فرانس بريس أملت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها في ان يجدوا في الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شريكا, رغم نزواته وتصريحاته اللاذعة. غير ان تحديه للغرب من خلال ضم القرم وخطابه الذي انتقد فيه النظام العالمي لما بعد الحرب الباردة, تؤشر الى ان من يحكم الكرملين اليوم بات خصما لهم. ونتيجة لذلك يواجه الرئيس الاميركي باراك اوباما ونظراؤه الاوروبيون اتهامات بانهم انخدعوا بنظيرهم الروسي وعجزوا عن رؤية النزعة التوسعية لرجل وصف انهيار الاتحاد السوفيتي بالمأساة. ولكن كان من المنطقي لاوباما الحريص على انهاء الحروب المستنزفة والتطرف المقلق والانتشار النووي والانكماش الاقتصادي, أن يعمل في 2009 على ازاحة مشكلة عن الطاولة ويعلن "انطلاقة جديدة" للعلاقات مع روسيا حينها. غير انه وبعد بضعة اشهر من عودة بوتين الى سدة الرئاسة قبل عامين, بدا واضحا ان الانطلاقة الجديدة ستذوي من دون رديفه, الرئيس السابق ديمتري مدفيديف. واقر برنت سكوكروفت, خبير السياسة الاميركية الخارجية ومستشار الامن القومي للرئيس جورج بوش الاب, هذا الاسبوع بانه, مثل كثيرين غيره, أخطأ في الحكم على بوتين. وقال في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية "كنت اعتقد ... ان بوتين سيرى ان مدفيديف حصل عن طريق الكلمات اللبقة على اكثر بكثير مما يمكن أن يحصل عليه باتباع اسلوب لاذع". ويضيف "لم ير ذلك". وعندما رفض بوتين بازدراء عرضا "لليونة", لم توفر واشنطن النعوت. وقارنه اوباما ب"الولد الضجر" الجالس في اخر الصف المعتاد على لعب دور "القوي". ومع ذلك ضمنت واشنطن مساعدة بوتين في ازمة الاسلحة الكيميائية السورية والملف النووي الايراني. غير ان الادارة الاميركية بدت عاجزة عندما طالب بوتين بضم شبه جزيرة القرم الاوكرانية ذات الحكم الذاتي, وسكانها ذوي الاصول الروسية الى موسكو. وقال البيت الابيض ان خطوة بوتين ليست منطقية ووصفها بعمل من القرن التاسع عشر ليس صادرا عن دولة عصرية متطورة. وقال وزير الخارجية الاميركي جون كيري انه "بوتين (قد يكون لديه نسخته من التاريخ) لكنني اعتقد انه وروسيا, وبالنظر لما قاما به, في الجانب الاخر من التاريخ". وتصر واشنطن على انها لن تسمح بان يتم جرها الى لعبة "شطرنج جغرافية", تخسر فيها كل شيء او تربح كل شيء. واذا ما اعيدت صياغة كلمات اغنية ستينغ بعنوان "راشنز" (الروس) المنددة بالحرب, فان بوتين لا يوافق على وجهة النظر تلك. فخطوة بوتين تبدو من وجهة نظر واشنطن غير منطقية بالنسبة لدولة تخلت عن الاشتراكية لصالح رأسمالية صاخبة ورحبت بدول العالم في العاب سوتشي, لكنها تواجه اليوم العزلة وعقوبات اقتصادية وتهديد بالطرد من مجموعة الثماني وستتحمل اضرارا اقتصادية. غير انه بالحكم على صورة روسياالجديدة المحررة من ذل انهيار الاتحاد السوفيتي كما رسمها في خطابه هذا الاسبوع فان بوتين يسلك منطقا مغايرا. وتقول فيونا هيل, الباحثة في معهد بروكينغز ومؤلفة كتاب جديد حول بوتين, ان نظرته للعالم متأثرة بالتدريب الذي تلقاه في وكالة الاستخبارات الروسية كي.جي.بي وحسابات الخسارة المطلقة او الربح المطلق كما في فترة الحرب الباردة. وقالت هيل "نرى دائما هذه الاشياء في اطار مقارناتنا". واضافت "ان بوتين يشعر بانه هو فقط يدرك مصالح روسيا". وقال جان تيشاو, مدير معهد كارنيغي-اوروبا للابحاث ان القادة على جانبي الاطلسي اساؤوا فهم بوتين. واوضح "الاميركيون والاوروبيون على حد سواء اساؤوا بشكل كبير فهم النوايا الحقيقية للسيد بوتين". والان وقد سمع الغرب "جرس الانذار" من بوتين, كما قال الامين العام للحلف الاطلسي انديرس فوغ راسموسن, عليه ان يفكر في صيغة جديدة للعلاقات معه. ومن المرجح ان يبدأ اوباما بتقديم ضمانات امنية قوية للدول الصغيرة التي انضمت للحلف الاطلسي بعد انفصالها عن الاتحاد السوفيتي, عندما يتوجه الى اوروبا الاسبوع المقبل. وسيكون هذا بالتالي اشارة لموسكو بانه لن يتم التساهل مع ضم مساحات اكبر من الاراضي. وفرض اوباما الخميس عقوبات جديدة على مسؤولين روس ورجال اعمال تصفهم واشنطن الان بانهم "مقربون" من بوتين, كما أنها تعتزم تمويل الاقتصاد الاوكراني الضعيف. وتم كذلك تجميد العلاقات التجارية والعسكرية والدبلوماسية مع موسكو. غير ان اوباما يأمل في ابقاء الشراكات الدبلوماسية حول مسائل مثل المحادثات النووية الايرانية, بمنأى عن الازمات. لكن بوتين يبدو طرفا صعبا خاصة عندما يتعلق الامر بالمساعي الدبلوماسية حول اوكرانيا. ويقول انتون فيدياشين, الخبير حول روسيا في الجامعة الاميركية "ان بوتين على ما يبدو, يلمح الى انه عندما يتعلق الامر بمحيط روسيا ... فان الروس يعتزمون اسماع صوتهم. لن يتم تجاهلهم". وفي تلك الاثناء قد تصبح محادثات الملف النووي الايراني اخر موضوع تختلف عليه واشنطنوموسكو في الحكم على مصالح روسيا القومية. وقال نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف في تهديد مبطن "لا نود استخدام هذه المحادثات عنصرا في لعبة يزداد فيها الرهان". غير انه اضاف انه اذا خيرت موسكو بين القرم والمحادثات الايرانية فإنها ستختار القرم. وقال مسؤل كبير ساخرا "لو قامت ايران بتطوير سلاح نووي فان ذلك السلاح سيكون اقرب مسافة الى روسيا بكثير منه الى العديد منا".