أكد العلامة الدكتور يوسف القرضاوي أن “كارل ماركس، المنظر الفكري للفلسفة الاشتراكية الوضعية، قد مدح الإسلام في آخر حياته، وكانت له آراء تؤكد ضرورة الدين في حياة الإنسان، كما نقل عنه ذلك الدكتور رشدي فكار، رحمه الله، لكن العلمانيين يخفون مثل هذه الحقائق لئلا تنسف ما هم عليه. ” جاء ذلك في حديث القرضاوي لبرنامج الشريعة والحياة الأحد 24/01/2010، على فضائية الجزيرة، والتي ناقشت موضوع “الحاجة إلى التدين”. وقدم القرضاوي نماذج لمثقفين غربيين أكدوا على ضرورة الدين في حياة الإنسان وكونه يمثل “شفاء ومددا روحيا” عند الشدائد من أمثال “إليكسيس كارليل” و”إرنست كونت” وغيرهم، مؤكدا على أن الدين الحق هو ضرورة للإنسان ومدد روحي له في معارك الحاجة وليس فقط حاجة فطرية أو عقلية. وأشار القرضاوي إلى أن الإسلام يرفض التدين الجاهل والامتثال الأعمى، ويحض على استعمال العقل والبصيرة، والاعتماد على الحجة والبرهان لبلوغ الطمأنينة. وفي محاولة تقديمه تعريفا للدين أوضح القرضاوي أنه “شعور بوجود قوة غيبية عليا لها قدرة فوق القدرات العادية ولا تحكم عليها الأسباب والسنن المادية، ومنه تتفرع الأديان السماوية والوثنية”، مشبها الدين ب “قارب النجاة للإنسان في هذه الحياة” لافتا إلى أن “الحياة بلا دين لا معنى لها ولا طعم، فالله تعالى خلق الإنسان بفطرته محتاجا للدين كحصن يركن إليه عند الشدائد.” ولفت إلى أننا كمسلمين نعتقد “أن الدين بدأ توحيدا مع الوحي منذ آدم أبو البشر وجميع الأنبياء والرسل، وصولا إلى محمد عليه السلام، ولم يكن وثنيا كما قال علماء الاجتماع مثل دوركايم وغيره، إذ بعث الله الرسل لتوجيه الناس وإخراجهم من الوثنية والشرك إلى توحيد الله تعالى.” فالحاجة _كما يؤكد القرضاوي_ ليست لمطلق الدين، وإنما للدين الحق بعد أن تحرفت الأديان السابقة، كما تؤكد ذلك آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية، مثل قوله تعالى “لكم دينكم ولي دين”، وقوله ” إن الدين عند الله الإسلام”. ضرورة وليس حاجة وأكد القرضاوي أن الدين ضرورة عقلية وفطرية ولغوية ونفسية واجتماعية، وليس فقط حاجة، تبعا لتقسيم الأصوليين بوجود ضروريات وحاجيات وتحسينيات، مشيرا إلى أنه _الدين_ “يجيب على الأسئلة الثلاث البدهية للإنسان، وهي: من أين جئت؟ البحث عن العلاقة السببية بين الموجود والواجد، وإلى أين؟ ما بعد الموت ووجود حياة أخرى، ولماذا؟ ليكون للحياة معنى ورسالة”. ورغم موافقة القرضاوي على قولة أحد فلاسفة اليونان حينما قال: ” من الممكن وجود مدن بدون قصور وحصون، لكن لا أتصور مدنا بدون معابد”، إلا أنه أشار إلى أن “المهم هو أن نبحث عما يعبد في هذه المعابد؛ لأن الناس ضلوا سواء السبيل وعبدوا غير الله، ولذا جاء خطاب الرسل لأقوامهم: “اعبدوا الله ما لكم من إله غيره”.” وأضاف أن عدم الوعي بهذه الحقائق كان سببا لكثرة الانتحار في أوروبا وأمريكا وانتشار المستشفيات النفسية، مشيرا إلى أن الفلسفات الوضعية والأيديولوجيات البشرية انتهت إلى كون الدين زادا أساسيا وضرورة وجودية للإنسان، مؤكدا أن دليل ذلك يتمثل في “تجربة أرنست كونت، وماركس، الذي قال الدكتور رشدي فكار بأن له آراء في مدح الإسلام، إلا أن العلمانيين يخفون ذلك..”. ولفت القرضاوي في هذا السياق إلى كتاب “الدين” للشيخ عبد الله دراز، وكتاب “الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي” للشيخ محمد البهي، لمطالعة الرد على الفلسفات الوضعية. العقل أساس وحول التدين الوراثي والامتثال الأعمى من المريد للشيخ، وتعطيل العقل في التزام الدين الحق، قال القرضاوي: إن الجانب العقلي أساسي في الدين، فالإسلام اعتمد خطاب البينة والحجة و”قل هاتوا برهانكم”، “أفلا تعقلون”، “قل هذه سبيل إلى الله أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني”، وأكد أن “تفكر ساعة خير من عبادة سنة”. فالإسلام بحسب القرضاوي يرفض التدين الجاهل والتقليد الأعمى واتباع الظن وتقليد الآباء، والقرآن هو الكتاب الذي يحتوي ألفاظ التفكر والحجة والبرهان ويحث على استخدام العقل، “فالعلم عندنا دين والدين عندنا علم”، كما يقول القرضاوي، مشيرا إلى أن المقلد في التوحيد غير مقبول في الإسلام. وفي ما يتعلق بامتثال بعض المريدين للشيخ وعدم مناقشته في آرائه، قال القرضاوي: “إن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يناقشون الرسول صلى الله عليه وسلم ويعترضون بأدب واحترام، وعاب الإسلام على اليهود والمسيحيين اتخاذ أحبارهم ورهبانهم “أربابا من دون الله” بقبول ما يحرمون لهم وما يحلون من دون الله. وأكد أن على المسلم أن يكون له موقع واضح خاصة في قواطع الدين، فلا نريد الخضوع أمام الشيخ، بل لابد النقاش والتساؤل، وهذا ما يربي الإسلام أتباعه عليه، والمسلم لابد أن تتكامل تربيته، من الناحية العقلية والنفسية والخلقية والجسمية والسياسية. فصام التدين وبخصوص الفصام بين الالتزام بمظاهر بالعبادات وإتيان ما يخالفها من سلوكيات، قال القرضاوي إن “الشكل لا قيمة له في الإسلام؛ لأن الله تعالى ينظر إلى القلوب والأعمال والأخلاق وليس الصور والمظاهر، فالسلوك هو الدال على إيمان الإنسان، وقد عاب القرآن على من يقولون ما لا يفعلون: “كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون” فالإيمان كما يرى القرضاوي يتجسد في أعمال يلاحظها الناس، وليس من يطلق اللحية أو يقصر الثوب ويأكل حقوق الغير أو يعق والديه أو يأكل الحرام أو يكذب.. بقلم عبدلاوي لخلافة – اسلام أون لاين