عشية عرض سعد الدين العثماني لبرنامجه الحكومي على قبتي البرلمان، وتضمينه عددا من الوعود الاجتماعية والاقتصادية التي تسعى الحكومة إلى تنفيذها خلال الولاية الحالية، خرجت مجموعة البنك الدولي بمذكرة شاملة تتضمن عددا من الملاحظات على الأداء الاقتصادي والاجتماعي للمغرب. المذكرة التي توصلت بها الحكومة، تتضمن معطيات صادمة وترصد عددا من الملفات، خاصة ما يتعلق بالاستثمارات ومعدلات النمو وتثمين الرأسمال البشري، فضلا عن التعليم الذي يعتبر أصل الأعطاب التي يعانيها بلد أخطأ عددا من فرص التحول نحو مصاف الدول الصاعدة. تسجل مذكرة البنك الدولي أن المغرب، يعرف تأخرا كبيرا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي يُقدر بنحو نصف قرن مقارنة مع أوروبا، ويبتعد كثيرا عن الدول الصاعدة ذات الدخل المرتفع. ورغم الجهود المبذولة منذ سنة 2000 لتحديث الاقتصاد وتنويع محركات النمو، إلا أن وتيرة النمو تبقى ضعيفة مقارنة مع دول أخرى ذات اقتصاديات أقل تطورا، ويشير خبراء البنك إلى أن دينامية الانطلاق كانت ضعيفة مقارنة مع أسواق صاعدة في المنطقة كما هو الشأن بالنسبة إلى تركيا، أو في دول انطلقت بالشروط نفسها التي كانت لدى المغرب سنوات الستينيات مثل كوريا الجنوبية. إلى ذلك تضيف المذكرة أن الدول التي عرفت انطلاقة اقتصادية تمكنت من الحفاظ على مستوى نمو للناتج المحلي الإجمالي/ حسب الفرد، يفوق 4 في المائة على مدى 20 إلى 30 سنة، في حين لم يتمكن المغرب من تجاوز نسبة 2 في المائة كمعدل نمو للناتج المحلي الإجمالي/ حسب الفرد بين سنتي 1980 و2010. الفوارق بين المغرب والدول الصاعدة تزداد حدة، يقول البنك الدولي إذا أخذنا بعين الاعتبار الثراء العام حسب الفرد، إذ تمكن المغرب من تحسين معدل الثروة لكل فرد بنحو 10 آلاف دولار بين سنتي 2000 و2011، في حين تمكنت الدول ذات الدخل المرتفع نسبيا من رفع المعدل بنحو 25 ألف دولار للفرد، وهذا ما يضع المغربي في مستوى أقل من نظيره التونسي أو الجزائري أو الأردني، وأكثر من المواطن المصري. أين يذهب الجهد الاستثماري للمملكة؟ سؤال يطرحه خبراء البنك الدولي، على اعتبار ضخامة المجهود الاستثماري للمغرب منذ سنة 2000، إذ يصل في المعدل إلى 31 في المائة من الناتج الداخلي الداخلي الخام، ويمكن مقارنته مع الدول التي تمكنت من تحقيق معجزات اقتصادية. لكن خلافا لهذه الدول، فالمحصلة النهائية تبقى دون الانتظارات، على اعتبار أن النتائج المحصل عليها على مستوى النمو تبقى ضعيفة منذ سنة 2000. أكثر من ذلك يشير البنك الدولي في مذكرته إلى أن دولا مماثلة للمغرب تمكنت من تحقيق نمو جيد بمجهود استثماري أقل مما وفره المغرب، وهو ما حصل مع تركيا أو كولومبيا، في حين أن الدول التي وفرت مجهودا استثماريا مماثلا للمغرب تمكنت من تحقيق تطور سريع، وهو ما يعطينا خلاصة صادمة هي أن نموذج النمو المغربي شَرِه على مستوى الموارد، لكنه يخلق إنتاجية ضعيفة، رغم الإصلاحات الهيكلية التي تم القيام بها. عدم التناسق بين المجهود الاستثماري ونمو الناتج الداخلي الإجمالي يجد تفسيره في مستوى تطور البلد، إذ يستثمر المغرب بشكل كبير في البنيات التي تعطي نتائج على المدى البعيد، وفي المقابل يفترض أن يقوم القطاع الخاص بدوره لتعويض الاستثمارات العمومية، لكن ليس هذا ما يحدث، وهذا يفترض حسب البنك الدولي الاشتغال على خطة لاختيار الاستثمارات وتوجيهها بشكل أفضل، وبإمكان المملكة أن تستلهم النموذج الكوري الجنوبي، الذي استثمر بشكل كبير سنوات الستينيات في الصادرات والتعليم، ما جعل منه اليوم، واحدا من أقوى الاقتصاديات في العالم. الإنتاجية.. القادم أسوأ رغم المجهود الاستثماري الذي يمثل ثلث الناتج الداخلي الإجمالي، إلا أنه ليس مصحوبا بإنتاجية كافية، وفي هذا الصدد يحسم خبراء البنك الدولي بكون المغرب "ملزم في حال أراد الحفاظ على مستوى