صورة: عبد المجيد رزقو كشف رجل الأعمال، كريم التازي، عن ما اعتبره الأسباب الحقيقية، التي دفعت القصر إلى اعفاء عبد الإله بنكيران من مهمة تشكيل الحكومة المقبلة، وبالتالي حرمانه من فرصة قيادتها للمرة الثانية على التوالي. واعتبر التازي، في حوار له مع "اليوم 24″، أن قوة شخصية بنكيران، وشعبيته كانتا أحد الأسباب، التي عجلت برحيله. وتوقع التازي أنه بعدما تم التخلص من بنكيران، فإن العثماني لن يجد أي صعوبات في تشكيل الحكومة المقبلة. وفِي ما يلي نص الحوار: ما هي قراءتك لقرار الملك القاضي بإعفاء بنكيران من مهمة تشكيل الحكومة؟ القرار كان منتظراً.. جميع المراقبين في المغرب كانوا يعرفون الحقيقة. يعرفون أن القصر لم يكن مستعداً ليترك بنكيران يكمل ولاية أخرى على رأس الحكومة. أظن أن طول مدة الأزمة، التي شهدتها مرحلة تشكيل الحكومة، كانت تعادل أهمية شخص بنكيران، وشعبيته بين المغاربة، لأنه كان من الصعب التخلص من شخصية من حجمه من دون اصطناع أزمة تعادل وزنه في المشهد السياسي، وأخنوش كان هو المكلف باصطناع هذه الأزمة. بلاغ الديوان الملكي تحدث فقط عن الزمن الذي قطعه بنكيران في مشاوراته لتشكيل الحكومة، دون أن يذكر الأسباب. لماذا في نظرك؟ في اللغة السياسية لا يمكن ذكر جميع الأسباب، وفي هذه الحالة كان السبب واضحاً بين ثنايا خطاب العرش الماضي، وهو أن شخص بنكيران لم يعد مرحباً به من طرف القصر، وانتهى الكلام، كما يقول بنكيران نفسه. ما هي الأسباب الظاهرة في تقديرك، التي جعلت الملك يصدر قراراً من هذا الحجم في حق بنكيران دون استقباله؟ بما أنه تم التخلص من بنكيران دون أن يتم استقباله، فهذا يعني عدم رضى الملك عنه، وأظن أن سبب ذلك أنه منذ توليه مهمة رئيس الحكومة، وهو يرتكب الأخطاء في تدبير علاقته مع الملك، فمرة يتملق له، ومرة يقول إنه لولا دعم العدالة والتنمية لما نجت المؤسسة الملكية من الربيع العربي، وأحياناً يلجأ إلى شعارات عشرين فبراير. وفي بعض المرات كانت هذه الرسائل المشفرة، التي يرسلها بنكيران إلى القصر تتحول إلى ما يشبه قنابل مشفرة، وليس رسائل مشفرة فقط، فبنكيران لمّا أعفي، على الرغم من شعبيته الكبيرة، بقي "لا ديدي لا حب الملوك"، إذ لم يعد محل ثقة من قبل القصر، والديمقراطيين، ما يعني أن الرهان على الشعبية وصناديق الاقتراع لم يكن كافياً، لأنه بعدما تغير ميزان القوى، الذي أصبح في غير صالح بنكيران، تم التخلص من هذا الأخير بهذه الطريقة. هل تتفق مع أن صلابة، وقوة شخصية بنكيران، وجرأته أحد أسباب وخلفيات قرار إعفائه؟ معلوم.. حتى شعبية بنكيران كان مفعولها عكسياً وضده، لأن الدولة لم تتعود على شخصية سياسية مستقلة لها شعبية كبيرة، ولذلك كان هذا من بين العوامل، التي عجلت بعزل بنكيران. ما هي النقاط الإجابية التي ميزت مرحلة بنكيران؟ في الحقيقة، هو رجل شجاع من دون نقاش، وأبان عن الكثير من مواقفه الشجاعة، وكشف قرارات لم نكن نحلم بأننا سنشهد رئيس حكومة يمكنه أن يتخذ مثلها، كرفضه التوظيف المباشر من دون مباراة، وإقرار الأجر مقابل العمل بالاقتطاع من أجور المضربين، والإصلاح النسبي لصندوق المقاصة، ومحاولة إصلاح صناديق التقاعد.. هذه قرارات صعبة عرفها المغرب في عهد بنكيران، ولذلك ربح المغرب معه كثيراً، ما يعني أن حصيلته في المجموع كانت إيجابية. وعلى الرغم من ذلك، فإن هذه القرارات لا تدخل في استراتيجية الحزب ولا إيديولوجيته، بل كانت مطلباً منذ خمسة عشر سنة، من طرف جميع المؤسسات المالية الدولية. والفرق بين بنكيران ومن سبقه إلى كرسي الحكومة، أن لا أحد امتلك القوة والشجاعة اللتين امتلكهما بنكيران لاتخاذ العديد من هذه القرارات الصعبة، فهل رئيس الحكومة الجديد، سعد الدين العثماني، أو أي رئيس حكومة آخر، سواء كان من أحزاب الإداربة، أو تقنوقراطياً يمكنه أن يتخذ قرارات مهمة غير شعبية؟ لذلك فهذا السؤال سيبقى مطروحاً وعالقاً. في المقابل، هل هناك سلبيات حسب تقديرك طبعت منطق بنكيران في التدبير؟ الواضح، أن بنكيران لم يكن يكثرت كثيراً للديمقراطية ولا لحقوق الإنسان ولا للحريات، بل كان يريد أن يكون عميد نادي التحكم الذي كان يتحدث عنه دائماً. لو كان بنكيران يهتم للديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات، لما كانت ولايته الحكومية، التي بدأت منذ عام 2011، عرفت أكبر تراجع في ميدان الحريات، والتأويل غير الديمقراطي للدستور، على الرغم من أنه دائماً كان يحمل المسؤولية في ذلك للتحكم، لكن ذلك كله لا يشفع له، لأنه كان رئيس الحكومة، ولم يستنكر يوماً تلك الانتهاكات، التي طالت الحقوق والحريات، بل كان أحيانا يقرها، ويوافق عليها. عودة إلى إعفاء بنكيران. كيف قرأت رد فعل العدالة والتنمية على قرار الملك؟ لم أشك ولو نصف دقيقة في أن "البيجيدي" سيقبل بقرار القصر، والتضحية ببنكيران، وتعويصه بشخصية أخرى، وهذا يرجع إلى سببين، الأول أنهم معروفون ببراغماتيتهم، والثاني لأنهم ذاقوا حلاوة السلطة، وأصبح من الصعب أن يتخلوا عنها، والقصر يعرف هذا جيداً.
لكن، الإيجابي في هذه المرحلة، أننا وصلنا إلى حالة مهمة، تتمثل في حصول نوع من الحوار، أو تفاوض ندّي بين الملك وحزب سياسي، وهو العدالة والتنمية. وهذه الحالة لم نعشها في المغرب منذ أربعين سنة إلى أن ظهر أن حزب العدالة والتنمية له القوة والشرعية الكافيتين اللتين تمكنانه من محاورة المؤسسة الملكية.
