قال الباحث محمد جبرون إن حكومة العثماني في جوهرها هي تعبير عن التسوية الممكنة بين عدد من الفاعلين الأساسيين في نظام الحكم والسياسة بالمغرب (قوى سياسية، وجماعات المصالح، والفاعل الإقليمي والدولي) من جهة، وحزب العدالة والتنمية من جهة ثانية، معتبرا هذه التسوية ليست مجحفة بالمطلق، بل على العكس من ذلك حقق من خلالها حزب العدالة والتنمية مجموعة من المكاسب الملموسة. واعتبر المتحدث ذاته أن التنازلات التي قدمها في سبيل إخراج هذه الحكومة هي تنازلات مفهومة بمنطق السياسة والإصلاح. ومن ثم فحكومة العثماني تمثل نجاحا سياسيا آخر يُحسب للإسلاميين المغاربة. أغلب المحللين السياسيين يقولون إن حكومة العثماني كانت شهادة وفاة حكم الإسلاميين. كيف تنظر إلى الأمر؟ لا أعتقد أن هذه الخلاصة دقيقة، ولا أفهم المقدمات التي يتأسس عليها هذا الرأي، اللهم إذا كان البعض يعتبر العثماني ومن معه لا يمثلون الإسلاميين، وأن الإسلامية المغربية مرتبطة حصرا بالأستاذ عبدالإله بنكيران أو بتحقق مطالب الإسلاميين كاملة. فالإسلاميون المغاربة من الناحية العملية وفي الواقع يرأسون الحكومة، ولديهم عدد مهم من الوزراء، فضلا عن فريق برلماني كبير، كما أنهم يسيرون معظم المدن الكبرى والاستراتيجية بالمملكة.. فكيف يكونون مع كل هذا الحضور الفعلي في حكم الميت والمهزوم؟ إن حكومة العثماني في جوهرها هي تعبير عن التسوية الممكنة بين عدد من الفاعلين الأساسيين في نظام الحكم والسياسة بالمغرب (قوى سياسية، وجماعات المصالح، والفاعل الإقليمي والدولي) من جهة، وحزب العدالة والتنمية من جهة ثانية، وهذه التسوية ليست مجحفة بالمطلق، بل على العكس من ذلك حقق من خلالها حزب العدالة والتنمية مجموعة من المكاسب الملموسة، ثم إن التنازلات التي قدمها في سبيل إخراج هذه الحكومة هي تنازلات مفهومة بمنطق السياسة والإصلاح. ومن ثم فحكومة العثماني –في نظري – تمثل نجاحا سياسيا آخر يُحسب للإسلاميين المغاربة. لكن، وحتى نكون واضحين مع القراء، إن هذا الإحساس بالهزيمة واقتراب النهاية هو أيضا واقع، وموجود لدى الإسلاميين قبل غيرهم من المتتبعين والمحللين، والمسؤول عن طغيان هذا النوع من المشاعر وانتشارها بين عموم المغاربة، بما في ذلك عدد من أعضاء العدالة والتنمية وشبابه هو الحزب نفسه، وعدد من قياداته البارزة. وترجع هذه الأحاسيس والحكم السياسي المرتبط بها (الهزيمة) إلى قراءة سياسية معينة أثبت الواقع خطأها واختلالها، وفشلت في بلوغ السقف الذي كانت تطلبه؛ وترجع أيضا إلى انقلاب في ميزان الرشد في العمل السياسي الذي يتأسس على أسبقية الفكر والنظر ومعياريته، وليس الشخصنة. لكن هل اختيار حزب «المصباح» تشكيل الحكومة بشروط أخنوش مفيد لمسار التحول الديموقراطي؟ لا أعتقد أن الأمور تتم بهذه الصورة في المطبخ السياسي للمملكة، فأول شيء يجب التنبيه إليه في قضية تشكيل حكومة العثماني هو: هل الأمر تم بمنطق الشراكة ووفق رؤية سياسية استشرافية ومسؤولة أم إنه شكل من أشكال الإذعان والإكراه، وأن قبول العدالة والتنمية بالتسويات التي أخرجت الحكومة هو قبول المكره والمضطر.. الذي يحن ويتحين الفرصة للعودة إلى سيرته الأولى، أي العودة إلى منطق التغلب والمغالبة. إن ما صدر ويصدر من