إيجابي من النمو على المدى البعيد وتسريع التطور الاقتصادي، أن يرفع من إنتاجيته، ما يعني رفع مستوى تعليم المواطنين". هذا، وتشير المعطيات التي أوردها البنك الدولي إلى أن تعميم التعليم انطلق متأخرا في المغرب مقارنة مع الدول في طور النمو، وتحديدا في سنوات التسعينيات، ليرتفع معدل التمدرس من 55 في المائة سنة 1990 إلى حوالي 100 في المائة حاليا، لكن هذه التغطية شبه الكاملة في المستوى الابتدائي تخفي ثلاث حقائق، أولاها تعليم بجودة ضعيفة، ومؤسسات تعليم تجاهد للحفاظ على تلاميذها، ثم قرابة ثلث السكان ما يزالون أميين. وحسب البنك الدولي فتعميم التمدرس اعتمد منهجية عددية صرفة ولم يؤد بالضرورة إلى تراكم الرأسمال البشري. ويكفي أن نعرف أنه مثلا على مستوى القراءة يحتل التلاميذ المغاربة الرتبة الأخيرة على الصعيد العالمي، وباعتراف وزارة التعليم نفسها فثلاثة من أصل أربعة تلاميذ في مستوى الرابع ابتدائي لا يستطيعون الكتابة، يتمكنون من القراءة بصعوبة ويحفظون عن ظهر قلب، لكنهم لا يفهمون إلا النزر القليل مما يقرؤون. تراكم الصعوبات التعليمية خلال السنوات الأولى للتعليم ينتج حسب المذكرة، مخلفات سلبية على التطور المعرفي للتلميذ على مدى مساره الدراسي، وتؤثر بشكل سلبي على إنتاجيته خلال شبابه. وتبعا لذلك، فالمغرب يعد من بين الدول التي رافق تعميم التمدرس تدهور كبير لجودة التعليم وهو واقع ما يزال مستمرا. المدرسة العمومية تحتاج إلى "معجزة" ضعف إنتاجية المدرسة العمومية يعود في جزء كبير منه إلى المدرسة العمومية التي أخطأت الاستراتيجيات التي تمكنها من تحقيق أفضل النتائج، وحسب البنك الدولي فالشباب المغاربة يملكون خبرات ضعيفة ما يفرض عليهم اختيار مهن صغيرة، وبأجور زهيدة. وحسب المعطيات التي اعتمدها البنك فثلثا الشباب المغاربة في سن 20 سنة لم يتمكنوا من الحصول على الباكالوريا، أي ما يمثل 400 ألف شاب من أصل 600 ألف شاب، ما يحكم عليهم بالبقاء دون تكوين يؤهلهم للانخراط في مهن ذات مهن ذات جودة عالية. ومن أصل 200 ألف شاب المتبقين الذين حصلوا على شهادة الباكالوريا، يتمكن فقط، 50 ألف شاب من الحصول على تكوين يمكنهم من الحصول على فرص تستجيب لتطلعاتهم، في حين يتمكن 10 آلاف شاب فقط، من الحصول على دبلومات عالية تفتح أمامهم آفاقا واسعة في سوق الشغل، ما يعني 2 في المائة فقط، من الفئة العمرية 20 سنة. وحسب البنك الدولي، فالمغرب في حاجة فعلية إلى "معجزة تعليمية"، ومشكل هؤلاء الشباب يعود في جزء كبير منه للنسيج الاقتصادي الذي يعجز عن خلق فرص الشغل، وأيضا هو نتيجة نظام تعليمي بجودة ضعيفة ولا يضمن تكافؤ الفرص. وحسب التقرير فالنظام التعليمي هو واحد من بين النظم التعليمية الأكثر تفاوتا في العالم، بل إن بعض التقارير المعتمدة تتحدث عن "شرخ تعليمي"، على اعتبار أن التلاميذ المغاربة يعيشون في عالمين تعليميين متوازيين، تتحكم فيهما القدرات المالية للأسر. وفي وقت يفترض أن تمثل المدرسة وسيلة للتطور الاجتماعي، فإنها على العكس من ذلك تنتج اللامساواة بسبب الأصول السوسيو-اقتصادية للآباء. وهنا يبرز، أيضا، مشكل تحول عدد كبير من الأسر ذات الدخل المتوسط إلى التعليم الخصوصي، على العكس مما حصل في جميع الدول التي نجحت في رفع رأسمالها البشري، ومنها كوريا الجنوبية وسنغافورة وفنلندا، حيث تم التركيز على تعليم ابتدائي جيد للجميع في المدرسة العمومية بنسبة تقارب 100 في المائة. من مسببات فشل المنظومة التعليمية المغربية أيضا، حسب البنك الدولي، نجد الرشوة، وضعف المنظومة الأخلاقية، فضلا عن اختلاس الأموال العمومية، وهي أسباب تأتي في المقدمة، يأتي بعدها ضعف التكوين وأجور الموظفين. ومن أجل تجاوز أعطاب هذه المنظومة، سيكون من الضروري حسب البنك الدولي التركيز على ثلاثة ملفات ذات أولوية هي: جودة التعليم، الحكامة، ثم البيئة الاجتماعية للتلاميذ.