وعلى الرغم من ذلك، فإن حزب العدالة والتنمية، أظهر أنه لا يريد التصعيد في مواجهة القصر، وهذا مهم بالنسبة إلينا، يجب الاعتراف به لحزب "المصباح"، على الرغم من اختلافنا معه، فليس لدينا أحزاب لديها القوة، التي تملكها العدالة والتنمية لتحاور المؤسسة الملكية بهذه الطريقة. وهذا إيجابي حتى للمؤسسة الملكية نفسها، لأنه يذكرنا بأن البلاد لا يمكن التركيز فيها على مؤسسة واحدة. ماذا تتوقع من خليفة بنكيران في تشكيل الحكومة؟ بطبيعة الحال، الحاجز الوحيد الذي كان هو شخص بنكيران. الكثير من الأمور ستتم حلحلتها طبيعياً، بعدما تم اعفاء بنكيران. ما رأيك في اختيار شخص العثماني، خصوصا بعدما راج اسم الرباح؟ الحاجة الوحيدة، التي يمكن أن نرتاح لها أنه تم اختيار العثماني، وليس الرباح رئيساً للحكومة خلفاً لبنكيران، ولو حصل ذلك لكانت نهاية العدالة والتنمية، وأصبح الرباح "البيجيدي"، هو لشكر الاتحادي. لقد نجا "البيجيدي" من كارثة كبرى. أنا لا أنتقد الرباح، ولا أقول إنه لا يعجبني، بل الواقع أن عدداً كبيراً من أعضاء المجلس الوطني ل"البيجيدي"، وعدداً من مناضلي الحزب نفسه يرفضونه قائداً لهم، ويعتبرونه بمثابة ابن عرفة الحزب. وبطبيعة الحال، لما يصل بنعرفة إلى القيادة من دون شك منزله سينهار، أو كما يقال: "إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة". هل تتوقع أن يتراجع أخنوش عن الاشتراطات التي وضعها أمام بنكيران خلال مشاوراته مع العثماني؟ أظن أن أخنوش، وهذا يعرفه جميع المتتبعين، لا يملك قراره السياسي، بل ينفذ التعليمات. أظن أن أخنوش عندما تم التخلص من بنكيران لم تعد اشتراطاته مقبولة، بل أصبحت غير منطقية، ومنها اشتراط دخول الاتحاد الاشتراكي، أو غيره إلى الحكومة كما فعل أخنوش مع بنكيران. ودخول الاتحاد الدستوري، أو الاتحاد الاشتراكي إلى الحكومة لن يضيف لها أي شيء. وكوّن أخنوش كان يلح عليهما في المرحلة الأولى في مفاوضاته مع بنكيران، فذلك لأنها كانت وسيلة لاصطناع الأزمة ولتبرير "البلوكاج". كيف تقرأ عودة حزب الاستقلال إلى طاولة المفاوضات بقوة بعدما تم التخلي عنه في البداية؟ العدالة والتنمية قدم تضحيات كبيرة، أبرزها تخليه عن الأمين العام، وعلى أكبر زعيم سياسي عرفه المغرب، منذ حوالي عشرين سنة على الأقل.. إذ إن تخلي "البيجيدي" عن بنكيران كان بمثابة استغناء نادي برشلونة عن النجم الكروي ليونيل ميسي.. وبالتالي أتوقع أن يقول العدالة والتنمية، خلال مشاورات العثماني، كفى من المزيد من التنازلات. وكون "البيحيدي" استهل مشاوراته بحزب الأصالة والمعاصرة، فهذا تكتيك تواصلي، كما لو أنه يريد القول إننا أنهينا مرحلة التعنت، ولكن الحقيقة أنه سيتشبث بدخول الاستقلال إلى الحكومة، والتقدم والاشتراكية، وفِي المقابل سيستمر في رفض الاتحاد الاشتراكي.
وما يميز "البيجيدي" عن الآخرين، أن شخصية رئيس الحكومة المعين منه، كيفما كانت قوته، لا يمكن أن يفعل ما يريد، لأن ديمقراطيته الداخلية، كما نسمع عنها، تفرض عليه أن ينضبط لقرارات الحزب، وبالتالي لن يبق للعثماني أي هامش في المشاورات إلا هامشاً شكلياً. ومن بين الرسائل المشفرة، التي بعث بها حزب العدالة والتنمية للقصر بخصوص المفاوضات، أن هذه الأخيرة ستتم تحت رعاية الأمانة العامة للحزب، أي أن بنكيران، الذي تخلصت منه، سيكون مؤثراً في سير المفوضات، التي سيجريها العثماني، لأن بنكيران لا يزال أميناً عاماً للحزب.