تصريحات عن قيادة العدالة والتنمية، في المناسبات المختلفة واللقاءات الوطنية في المرحلة التي أعقبت إخراج الحكومة في أبريل الماضي، لا يعبر عن مستوى من النقد الذاتي أو إعادة النظر في عدد من «الثوابت» والمواقف التي تبناها البيجيدي في السنتين الأخيرتين، والتي كانت سببا في التوتر الذي أعاق إخراج حكومة بنكيران، بل على العكس من ذلك، لا يتحرج الحزب في القول إنه باق على مذهبه وعلى نهجه في مواجهة ما يسميه بالتحكم، فقط هذه المرة بوسائل أخرى..، ولم يعلن بعد القطيعة الواعية مع أطروحة مواجهة التحكم، أو لنقل بعبارة أخرى إن ما يجري هو استمرار للحرب نفسها، لكن بوسائل أخرى. ومن المؤكد أن عمر حكومة العثماني سيكون قصيرا وقصيرا جدا مع استمرار سيادة الرؤية السابقة والتي ساهم في بلورتها بقوة عبدالإله بنكيران (عمليا وليس نظريا)، والتي تفتقد التأصيل المنهجي والسياسي في فكر العدالة والتنمية، ومن ثم فحكم الإسلاميين برئاسة العثماني مع استمرار نفوذ العهد السابق قد يكون مجرد جسر آمن وظرفي نحو الطلاق مع الدولة والخروج من المركز والعودة إلى الهامش. وهكذا، فمستقبل علاقة البيجيدي بالقصر، وتحسنها أو تدهورها، لا يتعلق بتنازلات تقنية وبرغماتية ضيقة، لا معنى لها من الناحية الإصلاحية، والتي تُظهر الساسة مجموعة من المرتزقة والوصوليين، بل تتعلق بالرؤية السياسية والأطروحة، فإذا لم تعدل هذه الرؤية، فمن المؤكد أن الأمور ستذهب نحو الأسوأ. اليوم، هل تعتقد أن حزب العدالة والتنمية انخرط كما سميته سابقا في «المشروع الإصلاحي للدولة»؟ لا أتصور ذلك، فحزب العدالة والتنمية، ربما، كان في طريق ذلك في فترة من الفترات التي أعقبت سنة 2011، ولكنه «خرج» من هذا المشروع في ظرف حساس ومع اقتراب ولاية بنكيران في الحكومة من نهايتها، وانتقال العلاقة بين الطرفين من التعاون والتفاهم إلى صراع واختلاف واضح، حيث بدأت في هذا الظرف مساحة سوء التفاهم في الاتساع. لا نعلم الحيثيات والتفاصيل وكيف تدحرجت العلاقة بين الطرفين إلى هذا المأزق؟ وكيف بدأت عملية الاقصاء؟ وفيما إذا كان تحول بنكيران ناتج عن حقائق موضوعية أم ناتج عن أشياء لا وزن لها من الناحية الاستراتيجية. وما ندركه جيدا في هذا السياق – اليوم – هو أخطاء بنكيران وتصريحاته التي أضرت كثيرا بمكانة العدالة والتنمية على صعيد الدولة وصعبت من مأموريته من جهة؛ كما ندرك جيدا بعض الموانع الثقافية والظروف المحلية الخاصة والإقليمية التي ساهمت بقوة في تدهور العلاقة بين الدولة والعدالة والتنمية من جهة ثانية. اليوم، لكي تعود المياه إلى مجاريها، ويعود الدفء إلى هذه العلاقة، لا بد من إعادة بناء الموقف من الإصلاح السياسي، وتجديد رؤيته؛ لا بد من تقديم نقد ذاتي واضح في تجربة بنكيران وتقييمها بما يرفع كل الأسباب التي كانت وراء التنافر والصراع والتوتر؛ ولا بد، أيضا، من تأهيل ثقافي شامل يسمح للإسلاميين بإعادة بناء شرعيتهم الإصلاحية في ضوء المستجدات التي استجدت بعد الربيع العربي، ومن أهم القضايا في هذا السياق، الجواب عن سؤال: ما معنى أن أكون «إسلاميا» في السياسة؟ التشنج والصراع الداخلي المبطن بين تيار بنكيران وتيار الاستوزار هل تعتقد أنه يُوشي ببوادر انشقاق الحزب وأرضية لخلافات يصعب تجاوزها؟ إن المشكلة الجوهرية التي يعاني منها حزب العدالة والتنمية اليوم، هي أنه ولحد الآن لم يستسغ بعد إقصاء بنكيران من رئاسة الحكومة وتعويضه بالعثماني بالرغم من مرور حوالي 6 أشهر عن هذا الحدث، وأن الذين كانوا إلى جانب الأمين العام الأستاذ بنكيران والتحقوا فيما بعد بحكومة العثماني لم ينتجوا خطابا سياسيا وأخلاقيا مقنعا بواقعة عزل بنكيران ومتفهما لها، وأنها جزء من السياسة «الشرعية»، بل التبريرات التي قدموها كانت ولازالت ضعيفة وهشة، فحزب العدالة والتنمية في عمومه لازال تحت تأثير واقعة العزل ولم يتجاوزها موضوعيا وعقلانيا، فجل النقاشات تقريبا التي يشارك فيها بنكيران وباقي القيادات تحيل إلى حادثة «الزلزال» كما سماه أمين عام الحزب. إن هذا الخلاف والصراع الواضح الذي يعيشه حزب العدالة والتنمية اليوم، هو أسوأ صراع عاشه منذ عشرين عاما، بل أسوأ خلاف منذ دخول هذا الجيل من الإسلاميين مجال الدعوة والإصلاح. وترجع بشاعة هذا الخلاف والصراع إلى كونه ينال من المصداقية الأخلاقية للقياديين المؤسسين لهذا المشروع، الذين يظهر عدد منهم في ضوء ما ينشر ويتداول في مختلف الوسائط أنهم وصوليون، مصلحيون، انتهازيون، غير أوفياء.. ومن ثم، وفي نظري، فإن المشكلة الكبرى التي سيعاني منها حزب العدالة والتنمية وبسبب حملة التدمير الذاتي التي يعيشها منذ شهور ليست شبح الانشقاق- فقد يكون هذا الأمر أهون وأخف الضررين مع حفاظه على مصداقية رسالته الإصلاحية -، بل المشكلة هي تبديد رصيد المصداقية السياسية والشرعية الإصلاحية التي راكمتها أجيال من العاملين تحت شعار الإسلاميين، فإذا أمسى هذا الجيل من الساسة/الرموز الذي يشارك في الحكم، ويُسير المدن الكبرى والصغرى فاقدا للمصداقية الأخلاقية وجماعة من الانتهازيين.. آنذاك، فلنقم صلاة الجنازة على هذا المشروع، ولا يهم حين ذاك هل انشق الحزب أم حافظ على وحدته. ومن ناحية أخرى، وكما قلنا في تصريحات سابقة، الشخص الوحيد القادر على شق حزب العدالة والتنمية هو الأستاذ عبدالإله بنكيران، ولا أظنه سيفعل – بحسب معرفتنا بشخصه – وأن غيره من الأشخاص المطروحة أسماؤهم في هذا الصراع الداخلي ليست لهم الشجاعة الكافية على الإقدام على خطوة بهذا الحجم. كما أن هناك عاملا آخر له تأثير حاسم لا يُلتفت إليه كثيرا في مثل هذا النقاش، وهو موقف حركة التوحيد والإصلاح من هذه الأزمة الداخلية التي يعيشها الحزب، فهي وإن لم يصدر عنها أي تعليق رسمي في هذا الباب، فهي تمارس نفوذا قويا وغير مباشر داخل حزب العدالة والتنمية يتجه كله إلى الحفاظ على وحدة الحزب واستقراره، وتكاد تكون اليوم إحدى أكبر دعامات وحدته واستقراره المؤسساتي. لكن الذي يدعو إلى الأسف في هذا السياق، هو أن حزب العدالة والتنمية في ظل هذا الصراع والانشغالات السياسية التي أمست مهيمنة عليه، فقد تركيزه الإصلاحي، ولم يعد مهتما ومعتنيا بقوة بأسئلة السياسة كخدمة عمومية، ورجع بأبنائه وقطاع عريض من المغاربة إلى كلاسيكيات السياسة بالمغرب المتعلقة بمواضيع العلاقة بالملكية والديمقراطية والاستبداد والسلطوية.. وهكذا؛ ففائض القوة السياسية الذي كان يحرره الحزب ويضخه في الواقع من أجل إنجاح المشاريع السياسية الكبرى، وتوفير الدعم السياسي