أصدر البنك الإفريقي للتنمية، اليوم الأربعاء، واحدة من أهم الدراسات التقييمية للنموذج الاقتصادي المغربي منذ سنة 1990، وهي الدراسة التي تمت بطلب من رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران، واشتغل عليها البنك الإفريقي إلى جانب ممثلين عن الحكومة المغربية. وخرجت الدراسة بمجموعة من الخلاصات، لعل أهمها أن النمو الاقتصادي المغربي "متقلب" ويخضع بشكل كبير لعاملين أساسيين الأول هو نسبة تساقط الأمطار، والثاني هو الوضعية الاقتصادية لأوروبا الشريك الاقتصادي الأول للمملكة. وقدم دونالد كابيروكا رئيس البنك الإفريقي بعض مضامين هذه الدراسة المكونة من 250 صحفة، همت كل الجوانب المتحكمة في التنمية الاقتصادية في المملكة، ليؤكد على أن المغرب نجح في "مواجهة الظرفية الاقتصادية الصعبة التي مر منها العالم وذلك عبر مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية" في إشارة منه إلى قرارات الحكومة رفع الدعم عن المحروقات وتقليص نفقات صندوق المقاصة. لكن "الإصلاحات الاقتصادية" التي تحدث عنها المسؤول الإفريقي تبقى غير كافية لوحدها من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية في المغرب بسبب مجموعة من العراقيل فصلها التحليل المقدم من قبل المؤسسة الإفريقية. نمو متقلب من المعيقات التي تحدثت عنها الدراسة كون النمو الاقتصادي المغربي لا يعرف منحى تصاعديا ثابتا كما هو الحال بالنسبة للدول الصاعدة، وإنما هو نمو "متقلب" خصوصا وأن المغرب يعتمد بشكل كبير على قطاع الفلاحة المرتبط بدوره بنسبة تساقط الأمطار، كما انتقدت الدراسة اعتماد المغرب على عدد محدود من القطاعات من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية وخصوصا قطاع الفلاحة والتجارة والخدمات. ولفت البنك الإفريقي أيضا إلى ما أسماه "جمود" البنية الإنتاجية في المغرب، والسبب حسب نفس الوثيقة هو اعتماد المغرب منذ سنة 1997 إلى غاية سنة 2007 على قطاعات بعينها وهي قطاع الفلاحة، العقار، والتجارة وهي قطاعات ساهمت بشكل كبير في تحقيق النمو في المغرب، غير أن هذه القطاعات لا يمكن أن تعوض القطاع الصناعي الذي يجب أن يكون أكبر محرك للتنمية الاقتصادية في أي بلد، على اعتبار أنه القادر على الرفع من القدرة الإنتاجية للبلد. وكان للقطاع الخاص أيضا نصيب من الملاحظات التي أبدتها الدراسة حول التنمية في المغرب، حيث وصفت التطور الحاصل في القطاع الخاص ب "المحدود"، مفسرة بطء نمو القطاع الخاص بالحضور القوي للقطاع غير المهيكل في النسيج الاقتصادي المغربي. بالإضافة إلى تشكيل الشركات الصغرى والمتوسطة النسبة الأكبر من مجموع الشركات في المغرب، "وهي شركات غير قادرة على الرفع من قدراتها الإنتاجية ولا الانتقال إلى مستوى أعلى" تقول الدراسة التي سيتم تقديمها إلى رئيس الحكومة. التعليم والتكوين وأولت الدراسة أهمية كبيرة للتعليم في المغرب ومستوى تأهيل الرأسمال البشري، إذ "لا يمكن تحقيق أي تنمية بدون مواطن يتوفر على مستوى تعليمي جيد" تقول الوثيقة، وإذا كان المغرب يخصص 24.8 في المائة من نفقاته العمومية للنظام التعليمي إلا أن "نتائج هذه النفقات والاستثمارات تبقى جد ضعيفة" وهو ما يطرح التساؤل حول نجاعة جميع البرامج التي أطلقت من أجل إصلاح نظام التعليم وكل النفقات المصاحبة لهذه البرامج. ودقت الدراسة ناقوس الخطر بشأن نسبة التمدرس "الضعيفة" في المغرب مقارنة مع دول لها نفس المستوى الاقتصادي للمغرب، وصلت نسبة التمدرس فيها إلى 90 في المائة، بل أكثر من هذا فقد تحدثت الدراسة عن انعدام المساواة بين المرأة والرجل في المغرب في مجال التعليم، نظرا لكون النساء الأكثر تضررا من ظاهرة الأمية، وبصفة عامة فإن نسبة الأمية في المغرب تصل إلى 36 في المائة من مجموع المغاربة الذين تفوق أعمارهم عشر سنوات. ولفت البنك الإفريقي إلى أن ضعف نجاعة النظام التعليمي المغربي تظهر جلية من خلال مستوى التلاميذ المغاربة خلال اجتيازهم لامتحانات دولية، ليخلص إلى أن نظاما تعليميا غير ناجع سيعطي للمغرب يدا عاملة غير مؤهلة وهو ما يوقف النمو الاقتصادي في المغرب، خصوصا وأن القطاع الخاص المغربي يلح على مسألة تأهيل اليد العاملة. مخاطر محدقة بالاقتصاد وقدم البنك الإفريقي مجموعة من المخاطر التي اعتبرها تهدد النمو الاقتصادي المغربي، أولها بطء النظام القضائي المغربي في البث في المنازعات التجارية وذات الطابع الاقتصادي، كما أن عدد المنازعات المعروضة على المحاكم "جد مرتفع"، مضيفة بأن قانون الوساطة لم يؤت النتائج المرجوة منه. كما انتقد البنك الإفريقي ما أسماه ثنائية نظام تسيير الأملاك العقارية التابعة للدولة، بين نظام تقليدي قديم، وبين نظام عقاري حديث وعصري، وبينما أثنى البنك على النظام العصري باعتباره يقدم مجموعة من الامتيازات القضائية والاجتماعية، فقد انتقد النظام التقليدي الذي يجعل من نقل الملكية العقارية مسألة "صعبة" وهو الأمر الذي يحد من الاستثمارات. ومن بين المخاطر الأخرى التي يجب على المغرب الاهتمام بها، النظام الجبائي، حيث وصف البنك الإفريقي معدل الضرائب المفروضة على المغاربة بالمرتفع مقارنة مع دول لها نفس الناتج الداخلي الخام ونفس عدد سكان المغرب. وأضاف البنك الإفريقي أن نسبة الاقتطاعات من أجور الموظفين تعتبر هي الأخرى جد مرتفعة، وكذلك الأمر بالنسبة للضريبة على القيمة المضافة، ليخلص إلى أن توزيع الضرائب لا يتم بشكل عادل بين مختلف الفئات الاقتصادية المغربية سواء تعلق الأمر بالأفراد أو الشركات.