضور المرأة المغربية بشكل واقعي و ملموس، فإذا كانت الهيئات الحقوقية و الجمعيات النسائية تدافع عن حقوق المرأة في كثير من المجالات الاجتماعية مثل العنف ضد المرأة و الطلاق و الاغتصاب و التنغيص على حريتها و حرمانها من التدريس و العمل و غيرها من الاكراهات و الاعتداءات الجسدية و النفسية . فانه من الواجب أن ندافع أولا عن المعطلات من كل أخطار يمكن أن تحدق بهن، فليس من الشرف أن نتركهن عرضة للقمع و السباب و الضرب بعد أن قضين سنوات طويلة من التحصيل و التدريب صرن فيها كفاءات عالية يشرفن تشريفا عاليا عائلاتهن و مجتمعهن و بلدهن المغرب الحبيب. فتشجيعا لحرية المرأة و حقها في المساهمة في تطوير المجتمع المغربي علينا أن نوفر للمعطلات كل الفرص التي يمكن أن تسهل لهن الالتحاق بعالم الشغل و الوظيفة العمومية. على سبيل المثال جاء على لسان رئيسة جمعية الانطلاقة النسائية السيدة العومري ثورية، أن عدد الحالات التي وفدت على مركز شامة للاستماع والتوجيه القانوني برسم 2009 /2010، بلغت 302 حالة عنف ضد النساء. وأوضحت السيدة العومري خلال ندوة صحفية حول “وضعية المرأة بين الواقع والإكراهات”، أن هذه الحالات توزعت بين العنف الاقتصادي بمعدل 1ر32 في المائة والقانوني بنفس النسبة والجسدي ب8ر18 في المائة والنفسي ب16 في المائة والجنسي بواحد في المائة. وفي ما يخص آثار هذه الاعتداءات على الضحايا، أوضحت رئيسة الجمعية أن هذا العنف تسبب في أشكال من المعاناة تتمثل على الخصوص في عاهات وتشوهات بالوجه وكسور وأمراض مزمنة وأزمات عصبية والأرق، مضيفة أن هذه الآثار كلفت مبالغ مالية تراوحت ما بين 500 درهم و4 آلاف درهم. علاوة على هذا أكد ”تقرير حول ميزانية النوع الاجتماعي ” في مشروع قانون مالية سنة 2011 ، أن عدد النساء ضحايا العنف ارتفع سنة 2009 إلى 27 ألف، وتعد الفئة العمرية للنساء ما بين 18 و27 سنة، حسب ذات المصدر، هي الأكثر تعرضا للعنف، تليها الفئة العمرية ما بين 25 إلى 35 سنة، وتتصدر حالات العنف النفسي حسب نفس المصدر حالات العنف المسجلة ب40 في المائة، يليه العنف الجسدي بنسبة 98 في المائة. و لنا أن نقول تزكية لموضوع الدفاع عن المرأة أنه لو أعطيت الفرص الحقيقية لهؤلاء المعطلات لكان عطاؤهن كريما و لكانت مساهماتهن و تضحياتهن تحاكي تلك التي قامت بها عدة نساء مغربيات في كثير من القطاعات سواء داخل الوطن أو خارجه. فعلى سبيل المثال يمكن أن نشير هنا إلى الدكتورة منى خرماش، أخصائية أمراض النساء والولادة، فقد حظيت بشرف تدشين تسمية شارع المغاربة بخانيونس و ذالك لمشاركتها بمعية طبيبتين في تخصص أمراض العيون وطب الأسنان في العمل الإغاثي الإنساني بفلسطين و بشكل خاص بقطاع غزة. و قد عاشت منى خرماش ثلاثة أسابيع من تمثيل المرأة المغربية في الخارج أحسن تمثيل عايشت أحداثا لم تبخل في مشاركة القراء بعض تفاصيلها من خلال حوار أجرته معها ”التجديد” (20/102010) ببيتها بعد عودتها لأرض الوطن. و مما جاء في حديثها ما يلي: “شخصيا اهتممت بالمعدات الطبية التي تستلزمها حالات الولادة وجراحة النساء والتي تتميز بجودة عالية رغم أنها مكلفة ماديا إلا أن استعمالها مريح جدا، وكنت أفكر في تحقيق الاكتفاء في ما يخص الاعتماد على التجهيزات الطبية خلال مباشرتي عمليات الولادة وتطبيب النساء. كنا ثلاث طبيبات، طبيبة للعيون اسمها عزيزة العوني كانت صديقة لي، و طبيبة للأسنان اسمها مليكة البكوري تقطن بالدار البيضاء كانت جديدة على الوفد و كنا نعتبرها اكتشافا جميلا لما تتميز به من سلوك راق ساهم في انسجامنا طيلة مدة عملنا. و رغم أنني كنت متعبة من العمل إلا أن معنوياتي كانت عالية لطبيعة العمل الإنساني الذي كنت أقوم به. كما أن عملي لم يقتصر على الولادات بل تعداها إلى الإشراف على عمليات جراحية وعيادات، إضافة إلى الحملات الطبية”. فهذا مثال حي لما يمكن أن تقوم به المرأة المغربية، وقس على ذالك مئات و آلاف النساء المغربيات اللواتي قدمن الغالي و النفيس من أجل خدمة الآخرين و تحقيق صورة مشرفة و راقية لبلدهم المغرب. إن على الدولة المسؤولية الأولى أمام الوضعية الصعبة التي تعيشها النساء المعطلات. و إن عليها أن تسرع في الحل و أن تتجاوز سياسة التأخير و التسويف و التماطل و الوعود الكاذبة. عليها أن تكون أكثر واقعية مع ملف المعطلات و المعطلين فتقدم الحلول الحقيقية لمشكل العطالة التي تتفاقم سنة بعد أخرى. و إنه من غير الشرف أن نترك معطلات مناضلات جاهدن لسنوات من أجل التحصيل و التكوين عرضة لواقع صعب غير واضح، و كذالك عرضة للعنف و المواجهة مع الأجهزة الأمنية. إن على الدولة أن تقدم للنساء المعطلات الفرص الحقيقية، كما أعطيت لغيرهن، من أجل تشجيعهن و تمكينهن من دخول رحاب العمل و الوظيفة من أجل المساهمة في تطوير البلاد و إكمال سياسة البناء و التقدم و الديمقراطية التي سار و يسير عليها المغرب بثبات و ثقة نفس. و إن على الدولة كذالك أن تفكر من الآن في أفواج المعطلات و المعطلين الذين سيأتون السنوات المقبلة، بحيث عليها أن تنظر إلى مشكل العطالة من جذوره، و أن تنهج سياسة تربط بشكل وثيق بين التدريس و عالم الشغل. ختاما نقول، إن النساء المعطلات، و معهن أشقاؤهن الرجال المعطلون، يدافعن من أجل حق دستوري مشروع هو الحق في الشغل. فمزيدا من الصبر و الثبات على النضال، و مزيدا من التعاون و الإخاء حتى تحقيق الهدف المنشود المتمثل في الإدماج المباشر في الوظيفة العمومية. و ما ضاع حق وراءه مطالب، و دمتم للنضال أوفياء. [email protected]