لها، أمسى اليوم مبددا ومتلاشيا في صراع داخلي – خارجي لا طائل من ورائه، وهو ما سيؤدي – مع مرور الوقت – إلى تعليق الفعل الإصلاحي لهذا الحزب وتأجيله. وفي هذا السياق وتفاديا لهذا المصير المؤلم قد يكون الانشقاق كالكَيِّ آخر الدواء، شرا لا بد منه إذا رام الحزب تفادي العطالة الإصلاحية والسياسية. انطلاقا من كلامكم هل يمكن القول إن حزب العدالة والتنمية لم يستطع الخروج من جبة الجماعة الدينية إلى رحاب الحزب السياسي؟ إن حزب العدالة والتنمية في علاقته بمفهوم الجماعة الدينية ومنذ تأسيسه مر بمراحل عدة، ففي بداياته كان تعبيرا عن الوظيفة السياسية للحركة الإسلامية التي تتلخص في إقامة الدين على صعيد الدولة، وتابعا ثقافيا وفكريا للجماعة، وبعد سنوات من الممارسة وبسبب تحولات على صعيد الواقع بدأ يبتعد تدريجيا عن المقتضى السياسي للحركة الإسلامية على مستوى الخطاب والممارسة، وقد تجلى هذا التحول بشكل رئيس في الجدل الذي أثير في أحد مؤتمراته حول إشكالية الهوية والتدبير، وقد خلص الحزب في هذا المستوى إلى نوع من التوازن بين المسألتين.. وعموما، وبالرغم من الجهد الذي قدمه حزب العدالة للخروج من عباءة الجماعة الدينية والاستقلال عنها، فإنه لازال يعول كثيرا على ثقافة الجماعة في حسم عدد من الأمور داخله، ولم يستقل بذاته من هذه الناحية، ولعل نجاح حزب العدالة والتنمية في هذا المجال يتعلق بأمر أساسي وهو: قدرته على تحقيق الاستقلال الثقافي عن الجماعة وبلورته لمفهوم الحزب السياسي الإسلامي أو الحزب السياسي الذي يعتمد المرجعية الإسلامية، فما معنى أن تكون حزبا سياسيا له مرجعية إسلامية؟ هل معناه استلهام الحلول السياسية من الإسلام؟ هل معناه احترام الخصوصية الدينية الإسلامية للمملكة؟ أم أشياء أخرى.. فحزب العدالة والتنمية اليوم، مستغن عن هذه الصياغة، ويكفيه انتسابه إلى حركة إسلامية عريقة اسمها حركة التوحيد والإصلاح. كما أنه من ناحية أخرى لازال يعول في موارده البشرية على الحركة، ولم يستغن عنها، فالهجرة من الحركة باتجاه الحزب دائمة ومستمرة، وتمثل المواسم الانتخابية أحد أبرز مناسبات هذه الهجرة. وإجمالا؛ حزب العدالة والتنمية لازال وثيق الصلة بالجماعة ثقافيا وتنظيميا من خلال الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين. ماذا تتوقع أن تكون الأطروحة الجديدة للبيجيدي في مؤتمره المقبل؟ إن حزب العدالة والتنمية يوجد اليوم بين خيارين لا ثالث لهما: فإما خيار الأمل، أو خيار الفشل والإفلاس لا قدر الله. أما خيار الأمل فيفترض مراجعة نقدية لتجربة الحزب وأطروحته في الفترة السابقة، ويفترض – أيضا – تجاوز الأخطاء التي وقع فيها الحزب في ماضيه القريب تجاوزا عقلانيا؛ أما خيار الفشل فيقتضي تجديد الثقة فيما كان عليه الحزب فكرا وممارسة وقيادة، أو بعبارة مثيرة خيار الفشل ليس أكثر من تكرار أخطاء «الإخوان» بخصوصية مغربية، وتجديد الثقة في أطروحة مواجهة التحكم التي تمثل تأويلا سيئا للشراكة من أجل البناء الديمقراطي. ومن وجهة نظري، فإن سيناريو الأمل بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية يقتضي أطروحة ثورية في الدائرتين الإسلامية والوطنية، يمكن اختصار محاورها وعناوينها في النقاط التالية: