أن يقول ملك البلاد لرئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية سعد الدين العثماني الذي عين رئيسا للحكومة كبديل عن الأمين العام للحزب الاستاذ عبد الإله بنكيران الذي تم اعفاؤه من مهامه قبل ان يقدم استقالته ومن دون ان يستقبله الملك بحجة انه فشل في مشاورات تشكيل الحكومة "بلغ سلامي إلى جميع أعضاء الحزب وقل لهم إن جلالته يريد أن يشتغل مع العدالة والتنمية لأنه حزب وطني" فهذا دليل قاطع على أن المؤسسة الملكية لازالت في أمس الحاجة لحزب عبد الكريم الخطيب الذي لعب دورا أساسيا في محاصرة الحراك المغربي وامتصاص غضب الشارع في سنة 2011. كلام الجالس على العرش لرئيس الحكومة الجديد لم يكن اعتباطيا ولا يمكن فهمه كما لو انه در للرماد في عيون أعضاء الحزب الذين كتموا انزعاجهم من إعفاء بنكيران بتلك الطريقة التي وصفت من قبل البعض بالمهينة والبعض الآخر باللادستورية على اعتبار ان بنكيران لم يقدم طلب استقالته للملك وفق ما ينص عليه الفصل 47 من الدستور… بل كان كلام الملك موزونا ومدروسا ودقيقا ومؤسسا على تقدير سليم للمرحلة التي لا زالت تفرض على القصر الاستمرار في تطبيع علاقته مع اسلاميي العدالة والتنمية رغم محاولات بعض الأطراف الدفع في اتجاه إبعاد الإسلاميين عن تدبير الشأن العام بشكل نهائي.. ما قاله الملك للعثماني عند استقباله بالقصر الملكي بالدار البيضاء وتعيينه رئيسا للحكومة بعد إعفاء بنكيران من مهامه كلام ينطوي على رسائل متعددة منها ماهو موجه لحزب العدالة والتنمية ومنها ما هو موجه للطبقة السياسية ومنها ماهو موجه للخارج. اهم رسالة وجهت إلى حزب العدالة والتنمية هي أن المؤسسة الملكية لا مشكلة لها مع هذا الحزب وأن يدها لازالت ممدودة للاشتغال معه وأنها ليست معنية على الإطلاق بما يروجه خصوم هذا الحزب الاديولوجيين حول ولائه لجهات خارجية مادام ان القصر مقتنع بأنه حزب وطني… أما الرسالة الثانية فقد وجهت إلى الطبقة السياسية وبالتحديد إلى الأحزاب السياسية التي لعبت دورا رئيسيا في بلوكاج تشكيل الحكومة الذي كان من تبعاته إزاحة بنكيران من رئاسة الحكومة وهي الرسالة التي يمكن ان نستشفها من خلال قول الملك للعثماني انه "مازال باغي يخدم مع العدالة والتنمية" لأنه من غير الممكن بعد هذه الإشارة الواضحة الدلالة على المستوى السياسي ان يسير اي حزب سياسي معني بالمشاورات السياسية لتشكيل الحكومة في الاتجاه المعاكس وهذا ما بدا جليا في تصريح عزيز أخنوش الذي رحب فيه بتعيين سعد الدين العثماني رئيسا للحكومة بعبارات تطمينية توحي بأن طريق تشكيل الحكومة سيكون سالكا أمامه بخلاف سلفه بنكيران الذي لم يعد مرغوبا فيه لأسباب يتداخل فيها الذاتي بالموضوعي. الرسالة الثالثة وجهت للقوى الداخلية والخارجية المعادية للتنظيمات الاخوانية مفادها أن الحالة الإسلامية المغربية تحت الضبط ولا تشكل اي إزعاج للحكم مرحليا بل على العكس من ذلك فإن الأوضاع الداخلية وتحولات المحيط المتسارعة لا تسمح على الاطلاق بالتفريط في اسلاميي عبد الكريم الخطيب بل توجب ضرورة الاستمرار في التعامل معهم كورقة مهمة في تثبيت السلم الاجتماعي والسياسي بالنظر إلى حاضنتهم الشعبية الكبيرة والقوية لأن ابعادهم بشكل نهائي لا يخدم الاستقرار بل يوسع من دائرة الاحتقان في ظل غياب بديل حزبي قادر على المحافظة على التوازنات السياسية في البلاد. لكل هذه الاعتبارات يمكن القول بأن إعفاء عبد الإله بنكيران او ازاحته من رئاسة الحكومة لم يكن الغرض منه هو إضعاف حزب العدالة والتنمية او تعريض بيته الداخلي للانشقاق كما ذهب إلى ذلك بعض المحللين المهووسين بنظرية المؤامرة بل كانت غايته الأساسية هي التخلص من رجل أصبحت له شعبية مزعجة وهذا ما يفسر اختيار شخص العثماني كشخص هادئ ومهادن ولا أضواء كاشفة مسلطة عليه. على الجميع ان يعلم انه في ظل الأنظمة الابوية لا يسمح لأي جهة كانت مهما علا شأنها ومهما كان تأثيرها السياسي او شعبيتها في المجتمع كبيرين بالاستمرار في لعب ادوار يمكن ان تكون سببا في القتل السياسي لصورة الأب الرمز في المتخيل الشعبي.