قبل عام من الآن، وتحديدا في أبريل 2016، قبيل انتخابات 7 أكتوبر، كان آخر استطلاع للرأي أجراه معهد «أفيرتي» ومبادرة «طارق بن زياد»، يفيد بأن المغاربة يريدون أن يبقى بنكيران رئيسا للحكومة لولاية ثانية؛ 44.9 في المائة قالوا إنهم يختارون بنكيران ليكون رئيس الحكومة المقبل، فيما كان بقية زعماء الأحزاب الأخرى مجتمعين في الكفة الأخرى بنسبة 36.1 في المائة. وقبل ذلك، وخلال مسار حكومته، كان بنكيران يحافظ على شعبيته في استطلاعات الرأي حتى وهو يتخذ القرارات «غير الشعبية»، من قبيل حذف الدعم عن المحروقات، ورفع أسعار الكهرباء، وساعدته في ذلك شخصيته الكاريزمية وتواصله الدائم مع الرأي العام. فكيف سيدبر خلفه سعد الدين العثماني هذه الوضعية؟ المراقبون يرون أن أحد أبرز التحديات التي سيواجهها سعد الدين العثماني هو الرأي العام، وهنا يقول مصطفى السحيمي، أستاذ العلوم السياسية بالرباط، إن هناك عدة مؤشرات ستجعل صورة العثماني ضعيفة لدى الرأي العام، أولها أن حكومة العثماني ليس لها نفس «رأسمال الشعبية» الذي حظيت به حكومة بنكيران التي تشكلت سنة 2012. «في الوقت الذي تشكلت فيه حكومة بنكيران في أجواء ‘‘حماسية''، بعد انتخابات 25 نونبر، يلاحظ أن حكومة العثماني تشكلت في أجواء ‘‘باردة'' تميزت بالبلوكاج الذي دام خمسة أشهر ونصفا، وألقى بثقله على نفسيات الناس. ثانيا، العثماني شخصية لها مشروعية داخل حزب العدالة والتنمية، فهو الرجل الثاني في الحزب، لكنه لا يملك مستوى القيادة الوطنية والحزبية نفسه الذي لدى سلفه بنكيران». ثالثا، الرأي العام تابع مفاوضات تشكيل الحكومة بتفاصيلها، ولاحظ كيف تنازل العثماني عن شروط بنكيران لتشكيل الحكومة، وقبل بدخول الاتحاد الاشتراكي، بمبرر «القرار السيادي»، بل تنازل عن القطاعات الاستراتيجية لصالح حزب التجمع الوطني للأحرار، رغم أن البيجيدي حصل على 125 مقعدا، والأحرار لم يحصل سوى على 37 مقعدا في مجلس النواب». أكثر من هذا، يضيف السحيمي أن الرأي العام يتابع كيف أن «البيجيدي نفسه ليس متحمسا لحكومة العثماني،» وهذا تم التعبير عنه ليس فقط من خلال مواقف عدد من قيادات الحزب، التي انتقدت صراحة تنازلات العثماني، مثل عبد العلي حامي الدين وأمينة ماء العينيين، بل ظهر ذلك حتى في كلمة رئيسي الفريقين البرلمانيين في مجلسي النواب والمستشارين، والذين تحدثا عن «التنازلات المؤلمة» للعثماني. السؤال المطروح هو: كيف سيتمكن رئيس الحكومة من قيادة حكومته في ظل فقدان حماس الرأي العام، وفي ظل الانقسام الذي يعانيه حزبه؟ يعتقد السحيمي أن «حلفاء العثماني في الحكومة سيرون أنه ضعيف ولا يحظى بالدعم، فينتهزون الفرصة لتجاوزه، لتصبح الحكومة برأسين»، وهو ما سعى بنكيران إلى تفاديه. ومن جهة ثانية، فإن الرأي العام سيميل إلى الابتعاد عن السياسة، مع ما يعني ذلك من مخاطر وسلبيات على الحياة السياسية، تتمثل، حسب عبد العزيز النويضي الحقوقي والسياسي، في «تراجع حماس الناس بخصوص الاهتمام بالشأن العام»، و«تراجع تقديرهم لمصداقية المؤسسات، والانتخابات، والأحزاب السياسية»، بل إن هذا التقييم «سيمس حتى البيجيدي»، لأنه سيتم النظر إلى عدد من قيادات هذا الحزب على أنها «تخلت» عن المبادئ. يعلق النويضي: «ربما لن يمس ذلك بنكيران بالقدر نفسه الذي يمس الحزب»، لأن الناس «سينظرون إلى أن بنكيران باعتباره تحلى بالشجاعة وقاوم، في حين تخلى عنه حزبه». الناس سيعتقدون أن الأمور «حسمت ووقعت تراجعات كبيرة» مقارنة بالأجواء التي سادت سنة 2012، وهنا يرى النويضي أنه «بالرغم من أن بنكيران نفسه كان يتنازل، لكنه كان يمارس نوعا من الندية التي تخدم إلى حد ما الديمقراطية»، لكن اليوم هل ستبقى الندية، أم سينظر الرأي العام إلى حكومة العثماني على أنها حكومة «محكومة»؟