تعزيز انخراط الحزب في المشروع الوطني الحداثي والتقدمي الذي يقوده جلالة الملك؛ تبني مفهوم الشراكة من أجل الحداثة والتقدم الاقتصادي، التي تجعل من أولويات الحزب وأم معاركه البناء الاقتصادي وكسب رهانات الصعود وليس شيئا آخر؛ إعادة النظر في مفهوم الانتقال الديمقراطي وتعقيداته، والأخذ بالاعتبار المقتضيات السوسيولوجية والثقافية والسياسية التي يتطلبها، والتي تجعل من الديمقراطية محصلة ونتيجة وليست مقدمة ومبدأ أوليا؛ التحرر من كلاسيكيات الخطاب السياسي «الوطني»، وابتكار أدوات في الفهم والتحليل تناسب التحولات العميقة التي عرفها المشهد السياسي المغربي في عهد الملك محمد السادس، وعلى رأس هذه المفاهيم المضللة التي وجب التخلص منها في أقرب وقت، مفهوم «القوة الثالثة»، وما يؤدي إليه من كوارث في الفهم والتحليل؛ عقلنة الصراع السياسي والتخفيف من النزعة الطهرانية التي تقسم الفاعلين السياسيين إلى فسطاطين: فسطاط الخير وفسطاط الشر، وتجعل الصراع السياسي قائما بين ملائكة وشياطين أو صلحاء وفسدة..؛ رفع الالتباس الذي لازال يتسبب فيه نسب الحزب الإسلامي، والذي يجعل الكثير من خصومه يشكون في نواياه المستقبلية، ويطرحون السؤال عن حقيقة أجندته، وفي صلب هذه المهمة الجواب عن سؤال الإسلامية في السياسة في بلد كالمغرب. قلتم إن هناك عددا من الاعتبارات التي تؤكد أن العقل الجمعي للحزب غير متحمس للتجديد لبنكيران.. هل يمكن أن تكشف عنها؟ لا أريد التفصيل في هذه النقطة، لأنها ستضطرنا للحديث عن شخص نُكِنُّ له احتراما وتقديرا خاصا، وكلامي هنا عنه لا ينقص من تقديري له، بل كلام محب له، ينصحه بالخروج من هذا المأزق مرفوع الرأس. وتلبية لفضول القراء الكرام، يمكن تعداد العوامل التي تمنع من إعادة انتخابه مرة أخرى على النحو التالي: 1 – إن التمديد لبنكيران يعني من الناحية الثقافية خروجا عما استقرت عليه الممارسة التنظيمية لهذا التيار من الإسلاميين، والذي ظهر في تناقض تام مع فكرة الزعامة الشخصية والمشيخة والقيادة الفردية..؛ 2 – إن التمديد لبنكيران يعني اختيار المواجهة والصدام مع الدولة، لأنه أمسى وببساطة رمزا لخيار المواجهة، وبهذا الاعتبار لم يعد مرغوبا فيه، واختياره مكلف مستقبلا ولا أظن عاقلا داخل الحزب سيضحي بكل المكتسبات التي تحققت ويتشبث بالأستاذ بنكيران؛ 3 – إن حركة التوحيد والإصلاح، الشريك الاستراتيجي للحزب، والتي تؤثر بشكل أو بآخر في قرارات الحزب واختياراته الاستراتيجية ليست مع تغيير القوانين لأجل الأشخاص، حيث كانت تراهن ومنذ تأسيسها على القيادة التشاركية وعبقرية الجماعة بدل الفرد، ولن تكون مع الولاية الثالثة، ولها من الوسائل والآليات للتعبير عن هذه الاختيارات؛ 4 – إن الأستاذ بنكيران ليس خيارا إصلاحيا واضحا، مدركا لمطالبه، بل هو قوة خامة، واندفاع سياسي غير محدد الوجهة. ومن ثم، فالذين يتشبثون اليوم ببنكيران لا يتشبثون بخيار إصلاحي واضح، وأفق قابل للتحقق، بل يتشبثون بهذا الاندفاع في شخصه، فهل الأستاذ بنكيران أكثر نضالا لأجل الديمقراطية من غيره؟ هل يقترح حلولا لأسئلة الحزب والدولة أفضل من غيره؟ لا أظن ذلك سواء كخطاب أو ممارسة، وبالتالي يكون التشبث به بمثابة نوع من المماحكة القاتلة ليس إلا.